أحداثأراءجهات

قابس: احتجاجات بسبب التلوث الصناعي وتزايد المخاوف الصحية

لوبوان تي ان:

تعيش مدينة قابس منذ أيام  على وقع تحركات احتجاجية متصاعدة أمام المجمع الكيميائي بالمنطقة الصناعية، شارك فيها عشرات المواطنين المطالبين  بوقف التلوث الصناعي الذي يهدد صحة السكان ويقوّض التوازن البيئي في الجهة.

المحتجون رفعوا شعارات تدعو إلى “إنقاذ قابس من الموت البطيء”، مؤكدين أن الوضع الصحي أصبح لا يُحتمل بعد تسجيل حالات اختناق متعددة في الأحياء المجاورة، خاصة بين الأطفال.

تأتي هذه التحركات بعد تقارير طبية كشفت عن ارتفاع ملحوظ في أمراض الجهاز التنفسي في السنوات الأخيرة.
فحسب إحصائيات غير رسمية صادرة عن المدير الجهوي للصحة بقابس (2023)، تم تسجيل زيادة بنسبة 18٪ في حالات الربو والاختناق الصدري في مناطق الحامة وغنوش والمطوية مقارنة بعام 2018، وهي مناطق قريبة من المجمع الكيميائي.

من جانب آخر، تؤكد دراسة أنجزها المعهد الوطني للتغذية والبيئة الصناعية أنّ الهواء في قابس يحتوي على نسب مرتفعة من ثاني أكسيد الكبريت والفلور تتجاوز المعدلات المسموح بها دوليًا في بعض الفترات من السنة، خصوصًا عند اشتداد نشاط وحدات إنتاج الفوسفوجيبس.

ورغم الوعود المتكررة بإصلاح الوضع، لا يزال مشروع “الطرح الجاف” الذي تعوّل عليه الدولة لتقليص التلوث متوقفًا في مرحلة الدراسات الفنية منذ أكثر من ثلاث سنوات.
وقد صرّح أحد ممثلي الوكالة الوطنية لحماية المحيط في جلسة استماع بالبرلمان سنة 2024 أنّ “التمويلات المخصّصة للمشروع لم تُصرف بالكامل، وأنّ الإشكال المالي والإداري عطّل تنفيذه الفعلي رغم الجاهزية التقنية”.

من جهتهم، يرى عدد من النشطاء في المجتمع المدني أنّ السلطات تتعامل مع الملف بعقلية إدارة الأزمة لا معالجتها، مشيرين إلى أنّ الحلول الترقيعية لم تعد مجدية بعد مرور أكثر من أربعة عقود على انطلاق النشاط الصناعي بالمنطقة.
وقالت الناشطة البيئية ريم شطورو من جمعية “قابس نظيفة” إنّ “الناس هنا لا يطالبون بالمستحيل، فقط بحقّ بسيط في تنفس هواء غير ملوث، وهو أبسط حقوق الإنسان في الحياة الكريمة”.

أما إدارة المجمع الكيميائي، فقد أصدرت بيانًا في جوان الماضي أكدت فيه أنها تعمل وفق المواصفات البيئية المنصوص عليها، وأنها تواصل “تجديد تجهيزاتها وتحديث فلاترها”، معتبرة أن بعض الانتقادات “تفتقر إلى الموضوعية وتعتمد على معطيات قديمة”.
لكن السكان يردّون بأن الواقع الميداني لا يؤكد ذلك، إذ تستمر الروائح الكريهة والانبعاثات البيضاء في سماء المدينة دون انقطاع.

الملف البيئي في قابس تجاوز اليوم الطابع المحلي ليصبح قضية وطنية بامتياز، لما يحمله من أبعاد اقتصادية وصحية واجتماعية.
ففي حين توظّف المنطقة الصناعية آلاف العمال، فإنّ تكاليف التدهور البيئي، وفق تقديرات وزارة البيئة لسنة 2022، تتجاوز 120 مليون دينار سنويًا بين خسائر صحية وتراجع الإنتاج الزراعي والصيد البحري.

قابس اليوم أمام مفترق طرق حاسم:إما المضي في نموذج صناعي أثبت محدوديته البيئية والاجتماعية،
أو الانطلاق في تحول بيئي شامل يضع صحة الإنسان في صدارة الأولويات.
وبين الوعود الحكومية والضغوط الاجتماعية، تبقى الحقيقة واحدة: المدينة تختنق، والوقت يضيق.

لوبوان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى