لوبوان تي ان :
يهدد كيان الاجتلال الصهيوني بتوسيع عدوان الإجرامي وحملة الإبادة الجماعية التي يشنها على قطاع غزة ليشمل لبنان في الوقت الذي تصعد فيه الولايات المتحدة عدوانها العسكري في المنطقة باستهداف إيران وحركات المقاومة المدعومة من إيران في كل من لبنان واليمن والعراق، ومن المرجح أن يؤدي مثل هذا الصراع إلى تمديد العدوان الصهيوني على غزة وتأجيج الوضع بشكل كبير في جميع أنحاء المنطقة وعلى الصعيد الدولي.
ومنذ الثامن أكتوبر الماضي تشهد جبهة جنوب لبنان/شمال فلسطين المحتلة مواجهة عسكرية بين قوى المقاومة اللبنانية/الفلسطينية وقوات الاحتلال الصهيوني والتي أسفرت حتى الآن عن استشهاد نحو 177 من مقاتلي حزب الله و 40 آخرين من بينهم 19 مدنيا، نحو 76 ألف من سكان قرى جنوب لبنان واعتراف كيان الاحتلال بمقتل 9 من جنوده وستة مدنيين ونزوح أكثر من 80 ألفا من مستوطني شمال فلسطين المحتلة.
وجاءت التهديدات الصهيونية بتوسيع العدوان في تصريحات متكررة من وزير الحرب الصهيوني يوآف غالانت أشار فيها إلى أن حربا شاملة باتت وشيكة. ووسط مفاوضات حول وقف مؤقت لإطلاق النار في غزة، حذر يوم الجمعة الماضي من أنه “إذا اعتقد حزب الله أنه عندما يكون هناك توقف في القتال في الجنوب، فسوف نوقف إطلاق النار ضده، فهو مخطئ بشدة”. مضيفا “حتى نصل إلى وضع يمكن فيه استعادة الأمن لسكان الشمال، لن نتوقف. وسواء توصلنا إلى ذلك من خلال ترتيب [دبلوماسي] أو وسائل عسكرية، فسوف [نعيد] الهدوء”.
وتابع تهديداته أثناء جولة له في منطقة غلاف غزة قائلا “”القوات القريبة منكم … يغادرون الميدان ويتحركون نحو الشمال، ويستعدون لما سيأتي بعد ذلك”. وأنهم “سيبدأون العمل قريبا جدا”. وينتشر عشرات الآلاف من القوات الصهيونية النظامية ونحو 60 ألف من جنود الاحتياط. واشار غالانت إلى المشاركة الوثيقة للولايات المتحدة لأي ترتيبات إسرائيلية لتوسيع العدوان على لبنان قائلا إنه ناقش التوترات على الحدود الشمالية مع وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ليلة الخميس الماضي.
وقد أجرى مسؤولون إسرائيليون في نهاية الأسبوع الماضي، محادثات مع المبعوث الأميركي الخاص عاموس هوكشتاين الذي تم إرساله إلى المنطقة ظاهريا للتفاوض على اتفاق لمنع اندلاع الحرب في جنوب لبنان.
وللعلم فإن هوكشتاين يقف إلى جانب الكيان الصهيوني بالكامل فهو مولود في فلسطين المحتلة وخدم في الجيش الصهيوني وشارك بشكل كبير في التفاوض على صفقة في عام 2022 لترسيم الحدود البحرية بين الكيان الصهيوني ولبنان، فيما يسعى إلى ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة.
وفيما يصر الكيان الصهيوني على أن يسحب حزب الله قواته إلى ما وراء نهر الليطاني، على بعد حوالي 30 كيلومترا إلى الشمال من خط الترسيم الفعلي الحالي الذي أنشئ بعد تحرير جنوب لبنان في مايو 2000، القوات الإسرائيلية لبنان في عام 2000. ولم يلتزم الكيان الصهيوني بتنفيذ بنود قرار مجلس الأمن 1701 الذي أعقب العدوان الصهيوني على لبنان في يوليو 2006، التي دعت إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي المستمر للأراضي اللبنانية وانتهاكاتها المتكررة للسيادة اللبنانية.
ويرفض حزب الله ما يطلبه الكيان الصهيوني والولايات المتحدة بسحب قواته من جنوب لبنان إلى الشمال ووصفها بأنها غير واقعية بالنظر إلى أن العديد من مقاتليه يأتون من قرى الجنوب الحدودية مع فلسطين المحتلة. وفي الأسبوع الماضي، أعلن نائب الأمين العام ل «حزب الله» نعيم قاسم “الحزب غير معني بأي نقاش في الوقت الحالي حول المطالب الإسرائيلية فيما يتعلق بالجبهة الجنوبية… موقفنا واضح: إنهاء الحرب على غزة سيغلق الجبهة اللبنانية تلقائيا”.
وقد عرض هوكشتاين، الذي التقى مع غالانت يوم السبت الماضي خطة من ثلاث مراحل. تبدأ بانسحاب قوات حزب الله لمسافة 10 كيلومترات من الحدود الحالية، يليه زيادة نشر الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة في المنطقة وعودة السكان اللبنانيين والمستوطنين الإسرائيليين الذين تم إجلاؤهم. وستجرى بعد ذلك محادثات أخرى لترسيم الحدود البرية.
لم يكن رد غالانت احتضانا كاملا للخطة. وقال بيان صادر عن مكتبه إنه ممتن لجهود هوكشتاين، مضيفا أن كيانه “مستعد لحل هذه الأزمة من خلال تفاهمات دبلوماسية”. لكنه حذر في الوقت نفسه من “أننا مستعدون أيضا لأي سيناريو آخر”، وهو بالضبط ما كان يعد الجيش الصهيوني له.
وتنتظر أوساط سياسية كثيرة في المنطقة ما ستسفر عنه جولة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الخامسة التي بدأها يوم الاثنين بلقاء مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الرياض، غير أن تحركات “السلام” الدبلوماسية لحكومة بايدن الأميركية في المنطقة ليست أكثر من مجرد واجهة تجميل. تعمل الولايات المتحدة بشكل كبير على توسيع حربها الأوسع في جميع أنحاء المنطقة بالتعاون مع الكيان الصهيوني باستخدام مقتل ثلاثة جنود أميركيين وجرح نحو 40 آخرين خلال هجوم صاروخي على قاعدة برج 22 الأميركية في الأردن كذريعة، باستهداف إيران وحركات المقاومة التي تدعمها. وصعدت هجماتها على قوات أنصار الله في اليمن وشنت اعتداءات في سوريا والعراق ولم تستبعد ضرب أهداف داخل إيران.
وتتوافق الخطط الإسرائيلية لشن عدوان واسع النطاق ضد حزب الله مع الهدف الاستراتيجي للحكومة الأميركية في المنطقة لتقويض إيران وإخضاعها‘ إذ أن واشنطن لا تريد إنهاء العدوان الصهيوني الذي تدعمه، من دون أن يؤدي إلى إنجازات حقيقية. وهي ترى أن الكيان الصهيوني وجيشه قد فشل في تحقيق تلك الإنجازات، في الوقت نفسه الذي تشعر فيه أن المنطقة تقترب أكثر فأكثر من انفجار كبير، قد يطيح بكثير مما «رتّبته» في هذه المنطقة، فضلاً عن كون قواتها المنتشرة هنا، ستكون أهدافاً أكيدة في أي حرب كبرى مُفترضة.
وهو ما خبرته في الهجوم الذي تتعرض له قواعدها العسكرية في المنطقة. لذلك تبحث الحكومة الأميركية عن “مخارج” للحرب، تتيح لجميع الأطراف القول بأنها “لم تخسر”، على الأقلّ، إن لم تكن “قد ربحت”. ولكن، في الوقت نفسه، فهي تهدف إلى بلورة عملية المخرج المفترض، بما يخدم تحقيق مصالحها الاستراتيجية الأوسع، وتجنيب كيان العدوان الصهيوني مسارات قد ترفع من تكلفة إنهاء الحرب لاحقاً، أو حتى تشكّل مخاطر وجودية على الكيان.
ويقدم بلينكن لحكومة نتنياهو “جزرة” التطبيع مع السعودية بشروط مخففة، لا تشتمل على قيام دولة فلسطينية بل الحديث حول مسار قد يؤدي إلى دولة غير محددة الملامح. وبانتظار ان تتبلور محادثات بلينكن في جولته الخامسة، يشكك الكثيرون في امكانية ان تثمر الضغوط الاميركية دون استخدام “عصا” وقف الدعم العسكري، والغطاء الديبلوماسي القادر وحده على اجبار كيان الاحتلال الصهيوني على وقف عدوانه، وسحب فتيل الانفجار الذي يهدد بتفجير المنطقة برمتها.
محمد دلبح -واشنطن –