لوبوان تي ان :
إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم أمس، الخميس عن صفقة “علاقات دبلوماسية كاملة” بين الكيان الصهيوني ودولة الإمارات العربية المتحدة، ربما يكون مفاجئا فقط لسرعة اتخاذ حكام الإمارات قرار التطبيع وتوقيته بإظهار شراكتهم مع كيان العدو إلى العلن، ولكن هذا الأمر لم يكن مفاجئا لمن راقب وتابع التطور في العلاقات والاتصالات بين حكام دول الخليج العربية ومن بيهم حكام الإمارات والكيان ان الصهيوني. قد رأينا وفودا وقادة ومسؤولين ورياضيين وسيّاحا إسرائيليين يزورون معظم دول الخليج العربية علانية منذ عام 1991، بما في ذلك قطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، والمملكة العربية السعودية سرا، ناهيك عن فتح مكاتب اتصال أو مكاتب تجارية للكيان الصهيوني في هذه البلدان. أي أن ما كان علاقات سرية مضى عليها 27 عاما منذ توقيع اتفاق أوسلو قد أصبحت الآن رسمية لتشمل التعاون الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي الذي سعى الكيان الصهيوني إلى تحقيقه بدعوى أن ذلك يحقق مصلحة تلك الدول في مواجهة إيران.
التبرير الذي قدمه حكام الإمارات لصفقة العار الجديدة هو سعيهم لوقف قرار ضم الكيان الصهيوني أجزاء من الضفة الغربية ممثلة بالكتل الاستيطانية الكبرى ومنطقة الأغوار، وهو الأمر الذي نفاه بنيامين نتنياهو، قائلا إنه “ملتزم بتطبيق القانون الإسرائيلي في الضفة الغربية، وأنا من طلب من ترامب أن يدخل السيادة في رؤية السلام (صفقة القرن)، وأنا ملتزم بها، ولم أتخلّ عنها، ولا يوجد تغيير في خطتي لتحقيق السيادة بالتنسيق مع الولايات المتحدة”. وأضاف: “لن ألغى الضم، وأنا ملتزم بفرض السيادة الإسرائيلية في التاريخ المحدد الذي ستعود فيه الخطة إلى جدول الأعمال”.
وقد أشاد ترامب بتعليق قرار الضم قائلا إنه “غير مطروح الآن” واصفا إياه بـ “التنازل الذكي من قبل إسرائيل”
الخطوة القادمة ربما تأتي في غضون ايام حيث ستجري الإمارات والكيان الصهيوني محادثات مباشرة بشأن سلسلة من الاتفاقيات التي نص عليها البيان – فتح سفارات ، والسماح برحلات جوية مباشرة وتعميق العلاقات التجارية. فيما يأمل ترامب في إقامة حفل توقيع في البيت الأبيض قريبًا ، بحضور نتنياهو ومحمد بن زايد، الحاكم الفعلي للإمارات. الأمر الذي سوف يستغله ترامب، الذي تتهاوى أسهمه الانتخابية في استطلاعات الراي لتعزيز حظوظه الانتخابية بالإدعاء أنه انتصار دبلوماسي نادر. وقد سبق خطوة الإمارات إقدام رئيس المجلس العسكري الحاكم في السودان عبد الفتاح البرهان بلقائه مع نتنياهو في أوغندا، فيما بات دخول البحرين إلى حلبة التطبيع مسألة وقت، ووقت قصير جداً، وقد نشهد تسارعاً في حركة التطبيع خليجياً وعربياً في سياق «خطة طوارئ» إنقاذية ترفع من الرصيد الانتخابي للرئيس ترامب.
صحيفة “إسرائيل اليوم”، ذكرت في تقرير لها اليوم أن صفقة العلاقات والتطبيع الكامل بين الإمارات والكيان الصهيوني ” جاءت بعد سنوات من الجهود السرية التي قادتها المؤسسة الإسرائيلية، وكان هناك خط طويل من خطوات بناء الثقة بين الطرفين”. وكشفت أن نتنياهو، المتهم بالفساد، “زار في العامين الماضيين على الأقل الإمارات مرتين، كجزء من الاتصالات (السرية) لصياغة الاتفاق”، موضحا أن “الزيارات استغرقت عدة ساعات، وكان يرافقه رئيس مجلس الأمن القومي ومستشاره للأمن القومي، مئير بن شبات”. ولفتت الصحيفة إلى أن “نتنياهو اتصل برئيس “الموساد” يوسي كوهين، وشكره على دوره في صياغة الخطوة مع الإمارات.
صفقة التطبيع الإمارات مع الكيان الصهيوني لاقت عربيا، دعما من بلدان خليجية ومن مصر وفلسطينيا لاقت رفضا وإدانة لكنها غير فاعلة نظرا لأن سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية هي من سهل لأنظمة التبعية العربية السير نحو إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني، إذا أن الهرولة العربية نحو الكيان الصهيوني بدأت تشهد تسارعا عقب توقيع اتفاق اوسلو عام 1993 بفتح مكاتب الاتصال الرسمية بين كل من المغرب وتونس وسلطنة عمان وقطر فيما أعلن رئيس سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية قبل سنوات إنه سيجلب 56 دولة عربية واسلامية اعضاء في منظمة التعاون الاسلامي المؤتمر الاسلامي سابقا لاقامة علاقات مع الكيان الصهيوني اذا ما وافق الكيان على اقامة دولة فلسطينية. وكان رد نتنياهو تلك الدول ستقيم العلاقات معنا دون ان يكون لكم دولة.
في هذا السياق يقول الباحث والأكاديمي جوزيف مسعد إن علاقات الأنظمة العربية بالكيان الصهيوني، سواء أكانت عدائية أم ودية، لم تخضع أبدا لمصالح الشعب الفلسطيني، بل لمصالح الأنظمة الحاكمة، والتي غالبا ما يساء تعريفها على أنها مصالح “وطنية”. فتزامن الفترة الأخيرة من تاريخ علاقات الأنظمة العربية الودية مع إلكيان الصهيوني منذ عام 1991 مع مؤتمر مدريد للسلام واتفاقيات أوسلو من بعده، التي حولت القيادة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية إلى عملاء للاحتلال العسكري الإسرائيلي، هو شاهد على نجاح الجهود الإسرائيلية المستمرة المبذولة لاحتواء النخب السياسية والتجارية والفكرية العربية. وذلك شاهد أيضا على مدى قابلية هذه النخب للاحتواء.
واشنطن-محمد دلبح