![](https://lepointtn.com/wp-content/uploads/2025/02/2025-01-21T013333Z_1270679308_RC21ECASE3T1_RTRMADP_3_USA-TRUMP-INAUGURATION-780x470.webp)
لوبوان تي ان:
بضعة أيام فقط على توليه رئاسته الثانية في البيت الأبيض أعلن دونالد ترامب أثناء عودته من ولاية كاليفورنيا يوم 24 من شهر يناير الماضي عن خطته للتطهير العرقي للشعب الفلسطيني في قطاع غزة. ولم يتوقف منذ ذلك الوقت عن الحديث عن خطته لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة واستملاكه لأرض القطاع المحاصر والذي لا تزال أجزاء منه تحت الاحتلال الصهيوني.
وقد أوضح ترامب أن خطته لتطهير قطاع غزة عرقيًا التي تحدث عنها بإسهاب يوم الثلاثاء الماضي وإلى جانبه حليفه رئيس حكومة كيان العدوان الصهيوني بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، أوضح أن خطته تعتمد على التواطؤ المباشر لأنظمة التبعية العربية.
وعلى الرغم من الرفض العربي والدولي لمشروع ترامب إلا أنه أعاد يوم الخميس التأكيد عليه حيث كتب عبر منصة Truth Social: “ستسلم إسرائيل قطاع غزة إلى الولايات المتحدة عند انتهاء القتال. كان من الممكن أن يتم بالفعل إعادة توطين الفلسطينيين، في مجتمعات أكثر أمانا وجمالا، مع منازل جديدة وحديثة في المنطقة”.
وأضاف: “سيكون لديهم في الواقع فرصة ليكونوا سعداء وآمنين وأحرارا. ستبدأ الولايات المتحدة، بالعمل مع فرق تطوير عظيمة من جميع أنحاء العالم، ببطء وحذر في بناء ما سيصبح واحدا من أعظم وأروع التطورات من نوعها على وجه الأرض. لن تكون هناك حاجة لجنود من قبل الولايات المتحدة وسيعم الاستقرار في المنطقة”.
وكان ترامب قد دعا علنًا إلى “تنظيف” غزة من سكانها الفلسطينيين، وهو التعريف الحرفي للتطهير العرقي، حين قال للصحفيين على متن طائرة الرئاسة: أنتم تتحدثون عن مليون ونصف شخص تقريبًا، وسنقوم ببساطة بتنظيف” قطاع غزة، الذي وصفه بأنه “موقع هدم”. ثم اقترح إعادة توطين الفلسطينيين في الأردن ومصر، مضيفًا: “أتمنى أن يأخذ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعضهم. لقد ساعدناهم كثيرًا، وأنا متأكد من أنه سيساعدنا. إنه صديقي. إنه في… حي صعب. لكنني أعتقد أنه سيفعل ذلك، وأعتقد أن ملك الأردن سيفعل ذلك أيضًا.” ولاحقًا، أشار بوضوح إلى أن كلا البلدين يتلقيان مساعدات كبيرة من الولايات المتحدة.
رفض شكلي وتواطؤ عملي
قوبلت دعوة ترامب برفض شكلي ومهذب من السيسي وملك الأردن عبد الله الثاني. كما رفضت الأنظمة العربية اقتراح ترامب اللاحق، الذي قدمه في مؤتمره الصحفي المشترك في البيت الأبيض يوم الثلاثاء الماضي مع نتنياهو والذي كان يدعو إلى سيطرة أميركية مباشرة على غزة. لكن ترامب يدرك أن هناك إمكانية لعقد صفقة بشأن التطهير العرقي، حتى لو لم يكن ذلك عبر صفقة عقارية أميركية.
لقد وضع ملك الأردن خطًا أحمر واضحًا أمام كيان العدوان الصهيوني والولايات المتحدة بعد هجوم 7 أكتوبر 2023، بقوله: “لا لاجئين في الأردن، لا لاجئين في مصر”. وبينما اعتمدت القيادة الأردنية على حكومة بايدن لمعارضة المقترحات الإسرائيلية لترحيل الفلسطينيين قسرًا من غزة، فقد اتخذت حكومة ترامب فعلا موقفًا أكثر تساهلًا تجاه طموحات كيان العدوان. فقد تلقى مشروع ترامب إشادة من عدة سياسيين صهيونيين يمينيين متطرفين، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذين جددا دعواتهما للحكومة الإسرائيلية لتنفيذ عملية نقل سكاني من غزة إلى الدول المجاورة—وهي أجندة لطالما دافعوا عنها.
خطاب ترامب حول الترحيل القسري يعزز موقف وزراء اليمين المتطرف في إسرائيل، مما يزيد من الضغوط على بنيامين نتنياهو لاتخاذ سياسات أكثر تطرفًا. هذا التصعيد الأمر الذي يرى فيه محللون أنه قد يدفع نحو مواجهة أردنية إسرائيلية، نظرا لرفض الأردن أي ضغوط إسرائيلية لتنفيذ سياسات تهدد استقراره.
لقد سبق لترامب في ولايته الرئاسية الأولى فرض سياساته على الأردن، عندما تجاهل في عام 2017 اعتراضات الأردن ونقل السفارة الأميركية إلى القدس بعد اعترافه بها عاصمة لكيان العدوان. كما رفض الأردن “صفقة القرن” التي طرحها ترامب خلال ولايته الأولى، بسبب دعمها لضم الكيان لوادي الأردن المحتل، وهو ما اعتبرته عمان تهديدًا لاستقرارها.
وإذا شعر ترامب بأن الملك عبد الله يعرقل خطته لتهجير فلسطينيي غزة، فقد يلجأ إلى إجراءات انتقامية. وقد أظهر ترامب سابقًا، كما في تعامله مع كولومبيا، استعداده لاستخدام العقوبات والمساعدات الاقتصادية وأدوات الضغط الأخرى لفرض إرادته. ففي عام 2020، كاد ترامب أن يقطع حزم مساعدات أميركية حيوية يعتمد عليها الأردن اقتصاديًا وسياسيًا (نحو 1.5 مليار دولار)، بعد أن رفض الملك عبد الله طلب البيت الأبيض بتسليم المناضلة الأسيرة المحررة أحلام التميمي التي تتهمها واشنطن بأن العملية الفدائية التي شاركت فيها في القدس عام 2001 أسفرت عن مقتل مواطنين أميركيين. إذا كان الماضي مؤشرًا لما قد يحدث مستقبلاً، فقد تكون العواقب هذه المرة أكثر خطورة.
وقد انتشرت تحذيرات من أن تؤدي خطة ترامب إلى زعزعة استقرار الأردن الأمر الذي يهدد أمن الكيان الصهيوني، إذا لم تتمكن السلطات الأردنية من مواصلة التعاون الأمني معه بسبب الضغط الشعبي. وقد يؤدي هذا إلى تعريض الحدود الأطول مع فلسطين المحتلة لمخاطر أمنية، مثل تهريب الأسلحة، مما قد يجبر الولايات المتحدة على زيادة وجودها العسكري في المنطقة.
غير أن القرار النهائي لمصر والأردن سيظهر عقب الاجتماع الذي سيعقده الأسبوع المقبل ترامب مع كل من الملك عبد الله الثاني والرئيس عبد الفتاح السيسي في البيت الأبيض. لهذا، يرى خبراء ضرورة أن تعطي حكومة ترامب الأولوية للحفاظ على استقرار الأردن كشريك استراتيجي في المنطقة. وهذا يتطلب استمرار الدعم الأميركي للاقتصاد الأردني، وضمان عدم تهجير الفلسطينيين قسرًا إلى الأردن أو مصر.
وكان قطاع غزة قد تعرض طوال نحو 16 شهرا إلى عدوان صهيوني اتسم بتنفيذ جرائم إبادة جماعية، ولقي العدوان الوحشي على غزة دعما من دول التبعية العربية وتعاونت بشكل أوثق مع حكومة نتنياهو في قمع الفلسطينيين وكبح المعارضة الداخلية. فقد حافظ نظاما الحكم في مصر والأردن على الحصار الصهيوني على غزة، ومنعا أي دعم عسكري للمقاومة، وحتى رفضا فرض حظر نفطي على كيان العدوان. كما شاركت سلطة الحكم الذاتي بوصفها وكيلا أمنيا للاحتلال الصهيوني في العمل أداة قمع للفلسطينيين لصالح كيان الاحتلال إذ نفذت في ديسمبر 2023، عملية قمعية في جنين، في محاولة لكسب رضا تل أبيب وواشنطن والرياض. وقد أبلغت السلطة الفلسطينية المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف بأنها “مستعدة لمواجهة حماس عسكريًا” للسيطرة على غزة.
ان البديل الذي تطرحه أنظمة التبعية العربية ليس حل الدولتين الوهمي، بل هو تولي دور السجان على الفلسطينيين المحاصرين في ركام غزة، بدون منازل، مياه، كهرباء، رعاية صحية، أو أي مقومات للحياة. وإذا لم يكن هذا كافيًا لواشنطن، فقد لا يكون التواطؤ في شكل من أشكال التطهير العرقي مستبعدًا.
تصريحات ترامب تؤكد أن حكومة نتنياهو الإجرامية استغلت هجوم 7 أكتوبر 2023 كذريعة لبدء حملة إبادة جماعية مخططة مسبقًا، بهدف تطهير فلسطين من سكانها، بدءًا من غزة، ثم الضفة الغربية، وصولًا إلى فلسطينيي الداخل. فقد زاد عدد الشهداء الفلسطينيين في غزة من جراء جرائم الإبادة الجماعية التي نفذها العدو الصهيوني عن 50 ألفا معظمهم نساء وأطفال وكبار سن. وهناك عدد غير معروف من الجثث تحت الأنقاض، مما يعني أن عدد الشهداء والمصابين الحقيقي قد يصل إلى أكثر من 200 ألف شخص. وتم تهجير نحو 1.7 مليون نسمة داخل قطاع غزة من الشمال إلى الجنوب ومن الجنوب إلى الشمال.
وفي الضفة الغربية المحتلة، نفذت قوات العدوان الصهيوني عمليات عسكرية واسعة، بينها قصف مخيمات فلسطينية أبرزها مخيما جنين وطولكرم، وهدم البنية التحتية. ومنذ أكتوبر 2023، قتلت أكثر من 900 فلسطيني في الضفة الغربي واعتقال الآلاف وكان وزير الحرب الصهيوني السابق يوأف غالانت قال بوضوح: “جنين مجرد البداية”، مما يعني أن الحملة ستتوسع.
الدعم الأميركي والإمبريالية العالمية لكيان العدوان
تواصل حكومة ترامب ما قامت به سلفها حكومة بايدن في تمويل وتسليح قوات العدوان الصهيوني كجزء من مخطط الولايات المتحدة لبسط الهيمنة الأميركية على منطقة الحوض العربي الإسلامي. وفي هذا السياق تفكرحكومة ترامب أيضًا في تهجير سكان غزة ليس فقط إلى الأردن ومصر بل إلى إندونيسيا وأرض الصومال، حيث تواصل وزير الخارجية الأمبركي ماركو روبيو مع نظيره الإندونيسي سوجيونو لمناقشة الأمر. بل إن معلقين صهيونيين أشاروا أيضا إلى إمكانية تهجير سكان غزة إلى الصحراء الغربية في المغرب.
وقد أضاف ترامب إلى خطته للتطهير العرقي في غزة قرارا بعدم الاعتراف بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ووقف المساهمة المالية الأميركية في ميزانية الوكالة التي تصل إلى نحو 25 في المئة كما انسحب من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان حتى يتجنب خضوعه للعقوبات والإدانات التي ستتعرض لها الولايات المتحدة بسبب جريمة التطهير العرقي في غزة.
ما هي الصفقة الترامبية الحقيقية؟
أحد الأنماط التي أظهرها ترامب على مر السنين هو أنه يختبر الأفكار، يرى كيف يتم استقبالها، ثم يعود إليها لاحقًا. في عام 2016، كان وعده الانتخابي ببناء جدار على طول الحدود المكسيكية يُنظر إليه على أنه سخيف. لكنه مضى قدمًا وبنى جزءًا منه.
هل هي مجرد مناورة تفاوضية، أم أنه يراوغ؟ الخطأ كان في رفض تأملات ترامب بشكل قاطع
في الوقت الحالي، تعارض الدول العربية، بقيادة السعودية، اقتراح ترامب والتهجير الدائم للفلسطينيين، وهو هدف طويل الأمد لليمين الإسرائيلي المتطرف. لكن الأهم هو ما يجري من محادثات خلف الأبواب المغلقة.
وقد اقترح مراقبون إسرائيليون أن ترامب ربما يستخدم تكتيكًا تفاوضيًا يقوم على تقديم مطلب لغرض إزالته لاحقًا والظهور وكأنه منح تنازلاً. وقال شلومو بن عامي: “هذا الرجل ممثل في مسرح عالمي، وهذه كانت تكتيكاته، اللعب الكبير، ولفت انتباه العالم إلى ما يقوله، وإخراج منافسيه من التوازن، وفي النهاية سيحدث شيء يسير في طريقه”. “ربما تكون هذه خطوة تكتيكية تحاول قول شيء كبير من أجل الحصول في النهاية على حل أكثر تواضعًا”. وقد حدث سيناريو مماثل في ولاية ترامب الأولى: أعلن نتنياهو أن الكيان الصهيوني سيضم أجزاء من الضفة الغربية بموجب خطة ترامب للسلام الإسرائيلي الفلسطيني، ثم وضع الضم على الطاولة مقابل صفقة توسط فيها ترامب لعقد ما يسمى الاتفاقيات الإبراهيمية بين الكيان ودولة الإمارات والبحرين والمغرب.
المفاوضات التي يشرف عليها ترامب الآن تشمل مستقبل حكم حماس في غزة، واتفاقًا للسعودية لإقامة علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني.
وكتب الصحافي الإسرائيلي أمير إيتينجر في صحيفة إسرائيل اليوم اليمينية يوم الأربعاء: “يجب التعامل مع تصريحات ترامب بحذر. ولا يستبعد كبار الشخصيات في الكيان حدوث سيناريو مماثل فيما يتصل بقضية التهجير من غزة. وقد تكون الخطة هي إخراج غزة من على الطاولة في نهاية المطاف مقابل إعادة الرهائن، وطرد قادة حماس والعديد من نشطائها، والتطبيع مع السعودية دون مطالب مقابل وعود بشأن الدولة الفلسطينية”.
وربما كان أحد الأهداف الحقيقية لخطة ترامب هي إيران، فقد ذكر موقع أكسيوس الإخباري الأميركي أن الاستيلاء على قطاع غزة لم يكن جزءا من خطة ترامب بل كان هدفها الأساسي هو إعادة فرض سياسة الضغط الأقصى على إيران وهو موضوع حساس بالنسبة لنتنياهو الذي يعتبر إيران العدو الإقليمي الأكبر. وقد وقّع ترامب مرسوما رئاسيا يؤكد أن إيران “لا يمكنها امتلاك أسلحة نووية”، ومنح واشنطن “الحق” في منع بيع النفط الإيراني. كما ألغى قرار سابق يقضي بإعفاء العراق من استيراد الكهرباء والغاز من إيران.
كما أن محللين أشاروا إلى أن ترامب ربما أراد من التركيز على موضوع التهجير غير الواقعي تحويل الأنظار عما يحدث في واشنطن. وقال الكاتب الإسرائيلي أورييل داسكال في مقال نشره الخميس في موقع اللاه العبري “كل شيء يسير وفقا لخطة ستيف بانون، مستشار ترامب السابق الذي وصف استراتيجيته الإعلامية بأنها “إطلاق النار بأسرع معدل” حيث قال “نظرا لأن وسائل الإعلام تتكون من أشخاص أغبياء فلا يمكنها التركيز إلا على شيء واحد، لذا علينا أن نغرقهم بسيل من الأخبار المثيرة وسيفقدون السيطرة على ما هو حقا… ولن يتعافوا. لهذا السبب يلقي ترامب بمقترحات غير واقعية مثل شراء غرينلاند واحتلال بنما ونقل الفلسطينيين، لأنه يعلم أن وسائل الإعلام ستنشغل بهذه العناوين بدلا من التركيز على التغييرات الجذرية التي يحدثها داخل الحكومة الفيدرالية الأميركية والتي يقوم إيلون ماسك بتنفيذها.
محمد دلبح -واشنطن