في وقت مبكر من العام الحالي، كانت الصين أحد الأسباب الرئيسية وراء توقعاتنا التي تفوق إجماع التوقعات بشأن النمو العالمي لعام 2023. هيمنت الرؤى السلبية من قبل المستثمرين والمحللين على الأجندة الاقتصادية، حيث أشارت توقعات بلومبرغ إلى تعافٍ صيني بطيء تبلغ نسبته 4.8% بعد أداء ضعيف في عام 2022. إجماع بلومبرغ هو أداة لرصد التوقعات العالمية للاقتصاديين ومراكز الفكر ودور الأبحاث، وتقدم مجموعة من التوقعات بالإضافة إلى نقطة متوسطة لتوقعات السوق.
ووفق التقرير الأسبوعي للبنك الوطني القطري QNB جاءت توقعات النمو المنخفضة في أعقاب فترة من الرياح المعاكسة السلبية المتتالية، مثل الموجات الجديدة من كوفيد، والإغلاق المتواصل للمدن الكبرى، والأزمة العقارية، والدعم الضعيف عبر السياسات، وعدم اليقين في القطاع الخاص المرتبط بالإجراءات التنظيمية الصارمة على شركات الابتكار. وعلى الرغم من كل الرياح المعاكسة في عام 2022، كنا نتوقع أن نشهد تعافياً دورياً أكثر قوة في الصين هذا العام، حيث كانت البلاد تستعد للابتعاد عن الإجراءات الصحية والسياسات الاقتصادية المشددة للغاية.
لم يمضٍ وقت طويل حتى تغير هذا الوضع في الصين، حيث بدأت البلد ما سُمي بعملية “إعادة الانفتاح الاقتصادي”. نتيجة لذلك، منذ بداية العام، نمت توقعات النمو في الصين بمقدار 70 نقطة أساس لتصل إلى 5.5%. على الرغم من الضعف المستمر في قطاع التصنيع، ازدهر استهلاك الخدمات حتى تجاوز المستويات التي كانت سائدة قبل الجائحة. وبعد مرور سبعة أشهر، أبقينا توقعاتنا للنمو في الصين عند 5.5% في عام 2023.
في الفترة القادمة، ونظراً لانتهاء عملية إعادة الانفتاح الاقتصادي، فإن السيناريو يتسم بقدر أكبر من عدم اليقين. ويتضح عدم اليقين هذا في التناقض الكبير بين الحد الأقصى والحد الأدنى للتوقعات بشأن نمو الاقتصاد الصيني في عام 2024: يتوقع المحللون الأكثر تفاؤلاً نمواً بنسبة 6.4%، بينما يشير أولئك الأكثر تشاؤماً إلى نمو بنسبة 2.8% فقط. الاختلاف جوهري، ليس فقط بالنسبة للصين ولكن بالنسبة للاقتصاد العالمي بأسره. إذا ثبتت صحة التوقعات المتفائلة، ستضيف الصين حوالي 1.3 تريليون دولار أمريكي إلى الاقتصاد العالمي. في المقابل، إذا تحقق السيناريو الهبوطي، فستضيف الصين 542 مليار دولار فقط. الفجوة بين النتيجتين، والتي تبلغ 750 مليار دولار، هي ما يفصل الناتج المحلي الإجمالي لدولة كبيرة نسبياً مثل إسبانيا عن دولة أصغر مثل النمسا.
ومن المرجح أن تخيب توقعات كل من المتشائمين والمتفائلين بشأن النمو في الصين، حيث نتوقع أن تحافظ البلاد على معدل نمو معتدل يبلغ حوالي 5% العام المقبل. هناك عاملان رئيسيان يدعمان وجهة نظرنا.
أولاً، من المرجح أن تخيب توقعات المحللين الأكثر تشاؤماً وذلك لأن قطاع التصنيع مهيأ للتوسع على خلفية تحسن الدخل الحقيقي على مستوى العالم، وتراجع أزمة الطاقة، والحاجة إلى تجديد مستويات المخزون بعد فترة طويلة من خفض المخزونات. وستكون هذه العوامل داعمة لقطاع التصنيع الصيني، الذي يعاني حالياً من ضعف الطلب العالمي، على الرغم من التعافي المستمر في الاقتصاد المحلي.
ثانياً، سيتعين على المحللين الأكثر تفاؤلاً التعامل مع حقيقة أن عملية تعافي قطاع الخدمات في الصين بدأت بالفعل تفقد زخمها وأن أي دعم رسمي من المرجح أن يكون محدوداً. الحوافز المالية والنقدية مقيدة حتى الآن، وتم تعديلها للحفاظ على المستوى الطبيعي للنشاط ولكن ليس لإنتاج نوع الطفرات الاستثمارية التي كانت جزءاً من دورات التيسير الصينية في الماضي. في حين أنه من المتوقع وجود حوافز إضافية من الآن وحتى عام 2024، فإننا لا نرى “تدابير قوية” هذه المرة. تحرص السلطات الصينية على رؤية الاقتصاد الصيني يتكيف مع نموذج نمو أقل اعتماداً على التوسع في رأس المال الثابت، ومشاريع البنية التحتية الضخمة، والتطوير العقاري. بدلاً من ذلك، هناك توجه لتفضيل التصنيع والاستهلاك عالي التقنية. في خضم هذا التحول، من المرجح أن يعتدل النمو طويل الأجل بشكل طبيعي.
بشكل عام، فاق النمو الصيني توقعات المحللين حتى الآن هذا العام، لكن يظل عام 2024 متسماً بعدم اليقين. نتوقع أن يكون نمو إجمالي الناتج المحلي قوياً في حدود 5% في الصين لعام 2024، حيث ستعود دورة التصنيع العالمية إلى الوضع التوسعي وستقوم السلطات الصينية بتعديل سياساتها التحفيزية بعناية لمنع دورات الازدهار والكساد.