أحداث

الناظور: النيران تلتهم عاملة الزيتون

تنهمر الدموع من عينيها الشاحبتين من شدّة الآلام وقساوة الأوجاع جرّاء الحروق البليغة بجسدها النحيف الملفوف بالضمائد التي حجبت و غطّت الجروح لكنّها لم تخف الأنين و الآهات .

المتضرّرة محبوبة عمارة ملقاة على سرير بقسم الحروق بالمستشفى الجامعي سهلول بسوسة تنتظر دورها في العلاج بعد أن تلقت شبه اسعافات أولية بالمستشفى المحلي بمنطقة ” الناظور” التابعة لولاية زغوان الذي غابت فيه أبسط التجهيزات والمعدات الطبية اللازمة إلى جانب افتقاره إلى طب الاختصاص.

ككل فجر تستيقظ محبوبة ذات الستين سنة حوالي الساعة الرابعة لترتّب كوخها الصغير وتنظّفه وتعدّ قليلا من الطعام ليوم كامل ثم تتوجّه مسرعة نحو الشاحنة التي تنتظرها بالمسلك الفلاحي بعد أن توقظ ابنتها لتملي عليها وصاياها حتى تعتني بشقيقها المريض.

تنطلق رحلة الأرملة محبوبة وزميلاتها داخل الصندوق الخلفي لشاحنة غير مهيأة نحو الضيعة الفلاحية التي تبعد حوالي 8 كلم عن منزلها الصغير ومعها رغيف من الأكل أعدته وكساؤها  “الملية” التي لا تقيها شر لفحات البرد القارص. 

حال بلوغن الحقل وقبل الشروع في جني الزيتون أوقدت محبوبة و رفيقاتها النار بعد جمع قليل من الحطب للتدفئة بسبب الصقيع الذي جمّد معداتهن الخاوية بسبب هبوط درجات الحرارة في هذا الفصل بالذات هناك على سفح جبل زغوان،وفي غفلة من محبوبة التي ليس لها إلا أن  تتلذّذ حرارة النيران الدافئة طالتها ألسنة اللهيب لتلتهم رداءها “الملية” دون أن تتفطن إليها واحدة من رفيقاتها من شدّة وكثرة الرياح الباردة.

نالت النيران من جسد محبوبة النحيف وتسببت لها في حروق بليغة وصفت طبيا بالدرجة الثالثة رغم محاولة انقاذها من قبل رفيقاتها اللآتي صدمن من هول الفاجعة ونقلها إلى مستشفى الناظور على متن شاحنة ثم تحويلها إلى مستشفى سهلول نظرا لخطورة الإصابة.

عفيف ابن المتضررة قال و هو يتنهد أن منطقته تعيش حالة من التهميش والحرمان مع غياب مواطن الشغل مما اظطر شبابها إلى النزوح الى المناطق الأكثر حظا أو التأقلم مع الواقع المرير في حين النساء يتوجهن يوميا إلى الضيعات الفلاحية البعيدة للعمل بأبسط الأجور ولا تتجاوز ال10 دنانير أجرة المرأة دون تغطية اجتماعية تذكر.

يذكر أن 10.3 بالمائة من العاملات في الأرياف ضحايا حوادث شغل وأن 21.4 بالمائة معرضات لمخاطر حوادث الشغل وفق دراسة اعدتها وزارة المرأة والأسرة والطفولة،أما نسب الوفيات السنوية في صفوف العاملات في المجال الفلاحي، تتراوح بين 8 و10 قتلى سنوياً، فيما تتجاوز عدد الإصابات 500 إصابة في صفوف هذه الفئة وفق تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

رغم تعدّد الحوادث وتنوّع الكوارث في صفوف العاملات في القطاع الفلاحي الاّ أن الحكومات المتعاقبة ظلّت عاجزة لمعالجة هذا الملف بالرغم من كثرة القوانين والإجراءات غير الفعّالة.

النساء العاملات في القطاع الفلاحي من بينهن محبوبة هن ركيزة الأمن الغذائي بالبلاد الاّ أنهن يفتقدن إلى حقوقهن الأساسية مع تواصل تفشي ظاهرة النقل العشوائي وظروف العمل الهشة في مختلف المناطق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى