أحداث

تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني

.. بقلم الدكتور حسن عزالدين الدياب قيادي بالتيار الشعبي

لوبوان تي أن

 

 

أكد التونسيين على مساندتهم المطلقة للقضية الفلسطينية في عديد المواقف الثابتة مما يدل على ان هناك حقيقة مطلقة مؤكدة وهي رفض الشعب التونسي التطبيع مع الكيان الصهيوني، وبالرغم من ذلك تعالت الأصوات للبعض من المرتهنين لأجندات خارجية صهيوأمريكية رفضت التنصيص على تجريم التطبيع مع دولة إسرائيل ضمن بنود دستور تونس ما بعد الثورة بتعلّة ترك حقّ تقرير المصير لشعب فلسطين. فإذا كتبنا فصلا يشير إلى تجريم التطبيع في دستورنا ، في رأيهم، قد نجد أنفسنا في وضع محرج إذا  تفاوض الفلسطينيون مع دولة إسرائيل وتوصلوا إلى حلّ سلمي.. .

ولكن نؤكد أن القدس محجّة المسلمين وهي أرض إسلامية وعربية ومسيحية، والوجود الصهيوني عليها تدنيس و القدس لا يملكها المقدسيون إلاّ من ناحية سياسة معاشهم عليها ولا يملكون حقّ تسليمها إلى العدو الصهيوني ، ولو في إطار اتفاق لا قدّر اللّه.و القدس أمانة لدى المقدسيين كما مكة والمدينة أمانة لدى السعوديين. ويجب على كلّ الأقطار الإسلامية أن تجرّم التطبيع مع دولة إسرائيل حتّى يستردّ الشعب الفلسطيني المستضعف حقوقه في الحرية والاستقلال والكرامة ويمسك القدس عاصمة له وتعود ثالث مكان يحجّ إليه المسلمون كما كانت عبر تاريخ طويل.ثم أن تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني هي مسألة حتمية لأنها ضرورة لابد من إدراجها في نص قانوني واضح خاصة وأن توطئة الدستور التونسي أكدت على حق الشعوب في تقرير مصيرها ولحركات التحرر العادلة وعلى رأسها حركة التحرر الفلسطيني ، وما يقوم به شباب فلسطين من اعمال بطولية رائعة للتحرر بمواجهات تؤكد إصرار الفلسطينيين على حقهم في تقرير مصيرهم  متحدين بصدورهم و أرواحهم آلة القمع الصهيونية .  وعلى اعتبار انه كما جاء بالفصل الثالث من الدستور أن: الشعب هو مصدر السلطات، يمارسها عبر ممثليه المنتخبين انتخابا حرا، وعبر الاستفتاء.

فإنه من حق ومن واجب التونسيين اليوم الذين يرفضون وجود الكيان الصهيوني ويرفضون التعامل معه بأي شكل من الأشكال وفي كافة المجالات على اعتبار انه عدو مغتصب لفلسطين ومعتد آثم على الشعب الفلسطيني والأمة العربية ككل. وان هذا الكيان غير شرعي ويمثل أبشع أنواع العدوان والاستهتار بالإنسانية، ويجب أن يكون رفضه مبدئيا وقاطعا وشاملا. لكن وبالرغم من التوجه الإعلامي ضد الكيان الصهيوني والمشاعر الملتهبة ضده على مستويات عدة ، إلا أن أنظمة عربية تقيم معه علاقات كانت سرية واليوم أصبحت علنية مفضوحة  في أسرة حاكمة وأعوانها. بل إن دول عربية مثل عُمان والإمارات وقطر أقامت علاقات طيبة مع الحركة الصهيونية مقابل الدفاع عنهم وعن كيانهم مستقبلا ضد التحديات العربية. وقد كان التهتك الأخلاقي العربي جليا في قرارات مؤتمر القمة العربي في الخرطوم وفي قبول قرار مجلس الأمن 242. وأعلن القادة العرب في مؤتمرهم ثلاث لاءات وهي ” لا صلح مع الكيان الصهيوني ولا تفاوض معه ولا اعتراف به” ، ولكنهم قبلوا قرار مجلس الأمن الذي يدعو إلى التفاوض والاعتراف المتبادل والمحافظة على المنعة الإقليمية لكل دولة في المنطقة واحترام سيادتها وفتح الممرات المائية أمامها. وبالرغم من أن أعضاء الجامعة العربية استمرت في مقاطعة الكيان الصهيوني, واستمرت لجنة مراقبة المقاطعة في نشاطها الهادف إلى عزل الصهاينة اقتصاديا على المستوى العالمي وإضعافه. وقد حققت هذه اللجنة نجاحا لكنها لم تكن مخولة بأكثر من النطاق الاقتصادي الذي يمنع التجارة مع الكيان ومقاطعة الشركات التي تقوم بالتعامل الاقتصادي مع الصهاينة. لكنه لوحظ أن اللجنة لم تصعد إجراءاتها بحيث تشمل الدول التي تعاملت مع الصهاينة.

ولا بد من التأكيد على ان موقف الصهاينة العدائي الاستبدادي المحتل لا يزال واضحا عبر السنوات، وأن تعريفهم للسلام في المنطقة يعني إنهاء حالات الحرب والعداء من اجل فرض الذات على العرب وإجبارهم على التخلي عن تفكيرهم بإلحاق هزيمة عسكرية بإسرائيل وطردها من المنطقة. و أن وصول الشعوب العربية إلى القناعة ذاتها مرتبط حسب الفكر الصهيوني, بتكرار الهزائم بحيث يصبح الفرد العربي عنصرا داعما لزعيمه من اجل القبول بالهزيمة والاستسلام. وهو ما دفع المؤيدون للمنحى السلمي الذين يبشرون بأنه لا توجد بدائل، وأنه لا بد من التطبيع الذي هو هدف صهيوني, حيث إنه الضمان الأفضل لتجنيب إسرائيل استمرار العداء ولقبولها كدولة عادية من دول المنطقة. والتطبيع كفيل بتغييب الروح العدائية وبتجنيد الجيوش والمخابرات العربية للدفاع عن أمنها ضد الرافضين والمتمسكين بالتحرير.

ولا بد من توضيح أن كلمة التطبيع تأتي ضمن بعد سياسي واجتماعي مترجمة عن الكلمة الانجليزية ” نورمليزايشين” والتي تعني الاعتياد. أي تحويل السلوك الطارئ سواء كان ذهنيا أو نفسيا أو اجتماعيا إلى عادة بحيث يظهر وكأنه جزء لا يتجزأ من الحياة الاعتيادية العامة والخاصة للإنسان. وفي العلاقة مع الصهاينة يعني التطبيع، إقامة علاقات تجنح نحو الطبيعي الذي يسود علاقة الناس بحيث تصبح اعتيادية في القبول والتعامل المتبادلين. وذلك تدريجيا من أجل الوصول أو تحقيق التطبيع السياسي مع الكيان الصهيوني لا فقط من خلال إقامة علاقات اعتيادية معها كما هي العلاقات الاعتيادية بين دول عالم غير المتنازعة وإنما يدخل في عمق الذات العربية والإسلامية وله انعكاسات ذاتية وجماعية ذات صبغة حضارية وتاريخية. ولذلك تسعى الصهيونية من خلال التطبيع لا فقط إلى مجرد إقامة علاقات تجارية أو مفوضيات أو سفارات ، وإنما مراجعة لمفاهيم الصراع ولفهم التاريخ والأسس الدينية . أي يجب أن يكون عملية قلب جذرية للنظرة العربية والإسلامية تجاه إسرائيل واليهود بحيث ينشأ عربي مسلم جديد بمفاهيم جديدة تنسف كل ما سبق بخلفياته وحيثياته. وحتى يصبح الكيان الصهيوني  كجزء لا يتجزأ من المنطقة ومعترفا بها هكذا فانه لا بد من توفر القبول الشعبي بها. حتى تكتمل الفكرة ويصبح التطبيع مقنعا للصهاينة  فانه لا بد من ترسيخ القيم الجديدة لدى الأطفال من خلال المناهج التربوية. و خلق جيل جديد مفصول عن تاريخه وحضارته وانتصارات أجداده. لذلك أمتد المنهاج التربوي إلى وسائل الإعلام والندوات والمحاضرات العامة والأشخاص والجمعيات التي تسعى جاهدة إلى  دعم خطوات السلام والتعايش والعهد الجديد, وان تمتنع عن التحريض وتتحلى بروح التسامح والتأثير في عقول الناس.ذلك إن التطبيع مع الكيان الإسرائيلي عدى عن كونه  جريمة  بحق فلسطين، يعتبر أيضا جريمة بحق الشعب  التونسي الذي ارتكب الاحتلال في حقه جرائم  إرهابية  ثابتة من خلال اعتدائه على حمام الشط واغتيال رموز سياسية فلسطينية كانت تقيم تحت حماية الدولة التونسية ، كما قام الاحتلال  بقتل العديد من أبناء الشعب التونسي  على مدى سنين الكفاح الوطني التحرري في  فلسطين  منذ  اغتصابها سنة  1948 وإلى اليوم. وعلى هذا فإن عدم تجريم التطبيع يعني الاعتراف “بمشروعية” هذا الكيان وما يقترفه من جرائم ومن ثمة إلغاء وتصفية الحق الفلسطيني في التحرر الوطني والعودة ضدا على كل الشرائع والمواثيق الدولية. وهو من هذا المنطلق، لا يشكل فقط تواطؤا في جريمة الاحتلال لأرض فلسطين وأراضي شعوب المنطقة، بل إنه يشكل جريمة أصلية قائمة على فعل مادي إرادي يتم من خلاله الاعتراف والقبول بكل الجرائم التي قام على أساسها هذا الكيان الإرهابي العنصري ولا يزال يرتكبها علانية وبشكل يومي، كما يشكل دعما لهذه الجرائم ومحاولة لشرعنتها. بل انه يشكل إشادة بالإرهاب والإرهابيين، مما يعتبر جريمة معاقب عليها في قانون مكافحة الإرهاب التونسي.

وعلى أساس ما تقدم نؤكد أن التطبيع يعني القبول بالهزيمة ، وفتح الباب أمام العدو وإقامة العلاقات الحسنة والمتنامية بالعرب مع الكيان الصهيوني . وحتى يكون التطبيع شاملا فلا بد من صنع العربي الجديد المتحلل من قيمه والمتخلي عن قناعاته ، ونزع العربي من جلده وتلبيسه جلدا آخر بدون هوية وبلا عنوان ولا تاريخ. وهذا بكل تأكيد لن يكون موجودا في ضمير الشعب التونسي العربي الأصيل الذي يجب أن يعمل جاهدا نحو ترسيخ هويته العربية الإسلامية الرافضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاشم ولن يتحقق ذلك واقعا فقط بل لا بد من إدراج ذلك بنص قانوني  يجرم التطبيع مع الكيان الصهيوني بكافة أشكاله وأنماطه  الذي قام باحتلال فلسطين وقتل وتشريد شعبها وتهويد مقدساتها من قبل الاحتلال الصهيوني، بدعم وتأييد من  قوى الاستعمار والإمبريالية، من أكبر الجرائم في التاريخ الإنساني والتي لازالت تداعياتها تحكم مسار الأحداث والتطورات الإقليمية في المنطقة العربية ، مما جعل من قضية فلسطين عنوانا مركزيا في الصراع من أجل التحرر الوطني  ومدخلا أساسيا في نضال الإنسانية لتحقيق العدل وهذا ما وقع تأييده من خلال توطئة الدستور التي  أكدت على حق الشعوب في تقرير مصيرها ولحركات التحرر العادلة وعلى رأسها حركة التحرر الفلسطيني  وإنطلاقا مما جاء بالفصل 145 من الدستور على ان توطئة هذا الدستور جزء لا يتجزأ منه وعلى إعتبار ان الدستور وحدة منسجمة حسب ما جاء بالفصل 146  وإذا كان احتضان حركة التحرر الفلسطيني ينبع من أصالة الموقف الإنساني والقومي و الديني للتونسيين ، فإن مناهضة الكيان الإسرائيلي والتصدي لمشاريع التطبيع معه قد شكلت سمة أساسية في حراك قوى الشعب التونسي  وموقفها من طبيعة هذا الكيان. وذلك   انطلاقا من معطى انخراط الشعب التونسي العظيم  والمبدئي في دعم ومساندة معركة الشعب الفلسطيني التحررية والمناهضة للاحتلال، و استشعارا للخطورة البالغة التي أصبح يكتسيها موضوع التطبيع  مع الكيان الصهيوني فقد أصبح الواقع يؤكد على ضرورة  إصدار قانون يجرم التطبيع مع الكيان الصهيوني  ويضع حدا لهذه الجريمة النكراء ولكن للأسف نشهد في تونس موجة عارمة من محاولات التطبيع مع الكيان الصهيوني في مجالات مختلفة ومتعددة في تونس  واليوم هناك توجه سياسي “مفضوح” للتطبيع الناعم مع الاحتلال، وقد اتّضح ذلك جليّاً بداية ن خلال السماح بمشاركة ميشال بوجناح، الفنان الكوميدي التونسي ذو الأصول اليهودية، المعروف بمواقفه المؤيدة للاحتلال الإسرائيلي، في مهرجان قرطاج الدولي، ومن المؤكد أن رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، كان قد أكّد في اجتماعات مع عدد من قيادات الحركة رفضه تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني لأنّ ذلك سيُلحق أضراراً بالنهضة داخليّاً وخارجياً.وفي ذات السياق ومن باب الولاء والإرضاء لحركة النهضة قام رئيس الحكومة يوسف الشاهد مساء الاثنين  6 نوفمبر 2018 بتعديل وزاري بينهم رجل الأعمال اليهودي روني الطرابلسي الذي تم تعيينه على رأس وزارة السياحة وذلك في سياق التحدي لما شهدته المحاكم التونسية مؤخرا من أحكام ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني وضربا في عرض الحائط  لما تقدمت به العديد من القوى التقدمية وأولها الجبهة الشعبية من خلال حزب التيار الشعبي التي طالبت جميعها بتجريم التطبيع  وفي المقابل وردا على هذه القوى أتونا بوزير يهودي على رأس وزارة السياحة، أضف إلى ذلك أنه هناك تضارب مصالح لأنه صاحب وكالة سفرسياحية . كأنه لم يكفي تعيين خميس الجهيناوي مبعوث بن علي لدى الكيان الصهيوني.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى