أراء

بين الادعاء والوقائع.. هل خططت ايران لاغتيال دونالد ترامب؟

لوبوان- كتب سفيان رجب

الادعاء الذي تداوله الاعلام الامريكي والعالمي والذي يشير الى ان عناصر مرتبطة بالحرس الثوري الايراني كلفوا أحد الوسطاء بوضع خطة لاغتيال الرئيس الامريكي دونالد ترامب انتقاما لمقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني في جانفي 2020. الادعاء اتى عبر اتهامات جنائية اعلنتها وزارة العدل وبتصريحات لمسؤولين في مكتب التحقيقات الفيدرالي، وهنا لا بد من فحص ما وراء الادعاء أي المصداقية، الدوافع، القدرات، والعواقب الجيوسياسية.

الحقائق المؤكدة قضائيا واستخباراتيا

في 8 نوفمبر 2024،  كشفت وزارة العدل الامريكية عن توجيه تهم تتعلق بمؤامرات للاغتيال والقتل منسوبة الى شبكة لها صلات مزعومة بالحرس الثوري الايراني، ومن بينها اتهام العضو الايراني فارهاد شاكرّي بتلقي تعليمات لوضع خطة لاستهداف ترامب. هذا ما نصت عليه لائحة الاتهام وبيانات وزارة العدل.

السلطات الامريكية اعلنت ايضا انها اعتقلت او وجهت اتهامات بحق اشخاص داخل الولايات المتحدة في صلات بعمليات تستهدف معارضين ايرانيين وافرادا يهودا واسرائيليين. هذه القضايا وجّهت الانظار الى نمط عمليات يؤمن به النظام الايراني لاستهداف معارضيه في الخارج.

معطيات، تعطي قانونيا بعدا جنائيا واضحا حيث كانت هناك تحقيقات وادانات جزائية ولائحة اتهام رسمية، وهذا يختلف عن ما يمكن أن يكون عليه الامر اذا كانت المسالة مجرد ترويج معلومة او شائعة غير موثوقة. لكن ثبوت التهمة النهائية واختبار الادلة امام المحكمة يبقيان القضية مفتوحة قانونيا.

الدافع الاستراتيجي والانتقامي

يمكن اعتبار اغتيال سليماني قد شكل لحظة فاصلة في علاقة طهران بواشنطن والادارة الامريكية؛ حيث اتسمت السياسات الايرانية بعد ذلك بمبدأ الردع والانتقام الرمزي والعملي ضد الذين يعتبرون مسؤولين عن تنفيذ الضربة. منطق الانتقام يفسر جزئيا لماذا قد يطلب النظام او فاعلون مرتبطون به استهداف شخصيات رمزية. لكن بين الرغبة والقدرة فرق كبير، فاتخاذ قرار تنفيذ اغتيال سياسي دولي يتطلب تقييما سياسيا للقيمة الاستراتيجية للضربة مقابل مخاطر التصعيد الشامل  وإيجاد موازنة دقيقة بين هذا وذاك ومقياس نسبة المخاطر والعواقب.

القدرة التنفيذية وطرق العمل

تحليل القدرات يشمل سؤالين رئيسيين، هل لدى الحرس الثوري الايراني القدرة الاستخباراتية واللوجستية لتنفيذ اغتيال على اعلى مستوى على الاراضي الامريكية؟ وهل يملك قاعدة عملاء محلية يمكن ان تساعده في التنفيذ؟

الإجابة ان الحرس الثوري يملك فعلا شبكات تعمل لفائدته ولن يكون من جديد ان يستعين بوسطاء او عملاء بالخارج حتى داخل الولايات المتحدة نفسها، لكن تنفيذ عملية اغتيال داخل الأراضي الامريكية امر صعب من الممكن او الثابت أن يواجه عقبات كبرى منها خاصة رقابة امنية داخلية قوية، قدرة استخباراتية امريكية متقدمة، وتعقيد لوجستي يجعل التدخل المباشر محفوفا بالمخاطر.

وما كشفت عنه لوائح الادعاء يشير الى اعتماد تكتيك “الاستعانة بوسطاء” وتجنيد شركاء محليين او عناصر اجرامية لتنفيذ او تسهيل عمليات. هذه الطريقة تناسب قدرة طهران على اخفاء الصلة المباشرة بالعمليات المحتملة وتخفيض الخطر السياسي المباشر عليها.

مصداقية الادعاءات ووجهات نظر متنافسة

لكن في تقييم مصداقية الادعاء يجب التمييز بين مستويات الدليل، تصريحات امريكية ولائحة اتهام مبنية على مواد استقصائية مقابل تصريحات دبلوماسية ايرانية تنفي الادعاءات وتصفها بأنها حملات تضليل.

الادعاءات القائمة على تحقيقات وزارة العدل والـ”اف بي أي” تتمتع بوزن قانوني واستخباراتي أكبر من رواية شفوية، لكنها لا تغلق باب الشك خصوصا إذا كانت تعتمد على اعترافات لمتعاونين او تسجيلات مرتبطة بحوافز (مثل السعي لتخفيف عقوبة).

لكن من الجانب الايراني، النفي الرسمي والاتهام بوجود عملاء معادين داخل المنفى او اسرائيليين يهدف الى تقويض الرواية الامريكية وخلق حالة تشكيك جمهوريا ودوليا.

البعد الجيوسياسي والانتشار الإقليمي

ولو ثبتت محاولات اغتيال منظمة من قبل طهران، فان ذلك يغير قواعد الاشتباك بطرق ملحة حيث يزيد من شرعية واشنطن لاتخاذ اجراءات أقوى امنيا ودبلوماسيا وربما فرض عقوبات جديدة. كما يفاقم التوتر في منطقة الشرق الاوسط.

كذلك يضع حلفاء الولايات المتحدة امام امتحان، هل يواصلون فرض العزلة الدبلوماسية على طهران ام يتعاونون بشكل اوسع لمواجهة نشاطات خارجية عدائية محتملة قد تمسهم. هذه الديناميكيا قد تعيد تشكيل جبهات الضغط على ايران داخليا وخارجيا.

سيناريوهات مخاطر واستجابة امريكية محتملة

إن تأكيد قضائي كامل (ادانة في محكمة) نتيجته الحتمية تصعيد عقوبات وتركيز على تعطيل شبكات ايرانية في المهجر وتعزيز التعاون الامني مع الحلفاء.

اما وجود ادلة جزئية وغير قاطعة ضد طهران، فهذا قد يسفر عن حملة اعلامية وسياسية قوية داخل امريكا، لكنها لا تبرر استجابة عسكرية، ما قد يترك المجال لحلول دبلوماسية او استخباراتية انتقائية.

اما في صورة التوجه الأمريكي نحو التزوير او استغلال ادلة أو اذا ظهرت معطيات تفيد باستعمال معلومات مضللة من قبل جهات ثالثة (اجنبية او جماعات معارضة)، فذلك قد يقلل شرعية أي اجراء امريكي ويعقّد السياسات العقابية او الصدامية تجاه ايران.

الخلاصة ان الادعاءات الحالية قائمة على لائحة اتهام اُعلن عنها عبر جهات قضائية وامنية وصفت بـ”الموثوقة” في الولايات المتحدة، ما يجعلها مادة جدية للتحقيق والاهتمام الأمني والاعلامي. لكن الارتكاز فقط على اتهامات دون التمييز بين مستويات الادلة قد يولّد تضليلا سياسيا واعلاميا.

سياسيا، ينبغي لواشنطن ان تتعامل مع القضية بطبقة مزدوجة بمعنى تشديد اجراءات الحماية والملاحقة القانونية للمتورطين المحتملين، وفي الوقت نفسه الحفاظ على نهج استخباراتي ودبلوماسي متزن لتفادي تصعيد عسكري لا مبرر له.

واعلاميا، فان المهمة مزدوجة، تتمثل في تقديم الوقائع الموثقة مع شرح الفوارق بين اتهام قضائي وادانة قطعية، وتحليل تداعيات كل سيناريو على السياسة الامريكية والامن الاقليمي.

في النهاية، فان الادعاء يمكن أن يكون انعكاسا لجزء من الواقع، وجود محاولات واستهدافات منسوبة الى أطراف تعمل لصالح طهران وأهدافها، لكنه لا يلغى ضرورة التحليل الدقيق للأدلة وضرورة اثباتها، ولا يبرر قرارات استراتيجية تصعيدية حاسمة وخطيرة ومؤثرة على الساحة الدولية دون مراجعة قانونية واستخبارية متأنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى