أراءعربي ودولي

تعيين حكومة لوكورنو: محاولة ماكرون الأخيرة لكسر الجمود السياسي في فرنسا…!!!

لوبوان تي ان:

 

أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم الأحد، عن تشكيل حكومة جديدة برئاسة سيباستيان لوكورنو، في خطوة تهدف إلى كسر حالة الجمود السياسي التي تعيشها فرنسا منذ أشهر. ويأتي هذا الإعلان بعد سلسلة من المشاورات المكثفة ومحاولات فاشلة لتشكيل حكومة قادرة على حشد دعم برلماني كافٍ، في ظل برلمان منقسم ومعارضة شرسة تهدد استقرار السلطة التنفيذية.

تضم الحكومة الجديدة مزيجًا من الوجوه القديمة والجديدة، حيث أعاد ماكرون عدداً من الوزراء البارزين إلى مواقع مختلفة، من بينهم برونو لومير الذي تولى وزارة الجيوش بعد أن شغل منصب وزير الاقتصاد لسنوات، فيما عُيّن رولان لوسكور خلفاً له على رأس وزارة الاقتصاد، ليكون أمامه التحدي الأكبر في إعداد مشروع ميزانية العام المقبل وسط وضع مالي معقد وضغوط اجتماعية متزايدة. كما حافظ عدد من الوزراء على حقائبهم، من بينهم وزير الخارجية جان نويل بارو، ووزير الداخلية برونو روتايو الذي أكد التزامه بمكافحة الهجرة غير النظامية وتشديد الرقابة على الحدود.

لكن رغم هذا التغيير في التركيبة الحكومية، يدرك المراقبون أنّ الصعوبات الحقيقية لا تكمن في الأسماء بقدر ما تتعلق بالواقع السياسي الذي يزداد تعقيدًا يوماً بعد يوم. فالحكومة الجديدة تواجه برلماناً منقسماً إلى ثلاث كتل كبرى لا يجمع بينها سوى رغبة مشتركة في كبح نفوذ الرئيس. هذا الانقسام يجعل تمرير أي قانون، وخاصة قانون المالية، مهمة شبه مستحيلة دون اللجوء إلى المادة 49-3 المثيرة للجدل، التي تتيح للحكومة فرض قانون دون تصويت، وهو ما يثير غضب المعارضة ويزيد من حدة الاحتقان السياسي.

وتأتي هذه التطورات في ظل أزمة سياسية خانقة بدأت منذ الانتخابات التشريعية المبكرة التي دعا إليها ماكرون العام الماضي في محاولة لتعزيز سلطته، لكنها أفرزت مشهداً سياسياً غير مسبوق، إذ فقد الرئيس أغلبيته البرلمانية ووجد نفسه في مواجهة معارضة متماسكة ومجتمع منقسم. وسقوط الحكومتين السابقتين، برئاسة فرانسوا بايرو وميشال بارنييه، بسبب فشل تمرير مشاريع الميزانية، جعل مهمة لوكورنو أكثر صعوبة وتعقيدًا.

وفي الوقت الذي يحاول فيه الرئيس الفرنسي الحفاظ على توازن هشّ داخل المشهد السياسي، تتزايد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية في الشارع الفرنسي. فارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية وازدياد الغضب الشعبي من الإصلاحات الاقتصادية، كلها عوامل تجعل الحكومة الجديدة أمام تحدٍّ مزدوج: تحقيق الاستقرار السياسي وإقناع الفرنسيين بجدوى سياساتها. كما أنّ ملفات الهجرة والأمن والبيئة لا تزال تشكّل محاور خلاف حادة بين الحكومة والمعارضة، ما ينذر بمواجهات برلمانية محتدمة خلال الأشهر القادمة.

وفي الخارج، تجد باريس نفسها مطالبة بالحفاظ على مكانتها الأوروبية والدولية وسط تحديات كبرى، في وقت تضع فيه الانقسامات الداخلية قيوداً على تحركاتها الدبلوماسية، سواء في الملف الأوكراني أو في علاقاتها المتوترة مع بعض الدول الإفريقية. ويخشى المراقبون أن تؤثر الأزمة الداخلية على صورة فرنسا في الخارج، باعتبارها إحدى القوى المحورية في الاتحاد الأوروبي.

وهكذا، فإنّ ولادة حكومة سيباستيان لوكورنو لا تعني بالضرورة نهاية الأزمة السياسية في فرنسا، بل ربما تكون بداية مرحلة جديدة من التجاذبات، حيث يسعى الإليزيه إلى استعادة زمام المبادرة وسط مشهد برلماني مشتت ورأي عام قَلِق من المستقبل. ويبدو أن مهمة لوكورنو ستكون من أصعب المهام التي تواجهها حكومة فرنسية في عهد ماكرون، إذ يُطلب منها تحقيق المعادلة المستحيلة بين الاستقرار السياسي، والانضباط المالي، والحفاظ على السلم الاجتماعي في بلد يعيش واحدة من أكثر مراحله هشاشة منذ عقود.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى