أحداث

تونس تخوض حرب بقاء على خلفية مناورة التفويض والترويض…

لوبوان تي ن:

حوار رئيس الحكومة هو فعلا إجابة على خطاب رئيس الجمهورية لكنه استثمره لترويض مجلس النواب ليلة التئام جلسته العامة لتفويضه سلطة التشريع بواسطة المراسيم من جهة، ولترويض معارضي رئيس الحكومة والمشككين في قدراتها من جهة أخرى، ثم لرجال النظام القائم الراعي الفعلي للمصالح الكبرى والمعروف ب” Establishment “، وكانت مناورة التفويض والترويض ثلاثية الأبعاد.

 مناورة للترويض لم تقتصر على البرلمان ورئيسه والجهات الحزبية المعارضة وإنما خططت بالأساس لترويض البارونات اللذين يمسكون بالآليات الحقيقية للسلطة واللذين ما زالوا غير مطمئنين لقدرة الفخفاخ على ضمان السلطة والإضطلاع بها، فغازلهم في هذا الخطاب وتقدم لهم بديلا مطمئنا ومضمونا لهذه المناورة جهز رئيس الحكومة مثل غيره من أصحاب السلطة الآليات اللازمة، إذ لم تبطئ الآلات الإعلامية والتواصلية لتطلق حملة تجميل وتسويق للمنقذ الأعلى السيد الفخفاخ وتثمين خطابه واعتباره مثاليا مطمئنا، هذه الآلات التي كانت منخرطة بلا هوادة طيلة الثماني والأربعين ساعة الأخيرة في شيطنة خطاب رئيس الجمهورية والدعاية إلى أنه كان ” داعيا للتفريق والحريق”. استغل في ذلك رئيس الحكومة جدية خطاب رئيس الجمهورية، الذي لم يشذ عن القاعدة متناسقا مع أسلوبه الذي دخل به قلوب قرابة الثلاثة ملايين تونسي ذات اكتوبر 2019، وبجرأته في وضع يده على آلام التونسيين المنسيين وعلى فساد السياسيين وتورط بعضهم كما حلفائهم في الإحتكار والمضاربة، رغم أن تونس تخوض حرب مثلما أعلنتها شعوب العالم.

في هذا السياق جاء خطاب رئيس الجمهورية وهو يترأس مجلس الأمن القومي ليثير المخاوف ويلامس الخطوط الحمراء التي تهدد الوضع القائم ومرتكزاته ” Establishment ” خصوصا وأنه الرئيس الذي انتخب في مواجهة هذا الوضع ورجالاته. إذن استغل رئيس الحكومة القلق وأحيانا التوتر الذي بدأ يهدد هذا الوضع القائم بعد تسارع وتيرة الإحتجاج والإصطفاف الواضح لرئيس الجمهورية وراء شرعيتها، ليقدم الحكومة برئاسته بديلا عن هذا التوتر وعامل طمأنينة وضمان لمصالح هذه الفئة المتحكمة مع مطالبتهم باليسير من التضحيات في مقابل وعود بالبعض من الفتات للأغلبية، حتى تكون قوة الظل هذه، الضامنة للوضع، حليفا له في مادة التفويض اليوم حتى يضمن مصالحها، فتسنده في صراعه مع البرلمان. حوار رئيس الحكومة أيضا يقدم فيه نفسه الجهة الوحيدة المتحكمة في تسيير دواليب الدولة، اليوم إبان الأزمة العاصفة التي تهدد بإندلاعها نذر الإحتجاجات ومواقف رئيس الجمهورية وما يمثله من رمزية المواجهة مع هذه القوى المتحكمة “Establishment “، ثم جهة ضامنة بعد مرور الأزمة عندما تحين ساعة إعادة التوزيع.

هذه خيوط مناورة الترويض، حسب تقديري، بين التفويض البرلماني الذي طالب به الفخفاخ على مستوى نص مشروع القانون الذي قدمه للبرلمان واستشعر رفضا مقنعا من خلال التعديلات التي أدخلت عليه وأفرغته من أهدافه فاعتمد حواره لترويض مؤسسة البرلمان ولإحراز مجال متسع للمناورة أثناء الجلسة العامة بعد أن كان مجرد الإعلان عن موعد الحوار في حد ذاته أداة ضغط استعملته اللجنة التي كلفها للحوار مع رؤساء الكتل النيابية والحصول على بعض التحسينات للمشروع الذي كان مزمعا عرضه على الجلسة العامة اليوم.

 اليوم نشهد مآل مناورة التفويض والترويض التي يعول عليها الفخفاخ ليؤكد بوضوح إنسلاخه عما خيل للبعض أنه تحالف مع رئيس الجمهورية ولي تكليفه ويعلن في حواره بأنه القائد الأول ويذكر بأنه المتحكم الأوحد في السلطة التنفيذية، ثم ليزرع بوادر الخلاف والمواجهة مع المجلس النيابي ورئيسه والقوة السياسية التي يمثلها. هل يحقق إلياس الفخفاخ نجاحا في مناورة التفويض والترويض ثلاثية الأبعاد هذه التي يعول عليها ؟؟ الأيام كفيلة بالإجابة، غير أن المهم فيما سبق وفيما هو قادم هو أن الغائب عن كل هذا هي مصلحة الشعب التونسي وهو يخوض هذه المرة حرب بقاء.

ريم بالخذيري لوزان في 3 أفريل 2020.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى