أحداث

الإعلام الأميركي يلمع صورة الجولاني الحكومة الأميركية تعمل على إعادة تأهيل جبهة النصرة كوكيل لها في العدوان على سوريا

لوبوان تي آن:


فوجئ المتابعون لوسائل الإعلام الأميركية إعلان شبكة التلفزيون العامة الأميركية PBS الممولة من الحكومة الأميركية يوم 2 نيسان/إبريل الجاري أنها ستبث قريبا مقابلة مطولة في برنامجها فرونت لاين Frontline مع زعيم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا والفرع السوري لتنظيم القاعدة) أبو محمد الجولاني المدرجة منذ شهر كانون الأول/ديسمبر 2012 على قائمة وزارة الخارجية الأميركية للمنظمات الإرهابية وأيضا تصنفها منظمة الأمم المتحدة ودول أوروبية بأنها إرهابية. ويبدو أن الولايات المتحدة التي بدأت حربها على سوريا منذ نحو عشر سنوات بهدف تغيير النظام في دمشق، تعمل الآن على إعادة تأهيل مسلحي جبهة النصرة الذين يشنون حربهم التدميرية في سوريا إلى جانب الولايات المتحدة. وكان سبق لوزارة الخارجية الأميركية أن رصدت مكافأة قدرها عشرة ملايين دولار على رأس الجولاني.
وأجريت المقابلة في شهر شباط / فبراير الماضي في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، آخر معقل للجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيم القاعدة والتي شكلت العمود الفقري للحرب التدميرية على سوريا التي زعمت الأطراف والجهات التي نظمت ومولت وسلحت وأدارت تلك الحرب أنها تشن تحت عنوان “الديمقراطية وحقوق الإنسان” وتضم هذه الأطراف السعودية وقطر وتركيا والكيان الصهيوني وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية بقيادة الولايات المتحدة. وقدرت كلفة تلك الحرب بنحو مليار دولار سنويا.
وصف الصحافي الأميركي مارتن سميث المقابلة التي أجراها مع الجولاني بانها “عرض إعلامي” في سياق سعي الحكومة الأميركية الحالية تبييض التاريخ الدموي الإرهابي لهيئة تحرير الشام حيث منحت المقابلة الجولاني منبرا يقدم من خلاله نفسه كقوة سياسية شرعية حليفة للولايات المتحدة حيث قال في المقابلة إن إدراجه وجبهته على قائمة الإرهاب كان “غير عادل وسياسي”. وطلب سميث من الجولاني التعهد بوضوح شديد أنه كزعيم سابق للقاعدة لن يدعم أي هجمات ضد الولايات المتحدة، وقد رد الجولاني بالإيجاب. كما نفى الإتهامات الموجهة له وتنظيمه بممارسة التعذيب والاختطاف والإخفاء القسري وإعدام وقمع أي شكل من أشكال المعارضة في المناطق التي تيسطر عليها هيئة تحرير الشام في سوريا مدعيا أن من يوجهوا تلك الاتهامات هم “عملاء روس” أو “عملاء للنظام” في سوريا.
غير أن تقريرا أصدره مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في شهر شباط/فبراير الماضي تناول القمع الوحشي لسكان إدلب المدنيين على يد هيئة تحرير الشام. وذكر التقرير أن “التعذيب وسوء المعاملة منتشران على نطاق واسع”. وخصوصا في سجن إدلب المركزي وقسم شاهين، في سجن حارم المركزي وسجن عقاب، حيث استخدمت أساليب قمع وحشية من بينها الضرب المبرح ووضع المعتقلين في “نعش” أو دولاب أو تعليقهم من أطرافهم. وكثيراً ما تعرض الضحايا للتعذيب أثناء جلسات الاستجواب ، وتم اعتقالهم بعيدا عن سمع وبصر العالم، لانتزاع الاعترافات في النهاية. وطلب من بعض المعتقلين أن يكتبوا شهادة أملاها عليهم المحققون، أو أجبروا على التوقيع أو البصم على وثيقة ، دون معرفة محتواها. وتوفي بعض المعتقلين نتيجة إصابات تعرضوا لها من التعذيب وما تلاه من حرمان من الرعاية الطبية “. وأضاف التقرير أن “معتقلين سابقين وصفوا تعرضهم للتحرش الجنسي ، وإجبارهم على التعري ، والصعق بالكهرباء على أعضائهم التناسلية والاغتصاب في مرافق هيئة تحرير الشام”.
وفي 5 نيسان / أبريل الجاري، أكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن ما لا يقل عن 2246 مواطناً سورياً ما زالوا محتجزين أو مختفين قسرياً في مراكز الاحتجاز التابعة لهيئة تحرير الشام ، مما يشكل تهديداً خطيراً لحياة المعتقلين ، نظراً لانتشار جائحة فيروس كورونا المستجد.
وقد انضمت صحيفة نيويورك تايمز إلى حملة تببيض الإرهاب في سوريا وإعادة تأهيل “جبهة النصرة” كإحدى أدوات الحرب الأميركية بالوكالة على سوريا حيث نشرت يوم الأربعاء الماضي تقريرا لمراسلها في المنطقة بن هوبارد حول جولة نظمتها له هيئة تحرير الشام الشهر الماضي في إدلب. ووصف هوبارد المنطقة بأنها “آخر المعاقل الواقعة تحت سيطرة المسلحين في سوريا.” وقد تجنب هوبارد ذكر اي من ممارسات القمع الوحشي التي يمارسها عناصر هيئة تحرير الشام ضد السوريين والتي ذكرها تقرير مجلس حقوق الإنسان. بل سعى إلى إضفاء طابع إنساني على الجبهة.
وقد تضمن تقرير تلفزيون شبكة التلفزيون العامة مقابلة مع جيمس جيفري، الممثل الأميركي الخاص السابق حول سوريا، ومبعوث حكومة دونالد ترامب لدى ما يسمى التحالف الدولي لهزيمة داعش (استقال في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2020) أجريت في 8 آذار/مارس الماضي، كشف فيها أن الجولاني وهيئة تحرير الشام يمثلان “أصولاً” أميركية في سوريا. و”إنهم الخيار الأقل سوءًا من بين الخيارات المختلفة بشأن إدلب ، وإدلب من أهم الأماكن في سوريا ، وهي من أهم الأماكن حاليًا في الشرق الأوسط”.
ويبدو من خلال التصريحات التي يدلي بها كبار المسؤولين الأميركيين الحاليين وفي مقدمتهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن أن حكومة جوزيف بايدن ما تزال تتبنى سياسة تغيير النظام في سوريا، حيث أعاد بايدن جميع مسؤولي السياسة الخارجية الذين هندسوا الحرب العدوانية على سوريا. وكانت أولى خطوات بايدن في هذا الشأن العدوان الذي شنته طائرات سلاح الجو الأميركي في شهر شباط/فبراير الماضي، والتأكيد على الاحتفاظ بقوات عدوانها في محافظتي دير الزور والحسكة شمال شرقي سوريا، وتعزيز تلك القوات في هذه المنطقة التي تعتبر مركز إنتاج النفط السوري في ظل سياسة “الاستيلاء على النفط” وسرقته التي أعلنها دونالد ترامب لحرمان الحكومة السورية من موارد الطاقة الحيوية، حتى في الوقت الذي تفرض فيه نظام عقوبات وحشي يساهم في تجويع مواطني سوريا، ويحرمهم من الإمدادات الطبية الحيوية في خضم تصاعد جائحة فيروس كورونا. كما أن إدلب التي يسيطر عليها مسلحو هية تحرير الشام، هي مفتاح الخطة الأميركية ضد سوريا وحكومتها. وتسعى واشنطن إلى توسيع نفوذها باستخدام هيئة تحرير الشام التي يمكن أن توفر لواشنطن دعما لاستئناف الحرب العدوانية على سوريا وتحويل تركيا التي تحتل أجزاء من الأراضي السورية، نحو سياسة أكثر عدوانية فيما يتعلق بإيران وروسيا في سوريا والمنطقة العربية.

واشنطنمحمد دلبح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى