لوبوان تي ان :
تشير كافة المؤشرات والتصريحات والتعليقات سواء أميركية وإسرائيلية وغربية وعربية إلى أن العدوان الصهيوني الهمجي التدميري على قطاع غزة وشعبها هي حرب الولايات المتحدة ممثلة بدولة الأمن القومي بالأساس، ضد من حاول ونجح في تهشيم منعة ووظيفية أداتها الرئيسة (كيان العدوان الصهيوني في فلسطين المحتلة) وهو الجيش الصهيوني في ضبط إيقاع الاقليم، وهذا الجيش هو أكبر استثمار أميركي في المنطقة.
لقد ترأس وزير الخارجية الأميركي الذي افتخر بيهوديته توني بلينكن، وهو ليس وزير دفاع يوم الثلاثاء اجتماعاً لقيادة غرفة حرب الجيش الصهيوني بحضور حكومة الطوارئ، فيما ترأس الرئيس الأميركي جوزيف بايدن يوم الأربعاء اجتماعا ثان لقيادة جيش العدوان الصهيوني، مع ذات الحضور… ليس بنيامين ناتانياهو من رئس الجلسة الأولى ولم يكون في الثانية؛ وإنما الأميركي؛ ومزنراً بتابعيه البريطاني والألماني
ليس هو العدوان الواسع الأول الذي أدارته واشنطن، فحروب يونيو 1967 وأكتوبر 1973 وصيف 1982 في لبنان وعدوان يوليو/تموز 2006 والحروب التي شنها جيش كيان العدوان الصهيوني على غزة في 2008 و 2012 و 2014 و 2021 كانت كلها حروب أميركية الإدارة، لكن عدوان 2023 هو الأكثر فجوراً لجهة تظهير الدور الأميركي.
ما تسعى اليه واشنطن هو عكس صورة 7 أكتوبر الجاري (طوفان الأقصى)، فكابوسها تثبيت وتثبّت صورة 7 أكتوبر في الذهن الجمعي العام، كونياً وغربياً وعربياً واسرائيلياً وفلسطينياً.. وفي بالها ما نجح فيه كيسنجر في حرب 1973، بفضل العميل أنور السادات من تبديد فوز الأيام الأربعة الأولى المبين وتحويله الى هزيمة منكرة خلال الأيام العشرة الأخيرة من الحرب.
الفارق أن محمد الضيف ويحي السنوار ليسا أنور السادات وتابعه أحمد اسماعيل، وأن أوضاع جبهة الشمال أفضل حالاً من سابقتها (الجبهة السورية) في ذلك الحين (والتي ساءت بفضل خيانة السادات لجيشها، بتركه وحيداً منذ 9 أكتوبر 1973)
لكن ما العمل؟
هناك أحد سبيلين: التهويل التخويفي من هول ما قد يأتي به اجتياح بري صهيوني لقطاع غزة، بأمل خضوع المقاومة لشروط استسلام “تقيها!” منه عبر إلقائها السلاح..
حيث أن برنامج عمل بايدن في المنطقة كما جاء في تقرير لصحيفة الأخبار اللبنانية (الأربعاء) يشمل الآتي:
“أولاً، أن يُترك له الإعلان عن «هدنة إنسانية» تؤمّن وقفاً لإطلاق النار لساعات معدودة، للسماح لـ«الأجانب» بمغادرة قطاع غزة عبر معبر رفح، مقابل دخول جزء من المساعدات الإغاثية، شرط أن تتولى الأمم المتحدة الإشراف على توزيع هذه المساعدات بشرط (كما أعلن بايدن في مؤتمره الصحفي في تل أبيب يوم الأربعاء) أن تكون المساعدات في حدها الأدنى ولا تصل إلى حماس.
ثانياً، أن يصار إلى بلورة مقترحات ترد في سياق «صيغة حل سياسي»، تقوم على فكرة أميركية مفادها أنه في حال لم يرد الآخرون لـ”إسرائيل” مواصلة العملية العسكرية، فالمطلوب أن توافق الدول العربية المؤثّرة في الملف الفلسطيني، ولا سيما مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، إلى جانب قطر والسعودية وتركيا، على اقتراح بفرض وصاية خارجية على القطاع، من ضمن خطة تستهدف نزع سلاح قوى المقاومة.
ثالثاً، أن تقبل هذه العواصم بمبدأ «الوصاية» من خلال قرار يقضي بإعادة مؤسسات السلطة الفلسطينية وقواتها إلى القطاع، وحل كل المؤسسات التي تديرها حماس وتسليمها للسلطة الفلسطينية التي ستتلقّى دعماً لتعزيز قواتها العسكرية في القطاع وإدارته عسكرياً وأمنياً وإدارياً.
رابعاً، التثبت، من خلال آلية محددة، من أن لا يعود الوضع إلى ما كان عليه، والبحث في فكرة نشر قوات أجنبية على طول الحدود بين قطاع غزة والأراضي المحتلة عام 1948، وتوسيع المنطقة العازلة بين القطاع وغلافه، ولو تطلّب الأمر تجريفاً لأحياء ومدن ومخيمات.
خامساً، وضع آلية تضمن نزع القوة الصاروخية للمقاومة وإزالة كل البنى التحتية التي تُعتبر سلاحاً خاصاً للمقاومة، بما في ذلك تدمير الأنفاق.
سادساً، تسليم كل الأسرى للسلطة الفلسطينية على أن تتولى إدارة عملية تبادل للأسرى مع قوات الاحتلال، بعد إطلاق سراح فوري لجميع المدنيين، ومن دون شروط.
سابعاً، أن تتولى دول عربية أي عملية لإعادة الإعمار والإشراف المباشر عليها وضمان عدم استفادة حماس وبقية قوى المقاومة من الأمر، وأن تفرض مصر واقعاً أمنياً جديداً يتيح لها الإشراف المباشر على كل ما يجري داخل القطاع، ما يعني إدارة القاهرة الوضع الأمني والسياسي في القطاع.”
طبعا مثل هذه الشروط لا تحتاج إلى أن يقبلها أو يناقشها عاقل لضحالة وفهلوة من صاغها، ولعل إلغاء ملك الأردن عبد الله الثاني ومعه رئيس النظام الحاكم في مصر عبد الفتاح السيسي ورئيس سلطة الوكيل الأمني للحتلال محمود عباس لقمتهم مع بايدن، في عمان، دليل على أنهم، حتى ذاتهم، لم يعودوا يحتملون سوى وقفاً فورياً للعدوان الصهيوني وإلا فكراسيهم هم في مهب الريح.
لذلك ليس أمام بايدن في دفاعه عن العدوان الصهيوني إلى حد تبنيه الرواية الصهيونية أن قصف المستشفى المعمداني لم تنفذه “إسرائيل” سوى أن يلقي بقوات الاحتلال الصهيوني في أتون قطاع غزة بأمل أن تنجز فوزاً، بشكل ما، يحيّد مفعول 7 أكتوبر
الإشكالية هنا هي عدم ثقة واشنطن بقدرة جيش الاحتلال الصهيوني، [ لذا فالدخول سيكون اختبارياً لا اجتياحياً]، من جهة، وخشيتها على تزلزل أوضاع عملائها “العرب”، من جهة ثانية، وترجيحها دخول حزب الله على خط المواجهة بالمليان، من جهة ثالثة ..
فما العمل في الحالة الأخيرة؟.. من أرسله الى قطاع غزة سيتوقعه أن يقاتل على الجبهتين بكل ما ملك من قوة، سوى النووي.. مع الأخذ بعين الاعتبار استبعاد أن يتولى الطيران الحربي الأميركي قصف لبنان أو أن قوات برمائية أميركية ستكلّف بمهامّ فيه.
لذلك يبدو أن ارتفاع الثمن الانساني في قطاع غزة، من جهة، والدخول البري في القطاع، من جهة ثانية، دافعان لدخول حزب الله في الحرب [ وبتناسب مع إيقاع الدخول البري للقطاع ].. لكن المكان الذي يجب الانتباه اليه هو …… سوريا!
محمد دلبح