أراء

ترامب للبيع أو الاستبدال…عرض لفترة محدودة..!

د.محمد العرب اعلامي وباحث في الذكاء الاصطناعي

حسناً ، يبدو أن دونالد ترامب قرر خوض مغامرة جديدة، ليس في سباق الرئاسة الأمريكية هذه المرة، بل في مشروعه العقاري الأغرب: (منتجع ترامب غزة) ، لا تضحكوا ، هذا الرجل يعتقد فعلاً أن تحويل قطاع غزة من منطقة تعاني من الحصار لسنوات ومن الإبادة منذ اكثر من سنة  إلى نسخة فاخرة من (ميامي بيتش ) الأمر ليس مستعصيا مجرد توقيع عقد ، وربما خصم خاص إذا تم الدفع نقداً…!
تخيلوا ترامب وهو يجلس في مكتبه الذهبي الفخم، يحدق في خريطة غزة، ويشير إلى حي الشجاعية قائلاً : هنا سنبني مول ضخم… ربما نسميه Trump Shuja’iya Mall مع نافورة راقصة ، شيء من الفخامة ليرتفع قيمة العقار ، ثم ينظر إلى خان يونس: هذا مثالي لمجمع سكني فاخر، شقق بإطلالة بانورامية ساحرة  ولا ننسى دير البلح، التي سيقترح تحويلها إلى مزرعة نخيل عضوية تقدم تموراً فاخرة لزوار منتجع ترامب الجديد..!
ترامب لديه موهبة فريدة في تحويل الكوارث الإنسانية إلى فرص استثمارية. إنه لا يرى غزة كمدينة مليئة بالبشر الذين يعانون من نقص الطعام والشراب والكهرباء والمياه وقد تعرضوا لاسوء حرب ابادة عبر التاريخ  ، بل ينظر لغزة كمساحة عقارية غير مستغلة بشكل كافٍ وربما سيقترح إعادة تسمية مخيم النصيرات إلى (Trump Village) مع شعار جذاب: حيث يلتقي التاريخ بالرفاهية…!
أما بيت حانون؟ هذا موقع ممتاز لبناء ملعب جولف صحراوي لأن لا شيء يصرخ (فخامة) أكثر من لعب الجولف في منطقة كانت تعاني من القصف.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد. ترامب لديه رؤية جريئة لتحويل ميناء غزة إلى مارينا لليخوت الفاخرة ، تخيلوا مشهد اليخوت البيضاء الأنيقة، تتمايل برشاقة بينما يقف ترامب في زي بحّار فاخر، يقول بثقة: لقد حولنا غزة إلى ريفييرا الشرق الأوسط! من يحتاج إلى كان أو نيس حين يكون لدينا غزة؟
وبالطبع، لا يمكن أن ننسى اهتمام ترامب بالتفاصيل. سيفكر في فتح كافيه فاخر في رفح يقدم (قهوة ترامب) بسعر مضاعف، لأنه يتوهم أن كل شيء يصبح أكثر قيمة بمجرد وضع اسمه عليه وربما يقترح أيضاً بناء فندق خمس نجوم في جباليا مع خدمة الواي فاي الفائق السرعة لأن الإنترنت السريع أهم من الكهرباء المنتظمة، أليس كذلك؟
المفارقة أن ترامب يتحدث عن غزة وكأنها ملعب فارغ، نسي أو تجاهل أن هناك أكثر من مليوني إنسان يعيشون هناك. لكنه لا يرى الأشخاص، فقط يرى المساحات القابلة للتطوير ، في عالم ترامب كل مدينة تصلح لأن تتحول إلى مشروع تجاري، حتى لو كانت تعاني من الإبادة والحصار وربما سيعلن عن برنامج خاص لتأجير الشقق في تل الهوى مع عروض : ادفع إيجار شهر واحصل على شهر مجاني!
لأنه يعتقد أن هذه العروض السخيفة تحل كل الأزمات.
تخيلوا ترامب يقف في مؤتمر صحفي، يلوّح بيده كعادته ويقول: لقد وجدت الحل لغزة! سنحولها إلى وجهة سياحية عالمية، شواطئ نظيفة، فنادق فاخرة، ومراكز تسوق ضخمة. أهل غزة؟ سنجد لهم أماكن أخرى، دعونا لا نعقد الأمور…!
هذا هو بالضبط مستوى العمق الذي يتمتع به هذا الرجل: القدرة على تحويل المآسي إلى فرص دعائية لنفسه ، المضحك أن ترامب يعتقد أن هذا كله سينجح. يظن أن بإمكانه ببساطة أن يعرض مشروعاً عقارياً جديداً على العالم وسيصفق الجميع إعجاباً لكنه نسي شيئاً بسيطاً : غزة ليست مشروعاً عقارياً معروضاً للبيع، إنها موطن لأناس حقيقيين، بشوارع تحمل قصصهم، وبحر يحمل أملهم.
ختاماً…ربما يجب علينا أن نمنح ترامب خريطة ونخبره: جرب في مكان آخر يا رجل، غزة مش للبيع ، لأن الحقيقة البسيطة التي لن يفهمها ترامب أبداً هي أن العالم ليس صفقة، والبشر ليسوا أرقاماً في دفتر سمسار عقارات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى