لوبوان تي ان :
الخطاب الذي ألقاه يوم الخميس الماضي في مجلس الشيوخ الأميركي، زعيم الأغلبية الديمقراطية في المجلس تشارلز شومر و انتقد فيه رئيس حكومة الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو وأعضاء اليمين المتطرف في حكومته، واصفا إياهم بأنهم “عقبة” أمام “السلام” وأن نتنياهو قد “ضل طريقه.” يأتي في سياق سياسة الخداع التي تمارسها حكومة بايدن وأنصار كيان العدوان الصهيوني في واشنطن.
وتشومر يمثل ولاية نيويورك وهو تاريخيا منذ أن كان عضوا في مجلس النواب الأميركي عن منطقة بروكلين في نيويورك يعتبر من دعائم اللوبي اليهودي الإسرائيلي في الكونغرس الأميركي.
البعض هلل لخطاب تشومر لما حمله من انتقادات لنتينياهو وحكومته وروجوا للاعتقاد بأن الخطاب يمثل تغييرا في سياسة الحكومة الأميركيةإزاء العدوان الصهيوني الإجرامي على قطاع غزة، واستندوا إلى ما أعلنه الرئيس الأميركي جوزيف بايدن أنه قد تم تنسيق الخطاب بشكل وثيق مع البيت الأبيض ، حيث قال بايدن إن شومر “اتصل بكبار موظفي”. وأضاف بايدن أنه كان “خطابا جيدا” عبر عن “مخاوف جدية يشاركها العديد من الأميركيين”.
وقد اعترف تشومر في سياق تصريحاته– لأول مرة – بأن أعضاء الحكومة الإسرائيلية أعلنوا عن نيتهم تنفيذ التطهير العرقي لسكان غزة. وقال تشومر إن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن بن غفير “واضحان في رغبتهما في تهجير [الفلسطينيين] من منازلهم واستبدالهم بمستوطنين إسرائيليين”.
تعتبر هذه التصريحات لائحة اتهام ذاتية مذهلة. ودعا سموتريتش يوم 14 نوفمبر الماضي إلى “هجرة عرب غزة إلى دول العالم” وهو نفس اليوم الذي كان فيه تشومر المتحدث الرئيسي في مسيرة نظمها أنصار كيان العدوان الصهيوني في العاصمة الأميركية، واشنطن تحت
شعار”المسيرة من أجل إسرائيل” المؤيدة للإبادة الجماعية التي ترتكيها قوات العدوان الصهيوني المدعومة من الحكومة الأميركية في قطاع غزة.
وقال تشومر في تلك المسيرة ردا على هتافات “لا لوقف إطلاق النار”، “نحن نقف معكم. … لن يهدأ لنا بال حتى تحصل على المساعدة التي تحتاجها”. وألمح إلى أن المعارضة اليسارية للإبادة الجماعية في غزة هي “معاداة للسامية”.
في ذلك اليوم، بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين من جراء العدوان الصهيوني الإجرامي على غزة 11,500. ومنذ ذلك الحين، استشهد 20,000 فلسطيني وامرأة وطفل آخر فيما وصل عدد الجرحى والمصابين إلى ما يزيد عن 73 ألف وبلغ عدد المفقودين إلى ما نحو 8 آلاف شخص.
وحتى لا ينخدع البعض من بعض جمل تشومر وبايدن وبلينكن فقد قدمت حكومة بايدن التي ينتمي لها تشومر أكثر من 100 عملية نقل أسلحة
بلغ مجموعها مليارات الدولارات ، لتمويل وتسليح حكومة أعلنت علنا عن نيتها في التطهير العرقي للسكان البالغ عددهم 2.4 مليون شخص.
لقد حان الوقت لتسمية الأشياء باسمها الصحيح: حكومة نتنياهو المجرمة تنفذ “الحل النهائي للقضية الفلسطينية”. وهو اجتثاث الشعب الفلسطيني من فلسطين بالإبادة الجكاعية والتطهير العرقي والتهجير القسري. وبغض النظر عن هز الأصابع العرضي والساخر في واشنطن، فإنها تفعل ذلك بدعم من حكومة بايدن وكلا الحزبين السياسيين في الولايات المتحدة: الديمقراطي والجمهوري.
إن دعوات سموتريتش وبن غفير ونتنياهو لقتل وطرد سكان غزة ليست مجرد تصريحات أفراد. إنهم يمثلون السياسة الفعلية للحكومة الإسرائيلية. إن الشخصيات البارزة في الكيان الصهيوني هم أحفاد أيديولوجيون وسياسيون لأدولف هتلر والنظام النازي.
وعلى الرغم من انتقاداتهما لسياسات نتنياهو، أوضح كل من تشومر والبيت الأبيض أن تصريحاتهما لا تعكس أي تغيير في السياسة الأميركية. وشدد مسؤولون أميركيون على أن الولايات المتحدة ستواصل تزويد كيان العدوان الصهيوني بالأسلحة دون أي شروط. وقد ظهر ذلك عقب المقابلة التي أجريت مع الرئيس بايدن يوم السبت الماضي والنتقد فيها خطط رئيس حكومة نتنياهو الصهيونية المجرمة لاجتياح رفح، قائلاً: “لا يمكن أن يموت 30 ألف فلسطيني إضافي”. حيث سارع البيت الأبيض إلى التأكيد على أن كلمات بايدن لا تعني أي تغيير في سياسة الولايات المتحدة وقال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان في مؤتمر صحفي يوم الخميس الماضي “لم يصدر الرئيس أي تصريحات أو بيانات”. فيما قالت
نائبة الناطق باسم البيت الأبيض، أوليفيا دالتون في مؤتمر صحفي على متن الطائرة الرئاسية يوم الاثنين: الولايات المتحدة ليس لديها أي “خطوط حمراء” بشأن عدد الأشخاص الذين يسمح لكيان العدوان الصهيوني بقتلهم واضافت “لا أعتقد أنه من المفيد تعيين مصطلحات” الخط الأحمر “لمجموعة معقدة للغاية من السياسات” .
إن تصريحات بايدن وتشومر هي حيلة سياسية تهدف إلى التغطية على حقيقة أن الحكومة الأميركية متواطئة بشدة في الإبادة الجماعية في غزة ، والتي تعارضها الغالبية العظمى من سكان العالم بأغلبية ساحقة.
وفي خطابه، الذي وصف بأنه إدانة لنتنياهو، قضى تشومر الجزء الأكبر من وقته في إدانة الفلسطينيين وأولئك الذين يسعون إلى دولة ديمقراطية متعددة الأعراق لكل من اليهود والعرب في فلسطين.
وندد بأولئك “على اليسار” الذين “يرفضون حل الدولتين لصالح دولة واحدة، حيث من المفترض أن يعيش الفلسطينيون واليهود الذين يقبلون بالعيش في سلام في مجتمع ديمقراطي.” وقد رد تشومر على ذلك قائلا “ستكون هذه الدولة ذات أغلبية فلسطينية، وفي الماضي، صوت بعض الفلسطينيين لتمكين جماعات مثل حماس، التي تسعى إلى القضاء على الشعب اليهودي. … إن السياسة الأميركية طويلة الأمد هي دعم الديمقراطية في الخارج، ولكن في هذه الدولة الواحدة الافتراضية، يمكن أن تكلف الديمقراطية اليهود الإسرائيليين سلامتهم.”
إن إدانة تشومر لحل يقوم على إنهاء الكيان الصهيوني العنصري الإجرامي وإقامة فلسطين ديمقراطية على أنقاضه ” أمر يؤكد كذبمهم، فسياسات الإبادة الجماعية التي يدعي تشومر أنه يدينها تنبع عضويا من المشروع الصهيوني بأكمله، الذي كان منذ بدايته وحتى يومنا هذا بمثابة معقل للهيمنة الإمبريالية الأميركية على كامل المنطقة العربيها وشعوبها وعلى حد تعبير بايدن، “لو لم تكن إسرائيل موجودة، لكان علينا أن نخترعها”.
محمد دلبح – واشنطن –