رياضة

عنف الملاعب في تونس.. في صعوبة الانتقال من المنظومة الى الشبكات

 

نادرا ما يدرك المتابعون للشان التونسي من الخارج الاهمية المحورية للرياضة في البناء السياسي و المجتمعي التونسي . ليست الرياضة عنصرا دخيلا على هذا البناء لانها مثلت مجالا من مجالات حركة التحرر الوطني بعد ان جعل منها الاستعمار الفرنسي اداة من ادوات بسط الهيمنة. ذلك ان فرنسا الاستعمارية كانت امة رياضية بامتياز و ليس من قبيل الصدفة ان تكون وراء ابتكار مسابقة كاس العالم في سياق الصراع المحتدم انذاك مع انقلترا و اعادة احياء الالعاب الاولمبية تاكيدا على دور فرنسا في نشر القيم “الكونية” للحضارة الغربية. و قد ادرك الحبيب بورقيبة ذلك فوظف الرياضة من اجل مواجهة المستعمر الفرنسي و ايضا لبناء “منظومة ” دولة الاستقلال . و ما لا يعرفه الكثيرون ان الحبيب بورقيبة قد اشرف بشكل مباشر على عملية اختيار رمز اول كاس اتونس بعد الاستقلال و على ان يعود به بنفسه من باريس . و قد نجحت دولة الاستقلال في ادماج الرياضة في منظومتها السياسية وجعلت منها اداة من ادوات تكريس “شرعيتها” و ايضا “مراة” لتعثراتها و هو ما جعل العنف حدثا نادر الوقوع في ظل حكم بورقيبة ( 1956- 1987) و لكنه ذو دلالة اذ اشار الى التوتر بين الجهات و في ايضا الى بداية تنامي الشعور بخيبة الامل من دولة الاستقلال. و مما قلص من العنف ان جمهور الملاعب كان يعتبر ارتياد الملاعب اداة من ادوات “التماهي ” مع النمزذج الاجتماعي الذي روجت له دولة الاستقلال . و لم تتغير الاوضاع كثيرا في بدايات حكم زين العابدين بن علي ( 1987-2011) اذ ادمجت الرياضة في منظومة السلطة و بنيتها الدامجة  . و لكن العنف في الملاعب اخذ يظهر في سياق ما عرفه المجتمع التونسي في سياق التحولات التي سبقت و مهدت لزلزال 14 جانفي 2011 و هي تحولات وظفت “الشبكات” لتدمير “المنظومة . فقد فرضت العولمة تحولات لافتة من خلال الثورة التقنية زادت من اهمية التواصل الافتراضي و فتحت الباب امام دور اكبر “للقبلية الجديدة” . و تزامنت هذه الثورة مع وصول النموذج التنموي في تونس الى مداه و هو ما تجلى في تنامي بطالة اصحاب الشهادات العليا و ايضا في ضعف قدرة الدولة على الادماج السياسي و الثقافي . هذه الوضعية التي فرضها “تشبيك المجتمع”  كانت وراء ظهور مشجعين من نوع جديد وجدوا ضالتهم في ثقافة “مجموعات المغالين” التي انتشرت في العالم و التي لا تقوم على التماهي بل على الرفض و الاحتجاج و تتبنى تصورات فوضوية رافضة للسلطة و مناهضة لها. و قد تعمقت النزعة الرافضة للادماج بتنامي دور المال في الرياضة و خاصة في كرة القدم . و من هنا توفرت “المعطيات الهيكلية ” المساعدة على نمو ” بذرة العنف” و على نموها . ذلك ان المال يزداد سطوة و نفوذا في كرة القدم التونسية و نفوذ “المجموعات ” يتنامى في ظل عجز الحكومات المتعاقبة منذ جانفي 2011 على وضع سياسات تعيد مد جسور التواصل مع الشباب علاوة على ان التجاذبات السياسوية تزيد من حدة المراهنة على شباب الملاعب في “تكتيكات”  ازعاج هذا الخصم السياسي او ذاك علاوة على ان ثقافة “الشبكات” لا تنشر الا العنف و “تذرر الكيان المجتمعي ” الى افراد معزولين  او “قبائل ” من الرحل عبر المعاني و هؤلاء يعتبرون احيانا ان العنف هو شكل من اشكال اثبات الذات علاوة على انهم يؤمنون ان العولمة قد افسدت الرياضة و اغرقتها في اسر المال و هو ما يدعو الى العمل من اجل “تحريرها”.

هشام الحاجي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى