أحداث

حقائق مروعة يرويها رفيق الغانمي أحد ضحايا المحرقة الطلابية

لوبوان تي آن-

هي شهادة تاريخية تتحدث عن المحرقة الطلابية التي وقعت في التسعينات بعد أن  أعلنت النهضة الحرب على نظام بن علي وكان وقود هذه الحرب الفاشلة التي لم تتمكن من زعزعة نظام الحكم بسبب قوة الدولة وقدرتها على ادراة الأزمة بطريقة ذكية وصارمة  هم الطلبة الذين تلقوا تعليمات بتمزيق الكراكيس والاقلام والاستعداد للمواجهة وكانت الخطابات كلها تحفيزية وتدعو لنيل الشهادة  مواجهة العدو دون خوف فالنصر من عند الله لكن تبين لاحقا أنهم كانوا أكباش فداء لقيادات لا تبحث إلا على السلطة او الغنيمة  وقد أدت هذه المواجهة إلى سقوط العديد من الضحايا وحملة من الاعتقالات شملت شبابا في عمور الزهور اغلبهم غادر السجن وهو يحمل تشوهات وامراض وفيهم حتى من قتل تحت التعذيب فيما القيادات العليا فرت خارج التراب التونسي تنعم برغد العيش احد من عايش هذه المظلمة وهو رفيق الغانمي روى حقيقة هذه المحرقة التي حاولت النهضة التكتم   والتستر عنها على مدار 30سنة  وقد نشر معهد التونسي للعلاقات الدولية فحوى هذه الشهادة المؤثرة والتي يوردها موقع”لوبوان تي أن” حرفيا :

…..في مثل هذه الايام ..من شهر ماي من العام 1991….
تمرّ اليوم ذكرى احداث ماي الاليمة التي عرفتها الساحة الطلابية ,وراح ضحيتها اعداد من الطلبة بين قتيل وسجين ومطارد ومنفي وخاضع للمراقبة الامنية والإدارية محروم من كل حقوقه في الحياة ..,فقد اتّخذت حركة النهضة قرارها ـ في تلك الايام ـ وعقدت امرها وصدر القرار وختمه راشد الغنوشي بعد ان حزم حقائب السفر الى لندن ..على امل ان يعود الى تونس كما عاد بورقيبة يوما ..او كما عاد الخميني من منفاه …وما ابعد الثرى عن الثريا ..فلا هو من علمانية بورقيبة ولا من تديّن الخميني قطعا

 فلقد كان الشيخ يردد على اسماع الاتباع :
« ان الله الذي نصر الخميني على الشاه سينصر كل خميني على شاهه ».
قال ذلك قبل ان ينقلب على الثورة الايرانية التي كان يتغنى بها وليكتشف ان الخميني شيعي ..
كان ذلك لما كان الملياردير يوهم الاتباع انه ثوري على النهج الخميني الحسيني :الالتزام والمبدئية والاستعداد للموت على مذبح عدالة القضية ..
ولكن الشيخ اعطى الامر بإعلان الحرب على نظام بن على وهو قد وضع ساقه الاولى في لندن والثانية في سيارة التشريفات والمراسم الرئاسية
غادر وترك الامر للقيادة الميدانية التي كان حلمها التسابق للفوز برضا الملياردير اللغز.. الشيخ المليء  بالأسرار.

قال على العريض يوما من اواخر ديسمبر سنة تسعين في اجتماع لقادة العمل الطلابي في الجامعة : ” نحن اولى من التجمع بحكم تونس ..نحن الان الحزب الاكثر شعبية ونوعية المنتسبين للحركة ارقى اخلاقا ومستوى من كل منخرطي التجمّع ..نحن اولى بحكم البلاد” …اياما قبل اعتقاله
طبعا لم يكن الوقت ولا الظرف يسمح بالسؤال عن برنامج الحكم ولا عن البدائل الاقتصادية والسياسية والمجتمعية ولا حتى عن الكيفية في الوصول اليه ..ولكن” الامور منظمة بشكل دقيق وقيادة الحركة اعدت لكل صغيرة وكبيرة عدتها” ..  اطمئنوا لا بأس ” .. ” الاعتبارات الامنية لا تسمح لنا باكثر من هذا ..ثم الضحكات ..
مجموعة من الكلمات المغناطيسية الساحرة كانت تكفي للجم الافواه وتجميد العقول .. »الاخوة يتلهفون لنيل الشهادة في سبيل الله « كلنا شوق الى ساعة ملاقاة العدو « ..و »المستقبل لهذا الدين » « ولينصرن الله من ينصره  » …وما النصر إلا من عند الله « … »وكان حقا علينا نصر المؤمنين ».. »وكلنا استعداد لمجابهة الطاغوت ونيل الشهادة. ».وإذا لقيتم العدو فاثبتوا « …
وهكذا …ايات وأحاديث وحكم تساق في غير مواضعها وسياقاتها ..
خطاب تكرر على السنة كل من ادمجتهم مكينة الشيخ ليعاد نفس الكلام ..فقط كانت البلاغة والتنميق ما يميز خطاب عن اخر ..من صالح كركر الى الحبيب اللوز الى حمادي الجبالي الى مبروك الزرن الى الصف الثاني من عبد الكريم الهاروني للعجمي لعامر العريض للمكي ..كلهم الخطاب واحد موحد ..
نسي الجميع او تناسوا « الحركة الاسلامية والتحديث » الكتيب المرجع الذي اصدره الغنوشي بالاشتراك مع حسن الترابي ..وفيه الميثاق الجامع للحركة من حيث هي حركة مدنية سلمية تنبذ العنف وتحتكم الى الصندوق والقانون وتحترم قانون البلاد وتعمل وفق قانون الجمعيات والأحزاب منهجها في ذلك « البلاغ المبين والصبر الجميل « ..وهو الميثاق الجامع والعقد الذي بنى عليه المنتسبون للحركة انتسابهم ..فلا انقلابات ولا عنف ولا اغتيالات ولا عمل داخل المؤسسة العسكرية او الامنية ..كان ذلك هو العقد الذي انبنى عليه الانتساب للتنظيم ..والكتاب في الحقيقة هو تجميع لكل مقالات الغنوشي وحوصلة لها بما يعطي دليلا مصغرا وعقدا للانتماء غاياته ووسائله

دقت ساعة الحقيقة ..اذن ..الكل كان على ثقة ان الخطة محكمة وأن الاخوة المجاهدين « داخل المؤسسة الامنية والعسكرية سينجزون المهمة بنجاح …وكان على الطلبة ان يهيئوا الظرفية الملازمة اولا لإنهاك النظام وتشتيت جهد قوى الامن وتفكّك الدولة وتحلّل اجهزتها ..ثم يكون التتويج بالعمل الانقلابي المبارك …سيناريو ولا في الاحلام ,,بل انّ الجماعة بدأت في الحسابات المضحكة …:فلان سيكون رئيسا للحكومة … فلان وزير ..فلان ومن في رتبته ولاّة ..فلان ومن في رتبته معتمدون...

شاءت الاقدار ان يكون الطلبة في الواجهة .وكانوا الذراع القوية للحركة ..جاءت الاوامر
 مزقوا الكرّاسات وكسّروا الأقلام .. » نعود الى الدراسة في ظل الدولة الاسلامية القادمة …في السنة القادمة.

على المستوى الفردي ..وانا كنت في موقع قيادي صغير نسبيا .ـ .بعد تجربة العمل التلمذي ـ ..حيث كنت ناطقا رسميا باسم طلبة الاتجاه الاسلامي في جزء القيروان ..ومنه انطلقت نحو الاجزاء الاخرى .. الجامعي الفاعل الذي قاد الحراك الطلابي منذ بداية التسعينات على مستوى الجامعة التونسية على    المستوى الفردي ..لم اكن اصدّق ما يحدث ..وكنت في الوقت نفسه مطالب بابلاغ « الاخوة «خصوصا والطلبة عموما ..وبصيّغ مختلفة ,,,بقرار الحركة كسروا اقلامكم مزقوا كراساتكم .

على المستوى الفردى ..كنت ارغب في مواصلة دراستي خاصة وأنا المتفوّق والسنة الدراسية توشك على النهاية ..كنت ارغب في النجاح ..كنت احب كتبي وكرّاسي وأقلامي ..ولم استسغ قرار الحركة ولم اره قابلا للنجاح …وبالوقت ذاته كان علي ان ادعو الطلبة من ابناء الحركة الى تبني الموقف والالتزام به بكل سرور ..
كان الذي كان ..دخل الطلبة في مرحلة تمزيق الكرّاسات وكسر الاقلام ..ثمّ لاحقا تمّ المرور الى مرحلة حرق الكليات والجامعات ..واستهداف العاملين فيها ,,,بالقتل ,,نعم ..كان طلب منا ان نقتل ونغتال العاملين في الكليات والجامعات من انصار النظام ..وكانت الأسماء على الطاولة ..ويا عجبي

تمت المواجهة ..مضت خطوات .مواجهات مع البوليس حرق سيارات ومراكز كليات ..مواجهات في الشوارع …دوّى الرصاص وسقط الضحايا ..كل مرة في جزء جامعي.. توسّعت الاعتقالات وطالت الذكور من الطلبة والإناث..
كان الجميع ينتظر « اللحظة الصفر » ..طال الانتظار وطال ..لم تات اللحظة ..وحضر الصفر..
وبان الفجر الكاذب ..وبانت الحقيقة التي تجاهلها العميان من الاخوان :
الحركة تبقى حركة مهما قويت ..والدولة تبقى دولة مهما ضعفت ..
انتصرت الدولة على الحركة ..

من طرائف المحاولة الانقلابية الثانية للعام الواحد والتسعين انها وعلى عكس الاولى لسنة 1987..كانت علنية معلومة للجميع ..تتحدث بها النساء في الحوانيت والصبيان في الروضات .والطلبة في الجامعات .هل سمعتم بانقلاب يتحدّث عنه الناس في المقاهي وفي العلن ..توقيته وابطاله وغاياته ..انقلاب هذا ام انقلاب على تاريخ الانقلابات ..

احسن بن على ادارة المعركة بصبر كبير ,,لم يترنّح النظام ولم يتخلخل ..بل بالعكس توسّعت قاعدة المقتنعين بقدرات الرجل ..انهزمت الحركة ..ولم يكن ديسمبر من العام 1991 قد أطلّ حتى كان بن علي يعلن للإتباع ان الارهابيين انهزموا وقال عبد الله القلال يومها : »لا جريمة بلا عقاب « .

كان الغنوشي في لندن …كان بن على في قرطاج …وكان الطلبة في السجون ..
ينالون عقاب الجريمة ..وحدهم ..ومن وجد سبيلا الى المنفى تبناه .ومن تحصّن بالفرار ظل رهين التفتيش والمطاردة ودخل تحت الارض ..ومن خرج من السجن الصغير استضافه السجن الكبير وخضع للمراقبة الادارية المذلّة
على مدى ربع قرن كانت قصص العذابات تكتب في السجون والمنافي والمخابئ السرية ..كانت المأسي تكبر يوما بعد يوم ..ولم يكن احد يعلم متى تنتهى المحرقة إلا الله ..لقد كانت محرقة لايحاكيها الحكي .
كان الطلبة ..وكنت منهم ..في قلب المحرقة .
لاحقا..في السجون ..اجتمعنا معا ..طلبة مع عسكريين مع امنيين ..كبارا صغارا ..كهولا شيوخا .. ..اجتمعنا تحت جدران الهزيمة ..التقت الاعين وطال الحديث.. وطرحت الاسئلة ..ما الذي حدث؟؟؟
كان ندم ..وكانت حيرة ..وكانت ضحكات ساخرة متوزعة بين لوم الذات ..واستنتاج عواقب النية الحسنة في غير محلّها ..ما الذي دهانا ؟؟؟اين كانت عقولنا ؟؟؟كانت اسئلة حارقة لم يكن ليجيب عنها الا الصبر ومزيدا من الصبر ..وهل يوجد غير الصبر و التسليم وانتظار المجهول الذي بدا بعيدا ..وعاليا ..اعلى من جدران السجون .

كنا ضحايا لمجرمين ..فاق اجرامهما كل خيال ..

المجرم الاوّل ..كان جائعا للسلطة يحلم بنعيمها ..وظّف الدّين واستغلّ عواطف الناس الدينية ..ووظّف كل المباح والمحظور لتحقيق غايته بعد ان امّن السلامة له ولعائلته ..ولعب الكل في الكل من اجل السلطة ..اباح لنفسه العمل داخل المؤسسة الامنية والعسكرية ..وجنّد الامنيين والعسكريين ..ودفعهم لخيانة القسم والعلم ..وأباح لنفسه القتل والاغتيال والحرق والضرب بماء الفرق ..اباح كل شئ في سبيل وهم ان يكون رئيسا للخراب على جماجم الابرياء وعلى طريق الالم والدموع والعذاب ..كان مجرما كبيرا حقيرا ..وكان الجميع يسايره نفاقا وطمعا اوحتّى بحسن نية..

المجرم الثاني كان مجنونا بالبقاء في السلطة مستعدا للقتل في سبيلها ..لم يمنعه انتصاره وكسبه للمعركة ان يعمل عقله ويفتح بابا للعفو او الرحمة ..كان مجرما بلا قلب ..اعمته السلطة عن العدل فوضع الجميع في خانة واحدة .كان مشغولا بليلاه ..وكان يبني ازليته الزائفه ..كان يعمل على تابيد حكمه ..ان يحكم للابدية ..ولم يرحم بل امتدت عصاه الى كل من لم يكن معه من كل الوان الطيف السياسي والنقابي والحقوقي ..الى ان اخذته الاقدار اخذ عزيز مقتدر ..وكان الجميع ممن حوله يسايرونه ويزيّنون فعله نفاقا وطمعا او حتى عن حسن نية

ايها الطلبة بعد ربع قرن من معاناتكم بسبب مجرمين فاسدين من مجرمي البشرية ..اقف اليوم انا احدكم لأعلن انني اتمسّك بحقي القانوني في اطار مسار العدالة الانتقالية بالتتبع القانوني لمجرمين خطيرين اجرما في حق البلاد والعباد ..لا اطالب بالتعويض المادي ولا اراه حقا ابدا ولا اراه يعوّض يوما من ايام المحرقة والعذاب ..وإنما طلبي الوحيد التتبّع القانوني لمن اجرم في حق جيل كامل ..لمن ارسل جيلا كاملا الى المحرقة ..جيلا مكوّنا من شباب في عمر الزهور تعرّض لمظلمة دامت ربع قرن… ودفع جيل بأكمله ثمنها ..

اعلن انني اطالب بالتتبع القانوني لمجرمين خطيرين اجرما في حق البلاد والعباد ..ولن اصالح ولن اسامح قبل ان يمثلا امام العدالة بن على والغنوشي …مجرمان كبيران ..لن تسقط جرائمهما بالتقادم ولن يسقطها النسيان.

 

هاجر وأسماء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى