أحداث

المستشار الامني لبن علي يتحدث لأول مرة (5/4) : هذا ما حصل ايام 5 و6 نوفمبر 1987

 

لوبوان تي آن-

مساء 4 نوفمبر 1987،أعلمني بن علي بأن الأمور ليست على ما يرام قائلا: “رد بالك عندي فيك ثقة كبيرة، غدا تتصل بإبراهيم خواجة وزير البريد والبرق  والهاتف ليسلمك ملف الشبكة الهاتفية لتونس الشمالية.

في صبيحة يوم 5 نوفمبر 1987، سلمني ابراهيم خواجة ملف للمثال الهندسي لخريطة الخطوط الهاتفية لتونس الشمالية. و تمت دراسته من طرف الوزير الأول بن علي، حصل هذا دون إعلام الحبيب عمار حيث كنت حريصا في أول الأمر على أن لا أشعره بأنني طرف ثالث في العملية حسب تعليمات الوزير الأول الذي أمرني بإعداد قائمة اسمية في أعوان فرقة مجابهة وقمع الإرهاب يمكن أن تكون ذات منفعة عند الحاجة. سلمته القائمة يوم 5 نوفمبر 1987 بعد تنسيق مع الملازم أول خلال تلك الفترة المسمى التومي الصغير رئيس الفرقة بالنيابة والذي استدعيته بمكتبي بالقصبة بالوزارة الأولى .قمت بالتنسيق معه وإعداد قائمة اسمية لازلت أحتفظ بنسخة منها بعد الاختيار الأفضل منهم تحسبا لهجمات إخوانية إرهابية و لم اعلمه بحقيقة الأمر.

درس بن علي كل الخيارات أمام التطورات الجديدة ولم تكن له في بادىء الأمر نية اعتلاء كرسي الرئاسة، بل كان فقط يبحث عن مخرج يضمن له البقاء كوزير أول وذلك بوضع سياسة اقتصادية واجتماعية وأمنية بمفهومها الشامل تتماشى ومتطلبات العصر نظرا للوضع الكارثي لاقتصاد البلاد مع قناعته بأن بورقيبة يبقى محرر تونس ومؤسس للجمهورية ومحرر للمرأة التونسية رغم الحالة الصحية التي أصبح عليها بورقيبة والتي لا تسمح له بمواصلة الحكم علاوة على مضاعفات الأدوية حيث كانت الظواهر المرضية بادية لدى وزرائه والمقربين منه و كذلك لعدة جهات اجنبية . وهو ما دعا بن علي لإتخاذ قرار يحفظ تونس بعد أن تمكنت المصالح المختصة بالأمن الوطني من كشف مجموعة إسلامية بما فيها أمنيين خططوا لمحاولة انقلابية ليوم 8 نوفمبر 1987.

في مساء يوم 5 نوفمبر 1987 اي الليلة الفاصلة بين 5 و6 نوفمبر تناولنا العشاء معا بجهة سكرة أنا و بن علي و حبيب عمار. لتنطلق بعدها عملية 7 نوفمبر.

الأكيد أن الوزير الأول بن علي أخذ قرار دون تشريك طرف رابع في العملية قبل التنفيذ حيث كانت ثقته كبيرة في الحبيب عمار وشخصي فحسب.

التحرك

يوم 6 نوفمبر وحوالي الساعة الخامسة بعد الزوال، غادرنا مقر الاقامة بنهج بورناي و توجهنا مباشرة إلى وزارة الداخلية. و بعد أن تناولنا لمجة حوالي الساعة السابعة والنصف توجهت إلى ثكنة النظام العام ببوشوشة (وحدات التدخل ) وطلبت من العقيد المرحوم عبد الفتاح الجراية الذي وجدته على عين المكان، وضع مجموعة من أعوان مسلحين على ذمتي لتركيزهم ببعض النقاط الحساسة مثل منزل المرحوم البشير زرق العيون،مركز البريد بالكرم ،المدخل الشرقي لقصر الرئاسة طريق سيدي بوسعيد، ثم مركز بريد المرسى. لم يوافق العقيد في بادئ الأمر إلا أن المكالمة الهاتفية التي دارت بينه وبين الوزير الأول جعلته يوافق دون تردد ولا معرفة السبب الأصلي حيث أعلمته بوجود عناصر إسلامية تهدد أمن العاصمة. عدت إلى مقر وزارة الداخلية وكانت الساعة تشير الى التاسعة ونصف. وقد لاحظت علامات الغضب على الوزير الأول لعدم حضور الهادي البكوش والذي كان موجودا بمقر إقامة سفير الاتحاد السوفياتي URSS سابقا للمشاركة في الاحتفال بعيدهم الوطني.

على الساعة 21:35 هاتفه بن علي قائلا له بالحرف الواحد: “سي الهادي الوزير الأول يكلم فيك توا تجي حالا هاني نستنا فيك”. واصلت مهمتي، توجهت إلى منزل البشير زرق العيون حيث تم تركيز اعوان امنيين وقطع الخطوط الهاتفية  ثم مركز البريد بالكرم بمعية المهندس رئيس، رئيس المنطقة الشمالية للاتصالات الهاتفية ا عبد الجليل قدش وقمت بقطع كل الأسلاك الرابطة بالأماكن التي وقع ضبطها ثم القصر الرئاسي بقرطاج وأخيرا بريد المرسى.

وبعد قطع كل الخطوط الهاتفية المؤدية من وإلى الضاحية الشمالية و على الساعة منتصف الليل إلا عشر دقائق، هاتفت الوزير الأول وقلت له: “مبروك وبالتوفيق العملية تمت بنجاح”. ومن هناك اتجهت إلى مقر وزارة الداخلية اين علمت بأن عبد الله قلال حضر بعد تردد متعللا بان الوقت متأخرا ويمكن إرجاء المقابلة إلى الغد.

حضر الأطباء: محمد قديش، عز الدين قديش، محمد بن إسماعيل، الصادق الوحشي، عبد العزيز العنابي ووزيرة الصحة سعاد اليعقوبي الوحشي. تم تحرير الشهادة الطبية وأمضى عليها الأطباء مبينين الحالة المرضية للزعيم الحبيب بورقيبة. كما حضر أيضا المرحوم صلاح الدين بالي وزير الدفاع واللواء يوسف بركات رئيس الاركان والعقيد يوسف بن سليمان مدير المخابرات العسكرية. كما كلف  زين العابدين بن علي الشاذلي النفاتي والي الولاة المدير العام للشؤون الجهوية والبلدية بوزارة الداخلية بإعلام السادة الولاة  والإشارة عليهم بالالتحاق بمراكز عملهم والالتزام بعدم المغادرة في انتظار التعليمات و قد تعهد بذلك.

قمت برقن القائمة الاسمية لأعضاء الحكومة الجديدة ثم بيان السابع من نوفمبر. وحضر بجانبي كمال ساسي والي اريانة وهو شاهد على ما حصل دون أن يكون على علم مسبق بالعملية حيث بمروره بشارع بورقيبة لفت انتباهه وجود سيارات و إنارة بالوزارة.

بعد ذلك توجهت رفقة محمد البلاجي إلى مقر الادارة العامة بالحرس الوطني بالعوينة، دخلت الخيمة الكبيرة التي وضعت خصيصا لإيواء الموقوفين السياسيين ليلتها بعد تجهيزها بأحسن الأثاث والمفروشات و الزرابي وآلات التدفئة. كان بداخلها محمد الصياح، الهادي عطية ، محمود شرشور،  بورقيبة الابن ، حسن قاسم ومنصور السخيري الذي أوتي به من توزر على متن سيارة إدارية يرافقه فيها عز الدين جنيح رئيس منطقة الأمن الوطني بقفصة . طلبت من  بورقيبة الإبن مرافقتي وتوجهنا إلى مقر سكناه بالمرسى أين استقبلتنا زوجته التي رحبت بي ثم غادرت المكان ووعدتهما بالرجوع عند الصباح لشرب قهوة معا وإرجاع الخطين الهاتفين المقطوعين.

في حدود الساعة الخامسة صباحا وبعد التسجيل الصوتي لبيان 7 نوفمبر من طرف الرئيس بن علي الذي تم تسليمه للصحفي الهادي التريكي الذي حل بمقر الوزارة في حدود الساعة الرابعة صباحا. توجهنا معا على متن سيارتي الإدارية إلى مقر الإذاعة والتلفزة وكنت حاملا لسلاحي الإداري ليطمئن الهادي التريكي.

وجدنا عبد الملك العريف بمكتبه والذي سمح للهادي التريكي وساعده على القيام بالمهمة. عدت إلى منزل بورقيبة الابن، شربت القهوة وتناولت فطور الصباح وتم ارجاع الخط الهاتفي بعد ان صعد إلى سطح البناية التقني حبيب بوكذابة الذي كلفته بالمهمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى