أحداث

“غَزْوَةِ المَطارْ” والــ17 S :

لوبوان تي آن:

حديث كثير وتعاليق عديدة قيلت حول ما جرى البارحة في مطار تونس قرطاج الدولي ، ولكن قليلة هي الأسئلــة الحقيقية التي وقعت الإجابة عنها ..
من هذه الأسئلة :
ـ هل يجوز لوزارة الداخلية أن تمنع مواطنا من السفر ، وفي أي صورة يجوز لها ذلك ؟؟
ـ هل أن رموز ائتلاف الكرامة حين قاموا بـ” غزوة المطار ” كانوا يدافعون على حقوق الإنسان ومن ضمنها الحق في التنقل ؟؟
ـ هل كان ردّ فعل الأمنيين بالمطار على ما حدث مقبولا ومتماشيا مع مقتضيات ” هيبة الدولة ” ونواميس دولة القانون ؟؟
ـ أخيرا : من هي الجهة المسؤولة عمّا حدث من بلطجة وبلطجة مضادة؟؟
بداية ، ينبغي الإقرار بأن الحق في التنقّل هو حق دستوري نصت عليه معظم دساتير العالم ومن ضمنها دستور تونس لسنة 2014 في الفقرة لثانية من الفصل 24 ” لكل مواطن الحرية في اختيار مقر إقامته وفي الــتـنــقّـــل داخل الوطن وله الحق في مــغــادرته .”
لكن هل أن حق التنقل حق مطلق ؟ كل الحقوق ومنها الحق في التنقل هي حقوق مقيّدة بل ويضبط القانون طرق ممارستها والقيود الممكن فرضها ، بشرط أن تكون هذه القيود بموجب قانون (وليس منشور أو قرا ر إداري) وبشرط ألا تصل هذه القيود إلى حدّ المس من جوهر هذا الحق إضافة غلى مبداي التناسب والضرورة كما وقع ضبطهما بالفصل 49 من الدستور .
هل يستجيب إجراء 17 S إلى هذه الشروط ؟
إجراء 17 S مثل غيره من الإجراءات S هو إجراء أمني ضدّ أشخاص ارتأت أجهزة وزارة الداخلية أنه تحوم حولهم شبهات إرهاب ، لكن دون أي أفعال مادية ترتقي إلى جريمة إرهابية ، وهو قرأر مبني في الغالب عل معلومات إرشادية أو استخبارية ، ومن مقتضياته أن يدرج اسم المعني بالقرار على قائمة في كل نقاط العبور ويمنع من السفر ، مع العلم أن هذا القرار لا يعلم به المعني بالأمر إلا عندما يكون بصدد المغادرة بالمطار أو بالميناء ..
المحكمة الإدارية وفي عشرات الأحكام قضت بإبطال هذه القرارات بسب التعسف في استعمال السلطة خاصة وأن هذه القررات اعتباطية وغير مؤسسة واقعا وقانونا ..
إن قرار تحجير السفر 17 S ليس مخالفا للدستور فقط ، بل وخرق فاضح للقانون المتعلق بجوازات السفر لسنة 1975 المنقح سنة 2017 والذي يقرّ من حيث المبدا جواز منع السفر ولكن هذه الصلاحية مخوّلة للإدارة بعد اللجوء للقضاء ، ولا تتجاوز مدة التحجير 3 أشهر
“الفصل 15 (رابعا) – أضيف بمقتضى القانون الأساسي عدد 45 لسنة 2017 المؤرخ في 7 جوان 2017 – إذا كان من شأن سفر حامل الجواز النيل من الأمن العام ولو في غياب التتبع أو الحكم ضده، يمكن لرئيس المحكمة الابتدائية التي يقع بدائرتها محل إقامة حامل الجواز، وبطلب من الإدارة عن طريق النيابة العمومية، تحجير السفر عليه بعد استدعائه بأي وسيلة تترك أثرا كتابيا بمقتضى قرار معلل للمدة التي يحددها على ألا تتجاوز في جميع الحالات ثلاثة أشهر. وعلى طالب الإذن إعلام المعني بالأمر به طبقا للإجراءات المقررة بمجلة المرافعات المدنية والتجارية في غضون ثلاثة أيام من تاريخ صدوره على أقصى تقدير.

يتم الطعن في القرار الصادر عن رئيس المحكمة طبقا للإجراءات المقررة في مادة الأذون على المطالب.”
إذن السبيل القانوني الصرف الذي كان على وزارة الداخلية أن تنتهجه هو اللجوء للمحكمة عن طريق النيابة العمومية لطلب تحجير السفر ، ومتى لم تفعل ذلك فهي مخالفة للقانون .
صحيح في دول أخرى ومنها فرنسا ، يسمح القانون باتخاذ ” تدابير أمن Mesures de sécurité يتخذها الوالي او وزير الداخلية ومنها تحجير السفر أو تحجير الإقامة ..إلخ ضد أشخاص يمثلون خطرا على الأمن العام دون أن تنسب لهم جريمة وهذه التدابيرقابلة للطعن أمام القاضي الإداري ..، لكن القانون التونسي لا يتحوّز على أحكام من هذه القبيل ، ووزارة الداخلية إن كانت تعتبر أن مثل هذه التدابير ضرورية كان على الحكومة التي تنتسب لها أن تتقدّم بمبادرة تشريعية في هذ الصدد .

الأستاذ نعمــان مزيد ـ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى