الشرق الأوسطعربيعربي ودولي

وصف بالقرار المسيس: محكمة العدل الدولية تقرر إدانة “إسرائيل” دون مطالبتها بوقف العدوان

لوبوان تي ان :

على الرغم من أن محكمة العدل الدولية لم تطلب من كيان الاحتلال الصهيوني إلى وقف عدوانه الإجرامي على قطاع غزة لإلا أنها أمرته بـ”اتخاذ جميع التدابير لمنع الإبادة الجماعية.” وبذل المزيد من الجهد لحماية المدنيين الفلسطينيين في الوقت الذي تحقق فيه المحكمة في اتهامات جنوب إفريقيا بالإبادة الجماعية على مدى السنوات القليلة المقبلة. وينظر كثيرون إلى الحكم المؤقت الذي أصدرته محكمة العدل الدولية يوم الجمعة على أنه انتصار لجنوب أفريقيا التي دعت مرارا إلى نظام عالمي أكثر إنصافا تتمتع فيه الدول النامية بنفوذ أكبر.

وجاء قرار المحكمة في 86 فقرة بشأن طلب “تدابير مؤقتة” في القضية المرفوعة من قبل حكومة جنوب أفريقيا تتهم كيان الاحتلال الصهيوني بارتكاب إبادة جماعية في غزة في انتهاك لاتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 وخصوصا ما تتضمنه المادة الثانية من الاتفاقية.

وباستخدام لغة منضبطة ، كتب القضاة: “على الأقل بعض الأفعال والإغفالات التي زعمت جنوب أفريقيا أن إسرائيل ارتكبتها في غزة تبدو قابلة للوقوع ضمن أحكام الاتفاقية”. الأمر الذي دفع وزيرة خارجية جنوب أفريقيا ناليدي باندور للقول “كنت أرغب في وقف إطلاق النار” لكنها لا تزال راضية عن النتيجة. كما أن حركة المقاومة الفلسطينية اتخذت ذات الموقف في الإعراب عن رضاها على القرار رغم قصوره، لكنه يعتبر المرة الأولى التي يجري فيها محاكمة كيان الاحتلال الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية التي تعتبر قراراتها قطعية وغير قابلة للنقض.

وبدلا من الطلب إلى الكيان الصهيوني بوقف عدوانه على الفور اكتفت المحكمة بإصدار أمر “تدابير مؤقتة” بأن يمتثل الكيان الصهيوني لالتزاماته القائمة بموجب القانون الدولي وأن يقدم تقريرا في غضون 30 يوما.  هذا الفشل الصارخ في المطالبة بإنهاء المجزرة، الذي يتبع منطقيا من نتائج المحكمة، سينظر إليه على حقيقته: استسلام للضغوط السياسية التي تمارسها القوى الإمبريالية وخصوصا الولايات المتحدة.

ولا يرقى قرار محكمة العدل الدولية إلى مستوى القرار الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، والذي صوتت فيه 153 دولة عضو من أصل 193 لصالح “وقف إطلاق النار”، مع تصويت 10 دول ضده (بما في ذلك الولايات المتحدة والكيان الصهيوني) وامتناع 23 دولة عن التصويت (بما في ذلك بريطانيا وألمانيا). وبدلا من ذلك، تكتفي محكمة العدل الدولية بأن يقدم الكيان “تقريرا” في غضون 30 يوما بشأن تنفيذها للأمر.

وقد بدأت المحكمة إجراءاتها في 29 ديسمبر الماضي، ولم يقم القضاة سوى بتحديد ما إذا كانت “الادعاءات” التي وردت في صحيفة الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا “معقولة” قبل إصدار أوامر مؤقتة.  ومن المرجح أن تستمر القضية نفسها لسنوات قبل التوصل إلى أي نتيجة نهائية.

وسوف ينظر إلى قرار محكمة العدل الدولية على أنه إدانة دامغة، ليس فقط للحكومة الإسرائيلية، بل وأيضا للولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي، التي زودت ومولت وبررت ودافعت عن الإبادة الجماعية المستمرة في غزة. وقد دأبت الحكومة الأميركية وعلى لسان المتحدثين باسمها وكبار مسؤوليها على نفي ارتكاب كيان الاحتلال الصهيوني عملية الإبادة الجماعية وقد وصل الأمر بالمتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي إلى أن القضية برمتها “لا أساس لها من الصحة، وتأتي بنتائج عكسية، ولا أساس لها على الإطلاق”.  ويوم الجمعة ، قررت محكمة العدل الدولية العكس تماما.

وقد تضمن قرار المحكمة اقتباسات من تقارير منظمات تابعة للأمم المتحدة وتصريحات لمسؤولين إسرائيليين تتسق مع خطاب الإبادة الجماعية. وذكر قرار محكمة العدل الدولية الأرقام التالية: “قتل 25,700 فلسطيني، وتم الإبلاغ عن أكثر من 63,000 جريح، وتدمير أكثر من 360,000 وحدة سكنية أو إلحاق أضرار جزئية بها، وتشريد حوالي 1.7 مليون شخص داخليا”.

وخلصت محكمة العدل الدولية إلى أن الحقائق التي تضمنتها الاقتباسات والتصريحات “كافية لاستنتاج أن بعض الحقوق التي تطالب بها جنوب أفريقيا على الأقل والتي تسعى للحصول على الحماية من أجلها معقولة”، بما في ذلك “حق الفلسطينيين في غزة في الحماية من أعمال الإبادة الجماعية”.

وبالإشارة إلى الحصار الإسرائيلي المستمر لمنع وصول الغذاء والطاقة والإمدادات الطبية والوقود إلى غزة، ينص قرار محكمة العدل الدولية على أن “الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة معرض لخطر التدهور أكثر قبل أن تصدر المحكمة حكمها النهائي”، وهو ما يبرر بدوره اعتماد “تدابير مؤقتة”.

لكن هناك من يشير إلى الطابع الأجوف ل “التدابير المؤقتة” التي اتخذتها محكمة العدل الدولية تؤكده حقيقة أن أهارون باراك، الذي عينته إسرائيل في المحكمة، انضم إلى العديد منها، بما في ذلك التحذير بأن المسؤولين الإسرائيليين يمتنعون عن المزيد من التحريض على الإبادة الجماعية وأن يمكنوا المساعدات الإنسانية من الوصول إلى غزة. ويفسر تجنب المحكمة إصدار أمر بوقف إطلاق النار إلى أنه يسمح لكيان الاحتلال الصهيوني بمواصلة عدوانه وارتكاب المجاز بحق سكان غزة، وهو ما تقوم به قوات العدوان الصهيوني بشكل لا هوادة فيه .

على الرغم من أهمية قرار محكمة العدل الدولية  كتوبيخ لشركاء الكيان الصهيوني في الإبادة الجماعية، فقد اتسم القرار بأنه ذو طابع سياسي: محاولة لإيجاد “أرضية مشتركة”، معترفا من ناحية ب “القلق العالمي الساحق بشأن الخسائر غير العادية في الأرواح في غزة” (الاحتجاجات الشعبية الجماهيرية في جميع أنحاء العالم التي تستمر في مواجهة جميع الجهود المبذولة لتثبيطها وقمعها)، ولكن من ناحية أخرى، من دون الأمر فعليا بوقف العدوان. وهو ما ترفضه الولايات المتحدة وكيان الاحتلال الصهيوني لكن المحكمة إرضاء لكيان الاحتلال وشريكه الولايات المتحدة طلبت الإفراج الفوري عن المحتجزين الإسرائيليين لدى حركة المقاومة الفلسطينية ولم تطالب كيان الاحتلال بالإفراج عمن اعتقلهم واختطفهم في غزة.

إن رفض محكمة العدل الدولية الدعوة إلى وقف إطلاق النار في مواجهة الأدلة الدامغة على الإبادة الجماعية التي تتكشف في غزة يؤكد طابعها كمؤسسة إمبريالية. وما يعزز ذلك أنه في مارس 2022، بعد أسابيع من بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، لم يكن لدى محكمة العدل الدولية مثل هذه الهواجس بشأن قرارها الذي يطالب روسيا “بأن توقف على الفور العمليات العسكرية التي بدأتها في 24 فبراير 2022.”

وتزامن مع قرار محكمة العدل الدولية يقوم محامو حكومة الرئيس الأميركي جوزيف بايدن بالدفاع عنه في قاعة محكمة فيدرالية في أوكلاند ، بولاية كاليفورنيا، حيث قدمت مجموعة من الفلسطينيين وجماعات الحقوق المدنية دعوى ضد بايدن بسبب فشله في منع الإبادة الجماعية في غزة، مشيرة إلى انتهاك القانون الدولي والاتحادي، ويطلبون من القاضي وقف أي مساعدات عسكرية  إضافية أو دعم دبلوماسي للكيان الصهيوني. وهذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها رئيس أميركي تهمة الإبادة الجماعية في محكمة أميركية.  وقد طلبت حكومة بايدن من المحكمة رفض القضية. وتستدعي الدعوى، التي تذكر أيضا اسم وزير الدفاع لويد أوستن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، التزامات الولايات المتحدة باتفاقية الإبادة الجماعية وقانون تنفيذ اتفاقية الإبادة الجماعية، الذي وقعه الرئيس آنذاك رونالد ريغان ليصبح قانونا في عام 1988، ويذكر أن من قدم مشروع القانون آنذاك هو عضو مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية ديلاوير جوزيف بايدن.

واشنطن-محمد دلبح

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى