أحداث

اللجنة السعودية-التونسية المشتركة في الرياض: دفعة قوية لعلاقات استراتيجية وشراكات تنموية

تونس-لوبوان-كتب سفيان رجب

تواصل العاصمة السعودية الرياض لليوم الثاني على التوالي احتضان أعمال الدورة الثانية عشرة للجنة السعودية-التونسية المشتركة التي انطلقت أمس الأحد 28 ديسمبر وتستمر ليومين، في إطار جهود دؤوبة لتعزيز أواصر التعاون الثنائي بين تونس والمملكة العربية السعودية في مختلف المجالات الاقتصادية والاستثمارية والتنموية.

ويترأس الدورة الوزير بندر بن إبراهيم الخريّف عن الجانب السعودي وزير الصناعة والثروة المعدنية، فيما ترأس وفد تونس الدكتور سمير عبدالحفيظ وزير الاقتصاد والتخطيط، بحضور ممثلين عن عدد من الجهات الحكومية والمسؤولين من الجانبين.

اتفاقيات استراتيجية وتعاون عابر للقطاعات

أسفرت هذه الدورة عن توقيع خمس اتفاقيات ومذكرات تفاهم تهدف إلى تعميق التكامل الاقتصادي وتوسيع آفاق الشراكات، وتشمل مجالات عدة منها:

  • التعاون والمساعدة المتبادلة في المسائل القمرقية، لتسهيل حركة التجارة بين البلدين.
  • مذكرة تفاهم في القطاع البريدي لتعزيز خدمات البريد والبنية اللوجستية.
  • اتفاق في مجال التعدين بين وزارتي الصناعة والطاقة في البلدين.
  • تعاون إعلامي وإذاعي-تلفزيوني بين المؤسسات الرسمية، وبرنامج تنفيذي لتبادل الأخبار بين وكالتي الأنباء.

وقد أبرز المسؤولون أن هذه الاتفاقيات تمثل ركائز لتوسيع التعاون في مجالات جديدة وتثبيت أطر قانونية واضحة تواكب تطلعات البلدين نحو شراكة اقتصادية أكثر فعالية واستدامة.

دفع الاستثمارات والتنمية المشتركة

كما تركزت المناقشات على تعزيز التكامل الاقتصادي وتنمية الاستثمارات المتبادلة في القطاعات ذات الأولوية مثل الصناعة، التعدين، النقل واللوجستيات، والطاقة، مع تأكيد الجانبين على أهمية تبادل الخبرات وتشجيع دخول الشركات الخاصة إلى سوق الشراكات الثنائية.

وتأتي هذه الدورة في وقت تشهد فيه العلاقات الاقتصادية بين تونس والسعودية نموًا ملموسًا في حجم التبادل التجاري، إذ سجلت مؤشرات رسمية ارتفاعًا في مستوى التبادل بنهاية سبتمبر 2025 مقارنة بالعام السابق بفضل أدوات التعاون المتاحة.

علاقات تاريخية تمتد لأكثر من سبعين عامًا

ووجبت الإشارة هنا الى أن العلاقات التونسية-السعودية ليست وليدة اللحظة، بل تعود إلى أكثر من سبعين سنة من التشاور السياسي والتعاون الاقتصادي والاجتماعي، وقد أُنشئت اللجنة المشتركة منذ 1998 كآلية مؤسسية لترجمة هذه الروابط إلى مشاريع ملموسة وبرامج تنفيذية.

وعلى امتداد السنوات، لم تقتصر الشراكة بين البلدين على التبادل التجاري فحسب، بل شملت كذلك دعم مشاريع تنموية في تونس، خاصة في قطاعات المياه، الري، التنمية الريفية، والتعليم، والاستجابة للأزمات التنموية، والصحة وآخرها مستشفى الملك سلمان في القيروان وهو ما يعكس مدى الروابط الأخوية والتعاون التضامني بين الشعبين.

دعم اقتصادي ومالي سعودي يعزز استقرار تونس

كما لم تقتصر العلاقات التونسية السعودية على التنسيق السياسي وتبادل الزيارات، بل تجسدت على مدى السنوات الماضية في دعم اقتصادي ومالي ملموس كان له دور اساسي في مساندة الاقتصاد التونسي خلال فترات دقيقة.

فقد قدمت المملكة العربية السعودية لتونس دعما ماليا مهما عبر قروض ميسرة ومنح مباشرة، من بينها حزمة دعم بقيمة تناهز 500 مليون دولار تم الاعلان عنها سنة 2023، توزعت بين قرض ومنحة، وهدفت الى دعم الميزانية التونسية والمساهمة في الحفاظ على التوازنات المالية للدولة.

كما اضطلع الصندوق السعودي للتنمية بدور محوري في تمويل مشاريع تنموية كبرى في تونس منذ انطلاق نشاطه سنة 1975، حيث شملت تدخلاته قطاعات استراتيجية مثل الطاقة، البنية التحتية، الفلاحة، المياه والتنمية الريفية، باعتمادات مالية تراكمية تتجاوز عدة مليارات من الدولارات، ما جعله من أبرز الشركاء الماليين لتونس على المدى الطويل.

استثمارات وشراكات في قطاعات المستقبل

وعلى مستوى الاستثمار، شهدت السنوات الاخيرة تناميا ملحوظا في الحضور الاستثماري السعودي في تونس، خاصة في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، على غرار الطاقة المتجددة والهيدروجين الاخضر، حيث برزت استثمارات شركات سعودية كبرى من بينها “اكوا باور”، في انسجام مع التوجهات العالمية للتحول الطاقي، ومع الاستراتيجية التونسية لتنويع مصادر الطاقة.

كما شملت الشراكات الاقتصادية مجالات اخرى مثل التعدين، الخدمات اللوجستية، والنقل، مدعومة باتفاقيات ومذكرات تفاهم تهدف الى تسهيل الاجراءات، تبادل الخبرات، وتهيئة مناخ جاذب للاستثمار الخاص.

اللجنة المشتركة كرافعة للتعاون المتعدد القطاعات

وتعد اللجنة السعودية التونسية المشتركة الاطار المؤسساتي الاهم لتنظيم هذا التعاون، حيث تعقد دوراتها بصفة منتظمة، وتعمل على توسيع مجالات الشراكة لتشمل الصناعة، السياحة، الجمارك، القضاء، الاعلام، البريد، الى جانب دعم المبادرات المشتركة بين القطاعين العام والخاص.

كما ساهم تنظيم ملتقيات اعمال تونسية سعودية في تعزيز الروابط بين رجال الاعمال والمؤسسات الاستثمارية، بما يدعم الانتقال من التعاون الحكومي الى شراكات اقتصادية مباشرة وقابلة للاستدامة.

وخلال جائحة كورونا، برز البعد التضامني للعلاقات الثنائية، حيث قدمت المملكة العربية السعودية مساعدات صحية عاجلة لتونس شملت لقاحات، اجهزة طبية، ومستلزمات وقائية، دعما للمنظومة الصحية في ظرف استثنائي، وهو ما لقي اشادة رسمية وشعبية واسعة.

شراكة استراتيجية تتجاوز الظرفي

وتؤكد هذه المعطيات ان السعودية لم تكن مجرد داعم ظرفي، بل شريك استراتيجي في دعم استقرار الاقتصاد التونسي ومرافقة مساره التنموي، من خلال مزيج متكامل من التمويل، الاستثمار، ونقل الخبرات.

وفي ظل ما تفرزه اشغال اللجنة المشتركة الحالية في الرياض من اتفاقيات جديدة، ومع مشاريع كبرى على غرار مستشفى الملك سلمان الجامعي بالقيروان، تبدو العلاقات التونسية السعودية مرشحة لمزيد من التمكين، بما يخدم المصالح المشتركة ويكرس التكامل الاقتصادي بين البلدين على المدى المتوسط والبعيد.

آفاق وآمال مستقبلية

ومع اختتام اجتماعات الدورة الحالية، شدد المسؤولون على العمل لتحويل الاتفاقيات إلى مشاريع تنفيذية حقيقية تستجيب لاحتياجات التنمية في كلا البلدين، مع الإعداد لعقد منتدى الأعمال التونسي-السعودي على هامش الاجتماعات، بهدف تشجيع الاستثمار الخاص وتوسيع القاعدة الاقتصادية المشتركة.

في الختام، تعكس أعمال اللجنة المشتركة في الرياض مدى النضج المتنامي للعلاقات السعودية-التونسية التي تجاوزت تبادل الزيارات والحوارات إلى شراكات استراتيجية قابلة للقياس في التنمية الاقتصادية والتعاون الثقافي والإعلامي. ومع هذه الاتفاقيات الجديدة، تبدو المعالم واضحة نحو علاقة متوازنة تخدم مصالح البلدين وتفتح آفاقًا واعدة للمستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى