لوبوان تي آن- نادرا ما يتساوق المصير الفردي مع المسار الجماعي مثلما تساوق في ديسمبر 2014 عند انتهاء مراسم التداول على رئاسة الجمهورية التونسية التي شهدها قصر الجمهورية بقرطاج.
فبقدر ما كانت قطاعات واسعة من الشعب التونسي لا تخفي فخرها واعتزازها بنجاح أول انتخابات رئاسية شفافة وتعددية في تونس وبحضور أول عملية تداول سلمي على السلطة في الوطن العربي، بقدر ما كان هذا الحدث يمثل تتويجا لمسيرة وأحلام الفاعل الرئيسي في هذا المشهد ونعني به الباجي قائد السبسي الذي شارك في عديد المحطات الهامة في تاريخ تونس الحديث سواء من اجل نيل الاستقلال أو تكريس الديمقراطية.
ولكن هذه المشاركة قد بلغت جذوتها بعد 14 جانفي 2011. ذلك أن الباجي قائد السبسي قد لعب دورا هاما في الحد من التأثير السلبي للفوران الثوري على بناء المؤسسات وإرساء آليات الانتقال الديمقراطي واوجد الإطار الأمثل لإجراء انتخابات المجلس الوطني التأسيسي. ولم يكتف بهذا الدور -على أهميته- بل بادر مباشرة بعد مغادرته رئاسة الحكومة إلى تأسيس حركة “نداء تونس” التي سرعان ما تحولت إلى الحزب الأول في البلاد و إلى قوة “ألجمت” إلى حد كبير القوى التي أرادت أن “توظف” الثورة لتصفية حساباتها مع ميراث دولة الاستقلال.
وحين نقف عند هذا الحد من استعراض التاريخ فان الحصيلة ايجابية للغاية لان الباجي قائد السبسي قد استطاع ان “يثار” في ظرف زمني وجيز من كل “الخيبات” و”التعثرات” التي عرفتها حياته السياسية الممتدة على اكثر من سبعة عقود.
لقد حق للباجي ان يتماهى ببورقيبة لانه نجد مثله في حماية المجتمع واصبح مثله “اب المراة التونسية وحاميها” واصبح مسموحا له بان يفكر في “القتل الرمزي” للاب لانه “طوّع ” الاسلاميين وهزمهم دون ان يقمعهم او يمكنهم من لعب “دور الضحية”.
ولانه يقود حركية يمكن ان توفر للنساء ما لم توفره لهم مجلة الاحوال الشخصية من حقوق . ومن هذه الزاوية فان الباجي قائد السبسي قد دخل قصر قرطاج من خلال توظيف صورة “بورقيبة الشاب” وفي رصيده مكاسب تفوق تلك التي حققها بورقيبة في بداية حكمه.
ولكن الامتحان الحقيقي بالنسبة لمن يتولى السلطة ومن اسس حزبا تحصل على الاغلبية هو تنفيذ سياسات من شانها تغيير واقع الناس نحو الافضل وهو ما لم ينجح فيه -للاسف- الباجي قائد السبسي . ذلك ان حزبه -حركة نداء تونس- قد انزلق الى دوامة خلافات وانقسامات انهكته وحولته الى ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ الحياة السياسية التونسية. واما التعارض الذي يجعل “حركة النهضة وحركة نداء تونس خطان لا يلتقيان” حسب تعبير الباجي قائد السبسي فقد اصبح “توافقا ” و”تحالفا” لادارة شؤون الحكم.
لقد تخلى الباجي قائد السبسي ما ان ولجت قدماه قصر قرطاج عن حزبه وعن ناخبيه وعن برنامجه الانتخابي هذا دون ان ننسى انه اصبح شاهدا لا حول له ولا قوة على التدهور غير المسبوق لدعائم النموذج المجتمعي البورقيبي سواء في تراجع القطاع العمومي في الصحة والتعليم او في تفكك الطبقة الوسطى.
الباجي قائد السبسي الذي كبله بكل تاكيد دستور يحد من مهام رئيس الجمهورية ليس في اداء مهام رئاسة الجمهورية الا نسخة مشوهة حتى لا نقول رديئة من الرئيس الحبيب بورقيبة بل لقد اظهر الباجي قائد السبسي في هذا الصدد انه يعاني مما يمكن اعتباره “سلفية بورقيبية” اذ حاول مرارا التشبه ببورقيبة في عدة مواضيع جزئية و لم يذهب الى عمق القضايا.
و مما يؤكد الى جانب ما سبق ان الباجي قائد السبسي قد اضحى يعاني من “انعدام الوزن السياسي” هو انه لم يعد قادرا على “المبادرة ” وعاجزا عن النجاح في “المناورة” علاوة على انه اصبح في كل اطلالة اعلامية “ناصحا” و “محللا ” اكثر مما هو صاحب قرار. هذه المعطيات تجعل المسيرة السياسية للباجي قائد السبسي خلفه. ذلك انه من الصعب ان يمتلك القدرة على قلب مسار الاحداث او على التطلع الى الفوز بعهدة رئاسية ثانية لان حصيلة العهدة الاولى لم تكن ايجابية بالمرة واذا ما اراد ان يدخل التاريخ فما عليه الا ان “يقتل” اسوء ما في الميراث البورقيبي وهو التمسك بالسلطة الى الحد الذي يجبر الابناء على الانقلاب على الاب…
ما يرجوه الكثيرون هو ان لا يقع رئيس الجمهورية تحت “سطوة” الراغبين في اعادة ترشيحه لمجرد خدمة مصالحهم الضيقة وان يغادر قرطاج كما دخله مهابا و محترما.
هشام الحاجي