أراء

العدوان على إيران استهدف أيضا التأثير على الصين

لوبوان تي ان :

 

توقف العدوان الصهيوأميركي على إيران يوم الثلاثاء الماضي باعلان من الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تغريدة نشرها على منصته الخاصة سوشال تروث غير أن وزير الخارجية الإيراني عراقجي قال يوم الخميس (26 يونيو الجاري)  أن بلاده لم تطلب وقف إطلاق النار بل الكيان الصهيوني هو من طلب ذلك. وشدد عراقجي في مقابلة تلفزيونية على أنّ «إيران لم تتفاوض مع الكيان الصهيوني، بل هو من أوقف هجماته نتيجة العجز واليأس»، موضحاً أنّ بلاده «لم تقبل بوقف إطلاق النار، بل أعلنت وقف العمليات من طرفها”. وقال الجنرال إيال زامير، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، يوم الثلاثاء الماضي في تعليقه على وقف إطلاق النار الذي يوصف بالهش: “لقد أنهينا فصلًا مهمًا، لكن الحملة ضد إيران لم تنتهِ بعد.”

 وقد عكست تصريحات أميركية وإسرائيلية حقيقة أن الولايات المتحدة وكيان العدوان الصهيوني، مهما كانت نتيجة هذا “الفصل” المحدد، ما زالا ملتزمين بتحقيق هدفهما الاستراتيجي القديم في المنطقة: شلّ النظام الإيراني وإعادة فرض السيطرة على الاحتياطيات الهائلة من النفط والغاز في منطقة الخليج العربي.

وكان الكيان الصهيوني شن في أكتوبر 2024،ما كان في حينه أكبر عدوان منفرد على الأراضي الإيرانية، لكن تم تأجيل الحرب الشاملة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية التي أسفرت عن فوز ترامب. وفي الشهر نفسه، عبّر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو بوضوح عن نواياه قائلاً: “عندما تتحرر إيران أخيرًا – وهذا سيحدث قريبًا أكثر مما يظنّ البعض – سيتغير كل شيء.”

وقد بدا طوال 11 يوما من العدوان الصهيوني المدعوم أميركيا عدم قدرة الكيان على حسم الصراع مع إيران لوحده خاصة مع حجم الخسائر الكبيرة التي لحقت به من جراء الصواريخ الإيرانية التي لم تتوقف عن ضرب عمق الكيان الصهيوني طول 12 يوما من الحرب، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى التدخل المباشر مما مما شكّل تصعيدًا كبيرًا في قصف مواقع البرنامج النووي الإيراني والذي ألحق ضررا في تلك المواقع لم يحدد بعد ماهيته.

الآن، وبعد ما يقارب  عامين من الإبادة المتصاعدة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، وجد كيان العدوان الصهيوني اللحظة المناسبة للهجوم. ويمثل العدوان على إيران ذروة سنوات من التحضير – ورغبة مشتركة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني لضرب خصمهما الأقدم في المنطقة. كما يخدم هذا العدوان كوسيلة لإلهاء الرأي العام عن الأزمات والتناقضات الداخلية المتفاقمة في الولايات المتحدة والكيان الصهيوني. وقد سعت حكومة ترامب إلى تصوير تصرفاتها كدليل على “عبقرية ترامب الفريدة” في صنع الصفقات وأنه “بطل الحرب والسلام”. 

وتُعتبر الصين، الشريك التجاري الأكبر لإيران، الهدف النهائي وراء هذا العدوان. فحكومة ترامب، التي ركّزت على التحضير لحرب ضد الصين، ترى في إخضاع النظام الإيراني أو الإطاحة به خطوة استراتيجية ضرورية نحو المواجهة مع بكين. هذا يمهد الطريق لاستعادة السيطرة على الاحتياطيات الضخمة من الطاقة وإعادة فرض الهيمنة الأميركية على اثنين من أهم نقاط التحكم الجيوسياسية في العالم: الخليج العربي وبحر قزوين.

وتعتبر إيران، التي يزيد عدد سكانها عن 90 مليون نسمة، ثاني أكثر الدول سكانًا في الحوض العربي الاسلامي. كما أنها ضعف حجم العراق، الذي غزته الولايات المتحدة ودمّرته في عام 2003. ولأكثر من قرن، وضعت ثروة إيران النفطية البلاد في مرمى الإمبريالية الأميركية والبريطانية. وقد جلب النفط الإيراني المكتشف منذ عام 1908 أرباحا طائلة لبريطانيا، بينما لم يحصل الشعب الإيراني على شيء تقريبًا. ولكن بحلول أواخر الأربعينيات، ظهر في إيران حراك شعبي قوي من الإضرابات والاحتجاجات لاستعادة هذه الثروة. قاد هذا الحراك في عام 1952 رئيس الوزراء محمد مصدق والجبهة الوطنية، حيث دفعوا نحو تأميم صناعة النفط، وتوزيع الأراضي، والحد من سلطة شاه إيران محمد رضا بهلوي. كان مصدق قوميًا معتدلًا من البرجوازية، حاول أن يجد توازنًا من خلال التقارب مع الولايات المتحدة واستخدام الجيش ضد بعض قطاعات الحركة الجماهيرية—لكن حتى إجراءاته المحدودة اعتُبرت أكثر مما يمكن لبريطانيا والولايات المتحدة تحمله، حيث نفذت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) والمخابرات البريطانية في عام 1953عملية “آجاكس”، وهو انقلاب أطاح بمصدق وأعاد الشاه إلى السلطة. تم ضخ الأموال إلى إيران لرشوة الجنرالات وتحريك الحشود العنيفة. دبابات دخلت طهران. وتبع ذلك عقدان من الديكتاتورية تحت حكم محمد رضا بهلوي، تم خلالها فرض القمع الوحشي. سُجن عشرات الآلاف من العمال والمناضلين، وتعرضوا للتعذيب أو القتل. وعاد النفط الإيراني ليتدفق مرة أخرى نحو الشركات الغربية، تتوسطها شركة النفط البريطانية الفارسية  BP.

واستخدمت الولايات المتحدة إيران في عهد الشاه قاعدة أمامية لقواتها عبر الحافة الأوراسية. إذ بعد انقلاب 1953، ساعدت الولايات المتحدة في تحديث الجيش وأجهزة الاستخبارات الإيرانية، وحصلت على إمكانية الوصول إلى شبكة من منشآت المراقبة—بما في ذلك محطة استخبارات إشارات حيوية قرب الحدود السوفييتية، كانت تُستخدم لرصد اختبارات الصواريخ والاتصالات العسكرية. سمحت هذه القواعد للولايات المتحدة بالتجسس العميق داخل الأراضي السوفييتية، وساعدت في جعل إيران حاجزًا ضد النفوذ الشيوعي في المنطقة العربية والقوقاز وآسيا الوسطى.

لم تسفر الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت ثماني سنوات من إسقاط نظام الثورة الإسلامية الذي انتصب في عام 1979، عقب الإطاحة بحكم الشاه حيث توجهت الولايات المتحدة منذ تسعينيات القرن الماضي إلى إنفاق مليارات الدولارات لتمويل أنصار الحكم الملكي السابق المقيمين في المنفى وجماعات المعارضة، بينما فرضت عقوبات قاسية دمّرت الاقتصاد الإيراني وتسببت في معاناة جماعية. ورغم أن هذه السياسات فشلت في إسقاط النظام، إلا أنها نجحت في خلق معاناة هائلة. فقد اندلعت احتجاجات واسعة في عام 2017، وانتشرت في 85 مدينة. لم تكن هذه التظاهرات تحت سيطرة الولايات المتحدة، بل عبّرت عن كراهية واسعة النطاق تجاه نظام الحكم الذي يوصف بالمتشدد وهيمنة الإمبريالية الخانقة المفروضة على البلاد.

دور النفط الإيراني في اقتصاد الصين

تحتفظ إيران بأكثر من 150 مليار برميل من احتياطيات النفط المؤكدة، مما يجعلها رابع أكبر دولة في العالم من حيث حجم الاحتياطي. كما تمتلك ثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي بعد روسيا. ومع ذلك، فإن إنتاجها النفطي، والذي يبلغ حوالي 3 ملايين برميل يوميًا (أي نحو 3 في المئة من الإنتاج العالمي)، لا يزال أقل بكثير من إمكانياتها الحقيقية. فقد حرمتها العقوبات من رؤوس الأموال، والخبرة الفنية، والشراكات الأجنبية التي كان من الممكن أن ترفع إنتاجها النفطي بشكل كبير. ورغم العقوبات والعقبات الأخرى، وجدت صادرات النفط الإيرانية مشتريًا حاسمًا هو الصين التي تشتري ما يصل إلى 90 في المئة من النفط الإيراني، ويتم ذلك في الغالب عبر قنوات غير رسمية أو شبه سرّية، وغالبًا بأسعار مخفضة. وتتجاوز هذه التدفقات الرقابة الغربية والعقوبات، مما يعزز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين ويقوّض الجهود الأميركية لخنق الاقتصاد الإيراني.

بالنسبة للصين، فإن هذه العلاقة حيوية. فهي تستورد أكثر من 11 مليون برميل من النفط يوميًا، أكثر من أي دولة أخرى في العالم. وعلى الرغم من أن بكين توسّع بسرعة في مجال الطاقة المتجددة، فإن قاعدتها الصناعية وقطاع البتروكيماويات ما زالا يعتمدان بشكل كبير على النفط الإحفوري الخام. وتشكل إيران الآن نحو 15 في المئة من واردات الصين النفطية.

لكن أهمية إيران تتجاوز مجرد إنتاج النفط. فهي تتمتع بسيطرة شبه كاملة على مضيق هرمز، وهو أهم ممر نفطي في العالم. إذ يمر من خلال هذا الممر الضيق أكثر من 20 في المئة من النفط المنقول بحرًا عالميًا. وبينما هددت إيران بإغلاق المضيق ردًا على العدوان الأميركي، فإن أسعار النفط انخفضت بعدة نقاط مئوية فور أعلان ترامب عن وقف إطلاق النار، حيث يراهن المتعاملون في السوق على أن إيران لن تُقدم على إغلاق المضيق.

جزء من سبب تردد إيران في استخدام ما يُسمى بـ”سلاح النفط” هو أن معظم النفط الذي يمر عبر مضيق هرمز يتجه الآن شرقًا – إلى الصين.  فالسعودية وقطر والكويت والإمارات كلها من الموردين الكبار للصين. ولو أغلقت إيران المضيق، فإنها بذلك ستُوتر علاقاتها مع هذه الدول الخليجية، والأهم من ذلك، قد تُلحق الضرر بالصين – شريكها التجاري الأكبر.

ويفهم المخططون الاستراتيجيون الأميركيون هذا الواقع جيدًا. وبينما تبقى أسواق النفط عالمية والتقلبات السعرية ستؤثر على الولايات المتحدة، فإن الصين ستكون الأكثر تضررًا بشكل مباشر وفوري من أي اضطراب في حركة النفط عبر مضيق هرمز.

وعلى الرغم من هيمنة الصين على تكرير المعادن الأساسية عالميًا، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها لا يزالون يتمتعون بسيطرة أكبر بكثير على تدفقات النفط والغاز العالمية. وفي أي مواجهة مستقبلية مع الصين، سيكون الوصول إلى النفط والغاز نقطة ضغط حاسمة. فكل يوم، يُشحن برميل واحد من كل تسعة براميل نفط تُنتج في العالم إلى الصين. وإذا تم قطع هذا التدفق، فسيكون التأثير على الاقتصاد الصيني فوريًا وربما مدمرًا. ولهذا السبب، يبدو أن حكومة ترامب تحديدًا كانت تستمتع بفكرة إزالة إيران من المعادلة – قطع أحد الموردين الأساسيين للصين، وتشديد قبضة الإمبريالية الأميركية على نظام الطاقة العالمي.

ورغم أن النفط عنصر مركزي لفهم أهمية إيران، فإن قيمتها الاستراتيجية أوسع بكثير. إذ تقع إيران في قلب التقاء خطوط الصدع الجيوسياسية، تربط بين المنطقة العربية والقوقاز وآسيا الوسطى والمحيط الهندي. وتوفر أراضيها وصولًا ليس فقط إلى الخليج العربي، بل أيضًا قربًا جغرافيًا من بحر قزوين والجناح الجنوبي لروسيا.

وعلى مدار أكثر من قرن، نظرت القوى الإمبريالية إلى السيطرة على إيران كعامل أساسي لضمان النفوذ في كامل الكتلة الأوراسية. واليوم، يرى المخططون الأميركيون في إيران ليس فقط عقدة حيوية في أمن الطاقة الصيني، بل أيضًا وسيلة محتملة لعرقلة مشاريع التكامل الإقليمي بين الصين وروسيا وجيرانهما. فمن وجهة النظر الأميركية، فإن شلّ إيران يعني إضعاف محور كامل من الترابط الإقليمي قد يقوّض الهيمنة الأميركية في كل من شرق وغرب آسيا.

وتعزز تحالفات إيران الإقليمية من وزنها الاستراتيجي. فمن خلال حزب الله في لبنان وحركة أنصار الله في اليمن، أظهرت إيران قدرتها على تعطيل تدفقات النفط العالمية.  ففي سبتمبر 2019، على سبيل المثال، استهدفت طائرات مسيّرة أطلقها اليمن منشأتي بقيق وخريص السعوديتين، مما أدى إلى تعطيل 5 في المئة  من إمدادات النفط العالمية ورفع الأسعار بنسبة 20 في المئة بين عشية وضحاها.

إيران: خطوة تمهيدية نحو الحرب ضد الصين

في وقت مبكر من الأسبوع الماضي، هدّد دونالد ترامب باغتيال المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، سماحة السيد علي خامنئي، قائلاً: “نحن نعرف بالضبط أين يختبئ ما يسمى بالمرشد الأعلى”، مضيفًا أنه “هدف سهل”.

وكي يبدو متحفظًا، أوضح ترامب: “لن نقوم بتصفيته – على الأقل ليس الآن”، لكنه حذّر قائلاً: “صبرنا بدأ ينفد”. كما صرح وزير الحرب الصهيوني يسرائيل كاتس يوم الجمعة الماضي (20 يونيو) أن هدف العدوان على إيران هو “زعزعة استقرار النظام” من خلال مهاجمة “مرتكزات قوّته”.

ورغم أن إيران ردّت بإطلاق عدة صواريخ يوم الاثنين على قاعدة العديد الأميركية في قطر، فإن هذه الضربات بدت رمزية وشكلية إلى حد كبير، مما يشير إلى أن إيران تتجنب انتقامًا حقيقيًا قد يؤدي إلى حرب شاملة مع الولايات المتحدة لا طاقة لها به حيث تجد إيران نفسها بدون حلفاء يتحملون معها عبء حرب شاملة وخاصة روسيا والصين.

في ولايته الأولى التي بدأت مع مطلع 2017 ظهرت تصريحات من واشنطن أن الولايات المتحدة تستعد لمواجهة كبرى مع الصين – خطوة استراتيجية تهدف إلى تعويض تراجعها الاقتصادي طويل الأمد، ومنع صعود قوة منافسة تهدد الهيمنة الأميركية العالمية. وفي عام 2023، توقّع أحد كبار الجنرالات الأميركيين أن تكون الولايات المتحدة في حالة حرب مع الصين بحلول عام 2025 .

وفي وقت سابق من شهر يونيو الجاري حث وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث الحلفاء الأساسيين لواشنطن في المحيط الهادئ – أستراليا، اليابان، كوريا الجنوبية، والفلبين –على الاستعداد لصراع “وشيك”. وقد رفعت هذه الدول الأربع من إنفاقها العسكري إلى مستويات تاريخية. وفي أستراليا، دعا رئيس أركان الدفاع، الأميرال ديفيد جونستون، البلاد صراحة للاستعداد للحرب.

لذلك يرى خبراء استراتيجيون ضرورة فهم الحرب على إيران ضمن هذا السياق الأوسع. فبالنسبة لحكومة ترامب، تُعد إيران حجر زاوية جيوسياسيًا مهمًا – جزءًا من خطة أوسع تهدف إلى إضعاف موقف الصين في المنطقة العربية، وتعويض تراجع الهيمنة الأميركية. حتى لو توقف العدوان على إيران دون تحقيق أحد أهدافه الرئيسية وهو تغيير النظام، فإن هدفها هو شل قدرة إيران على العمل كقوة مستقلة – وبالتالي تقويض أمن الطاقة الصيني ونفوذه الإقليمي.

ويوضح وين-تي سونغ، الباحث في “مجلس الأطلسي أنه “في حال أصبحت إيران ضعيفة – ربما على شفا حرب تقليدية شاملة أو حتى حرب أهلية نتيجة التدخل العسكري الأميركي – فإنها ستُصبح شريكًا أقل فعالية بكثير للصين في انخراطها في الشرق الأوسط.” وهذا هو، في نهاية المطاف، هدف الإمبريالية الأميركية من هذه الحرب. 

وكانت حكومة ترامب دخلت في صراع اقتصادي مع الصين تمثل في رفع نسبة الضرائب على الواردات والصادرات الصينية بشكل هائل لكن ترامب تحت ضغوط الشركات الأميركية الكبرى تراجع عن ذلك، ويوم الخميس (26 يونيو الجاري) أعلن عن توقيع اتفاق تجاري مع الصين يوم الأربعاء يرفع القيود على صادرات المعادن النادرة ويسمح للطلاب الصينيين بالدراسة في الولايات المتحدة ورسوما جمركية متبادلة تصل إلى 55 في المئة.

واشنطن-محمد دلبح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى