هل وجب مراجعة مجلة الأحوال الشخصية؟

بقلم أنيس الصمعي
إن صورة النظام القديم على خلفية أن المرأة ضحية مستمرة دائمة لم تعد مطابقة للواقع… إن المرأة اليوم في حالة جيدة مجتمعيا وهي حرة تماما في اختياراتها… حرة في دراستها، في العمل، في الزواج و في الطلاق، في الحصول على الملكية الــخاصة، في قيادة السيارة، في الشراء، في البيع، في السفر، وتتحصل على نفس الراتب الذي يتحصل عليه زوجها و بأكثر أيام عطلة … فلمــا يتعنّت القضاء التونسي و السلطة التشريعية و المجتمع المدني إضافة إلى الاعلام على الرجل ؟ ألم يكن من الأجدر اتخاذ الأمر عند الحاجة حالة بحالة (شن يعرف متى يلاقي طبقه، ألبس لكل حالة لبوسها *) عوض تمشيط الرجال ” عن بكرة أبيهم” و بالجملة على أنهم مسوخ شيطانيون و النساء على أنهن ملاك ضحايا ؟ نحن بحاجة اليوم إلى تطور المجتمع عما كان عليه عند الاستقلال، لا الارتداد به و جعله بدائيا -لكن ضد الرجال هذه المرّة- و الوقوف على ما يقع للرجل في أروقة المحاكم و التوقف عن اضطهاد الرجال و إيقاف هذه الصورة التي تجعل المرأة مظلومة و مثيرة للشفقة و الرجل مجرم وعفريت فرعوني دون توبة و دون هوادة… ويجب أيضا أن تتغير صورة هذه المجلة و هذه القوانين التي وقع سنها سنة 1956 … حين كان الزعيم المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة يتحدث في محاضراته بمعهد الصحافة و علوم الأخبار (خريف 1973) عن معاناة النساء و بالأخص والدته فطّومة خفشّة من سحق ما رآه عن معاناة النساء… و لكننا في 2025 حيث لم تعد النساء تتحمّل نفس العبء و لا المعاناة و لا العذاب فما الذي يجعل مجلّة عمرها يناهز الـــ 70 سنة جامدة في أروقة المحاكم و ما الذي يجعل القضاء يتعنّت على تطبيق قوانين لا تمت إلى واقعنا بصلة ؟ حينما لم تعد النساء لا خجولات ولا بسيطات و لا عاجزات و لا عاطلات و لا أميات؟ و على عكس ما نراه من ذلك هو ما يقع في نفس أروقة المحاكم اليوم من التنكيل بالرجال وشيطنتهم… و ما لا يأتي من السلطة التشريعية يمكن أن يأتي من السلطة التقديرية للقضاء باجتهاد والفقه و السابقة إلى أن تتعقبه و تلاحقه السلطة التشريعية، و القضاة يدركون ذلك جيدا… و لكن القضاء يريد و يبحث من ناحية على التكافئ بين الرجل و المرأة و لكن التطبيق لا يكون إلا على حقوق المرأة دون حقوق الرجل دون مراعاة تغيرات الزمن و الـظرف و الحالة. و كلاهما (التشريعية و القضائية) يرمي الكرة إلى الآخر نظرا لأن الموضوع شائك و محفوف بالمخاطر… هذا دون الحديث أن الرجال في تونس و في كل العالم لم ينجحوا، من ناحيتهم، على تشخيص الخطر و أن يكوّنوا حلقات دفاع من الخطر الداهم القادم نحوهم من حقوق تتقهقر يوما بعد يوم…
حتى الزعيم بورقيبة لم يتعرف على الجانب المظلم إلا يوم وجد أجهزة التنصت و التسجيل مخفية بمـكتبه، يومها فهم أن “فطومة خفشّة” لسنة 1863 ليست و لن تكون وسيلة عمار لسنة 1986 وخاصة أيضا أن وسيلة ليست و لا يمكن أن تكون ولن تكون ماتيلد. يومها فهم الزعيم أن كل الناس يمكن أن يكونوا مخطئين و ضارين و ماكرين و كاذبين و أن ذلك ليس فقط حكرا على الرجال بل النساء أيضا مما جعله يطلب الطلاق “للضرر الشخصي و الضرر ضد أمن الدولة و ضد فصول الدستور التونسي” و هي سابقة خطيرة لرئيس فسر لشعبه طيلة أربعة عقود خلت أن المرأة ملاك مظلوم لا يمكن له بأي حال من الأحوال أن يحدث الضرر و انتهى الأمر بالماجدة أن صرّحت في حوار صحفي يوما بالمجلة السياسية “إفريقيا الفتية” أنها لم تكن أبدا موافقة على الزواج برئيس الجمهورية … و لا ندري عن ماذا صادق الطيب المهيري (رئيس بلدية المرسى و وزير الداخلية في ذات الآن) في عقد الزواج هذا وقتهــا..
إن موضوع التكافئ و المساواة بين المرأة و الرجل اليوم ليس إلا قضية مختلقة و ملفقة من ألفها إلى يائها حيث كان الرئيس بورقيبة حسم فيها مثله مثل رفقاءه من رجال بررة على غرار أحمد المستيري و الطاهر الحداد*** و الفاضل بن عاشور و والده الطاهر بن عاشور و عبد العزيز جعيط إضافة إلى الدعم الثابت لكل من أبي القاسم الشابي*** و البشير بن يحمد لهذا المشروع الفتي وقتها .. و أخذت المرأة حقوقها وانتهى الموضوع بل و أكثر من ذلك حيث لم يعد مثيرا للاهتمام بل ثقيلا و غير مجدي قانونيا فعن ماذا نحن لا نتحدث اليوم؟ لم نتحدث أنه بداية من حكم زين العابدين بن علي وزوجته وقع استدراج قضية المساواة و تكافئ الفرص بين الرجل و المرأة لتأخذ أبعادا حزبية و انتخابية إضافة إلى أبعاد تلميع الصورة على المستوى الدولي ثم جاء دور المنظمات الحقوقية و الجمعيات “النيو فيمنستية” و أصبحنا هنا نحلّق في ارتفاعات شاهقة حيث لم يعد الهدف الأصلي للجمعيات “النيو فيمنستية” طرح التكافئ والمساواة بل مسح و تجاوز الرجل بكل الطرق الممكنة (و سنتحدث عنها فيما بعد) ابتداء من القضاء وصولا إلى الصحافة و مرورا بالتلفزة و الراديو و المسلسلات الرمضانية و الهزلية و المواطن العادي يبتسم و يضحك عندما يهرب “السبوعي” من زوجته لأنه يتفادى بطشها وغطرستها و نرجسيتها وعندما تقول الزوجة لزوجها بدون أي حياء “أنت لست برجل” و غيرها من الشتائم و رفع الصوت والصراخ و نوبات هستيريا الغضب و العربدة والتهديد و الوعيد..الخ التي أصبحت متداولة و عادية في مجتمعنا اليوم في حين أنه لو قلبنا الأدوار وقال رجل لامرأة في برنامج تلفزي أو إذاعي أنها عاهرة أو عنّفها أو رفع الصوت لقامت الأرض و لم تقعد.. و كلها استراتيجيات تعطى أكلها يوما بعد يوم لتعويد الناس في اللاوعي الشعبي خاصة مع غيبوبة القضاء… و الهدف منها التطبيع الشعبي في إضعاف الرجل والاستخفاف به و تركيعه و تخويفه من المحكمة و جعله رخوا ناعما كالطفل و كالصلصال يخضع إلى الـتعليمات و الأوامر، تحت رقبته سيف داموكلاس يسقط عليه عن طريق المحاكم عندما لا يلتزم.. وحرب ضروس صامتة لا تعلن عن نفسها (خاصة عديمة الفائدة) بين الرجال و النساء، فالزواج ليس للمرأة أو للرجل المتمرد، ولا للناس الجدليين أو المدمّرين، أو الملحميين بل للناس البنائين و المحكمة ساحة وغى، تضرمها نار مؤججة بركانية كالجحيم من فكرة المرأة الضحية المسكينة المثيرة للشفقة (منذ الاستقلال) و عدم تحيين مجلة متساقطة و غير متكافئة عفا عليها الزمن و شبعت موتا و التمسك باستماتة بالوضع الراهن.. فالرجال لا يتزوجون من أجل تقلبات عاطفية، أو جدالات فكرية، أو نقاشات في غرف الحرب. فالرجال يتزوجون من أجل السلام ولكن القضاء يرفض رؤية ذلك رغم معرفته الدفينة به. و يرى الرجال أنهم رجال كما يقررون هم حسب العرف و الفطرة السليمة، و ليس كما تقرر لهم النساء، وإن كانت الرجولة عندهن هي أن يهتم الزوج بمشاكل صغيرة و هرائية تافهة لزوجة مالّة و مملّة، لا تجد كيف تملأ فراغها، و أن يهتم بها فوريا حالما يرجع من العمل وهي دائما مثيرة للشفقة إلىى أن يذيق الزوج ذرعا و يهرب إلى المقهى أو الحانة و غيرهم إلى أن تفسد الحياة الزوجية و تتعطل العلاقة الحميمة و يهيم كل من الطرفين نحو ملكوت الله إلى ما لا يحمد عقباه، فإن الرجال لا يرون الرجولة هكذا و لا يريدون أن يكونوا رجالا على هذا النحو، فالخالق سبحانه لم يصنع الرجال ليجدوا حلا يوميا لمشاكل النساء، كل يوم و بمشكل جديد… ولكن وقعت برمجتهن منذ الطفولة أن الرجل جعل لحل المشاكل و ضخ الأموال و الحال أن مجلة الأحوال و التي رأت النور في الأول بصدق و حسن نية و أهداف سامية وهي المساواة و دعم نصف المجتمع و إخراجه من الفقر و البطالة و المهانة و كذلك لدعم الاقتصاد و المشاركة في النمو و لكنها تحوّلت – بدون ضوابط و بدون صمام أمان – إلى قنبلة موقوتة ضد الرجال.. قنبلة أوصلت نسبة الطلاق حد كتابة هذا إلى 49 % وهي فعلا نسبة سريالية مجنونة… وقنبلة تعطي الجنسين نفس الحقوق و لكن لا تعطيهم نفس الواجبات. و حيث أنه من المخلفات السلبية لقانون بورقيبة و المستيري أنه لم يقع تخيل أو تصور صمام أمان في حال استعمال مجلة الأحوال ضد أهدافها الطبيعية المناطة إليها أصليا أو في حال التلاعب القانوني بها بل و أكثر من ذلك فقد أبعد المجلة عن إمكانيات عقوبات التلاعب و أرسلها لعقوبات القانون العام و لم يرى القضاة كالعادة التلاعب غير المتجانس و غريب الأطوار…. و العدالة كالعادة تطبق و تطبق بدون احتراز…. من ناحية أخرى، إذا كان الحق الوحيد الذي ينقص النساء اليوم هو حق المساواة في الميراث فإن الرجال مستعدون للتخلي عنه إن أخذو حقوقهم كاملة فيما يخص رعاية و تربية و مسؤولية الأطفال في حالة الزواج و في حالة الطلاق أيضا ( وليس أن يقف قاضي متفاجئ أمام الأب من رغبته في تحمل مسؤولية طفله و كأن الرجال معاقون أو أن تربية الأطفال حكر رباني على النساء) و هو نفس الحال بالنسبة إلى إهمال الزوجة لمنزل الزوجية بعد قانون 1993 و الذي حذف ضمنيا واجب العيش بمنزل الزوجية والهروب بالأطفال و إعطاء الرجل 4 ساعات لرؤية طفله في أسبوع يحتوي على 168 ساعة و التشدق بعدها بالعدل و المساواة.. و كذلك المساواة في تحمّل العبئ العائلي و عبئ السكن إن كانت الزوجة تعمل و يمكننا هنا و عندها أن نتحدث فعلا عن سيادة و دولة القانون “و لا مساواة صورية” بجعل كل المواطنين سواسية مهما كان جنسهم و ليس اللعب على الجانبين المتوازيين من السياج في آن واحد حسب المصلحة و أن ترفض المحاكم القيام بدور الجسر للبعض مع إقصاء البعض الآخر و خاصة بعض الزوجات الحاسدات الحاقدات و المنتقمات و القطع مع سياسة المكيالين و الزوجات الاتي تغوّلن على المحاكم فنأخذ من الحقوق ما يسعنا و ما يشبعنا و نتقيأ من الواجبات ما لا يسعنا و ما يزعجنا تماما. ومن الممكن أن يكون الأوان قد آن لتفهم السلطات و خاصة التشريعية و القضائية أنهم يستوفون شرعيتهم من المواطن و ليس العكس و لا يمكن مواصلة تغييب و تجاهل رأي و مصلحة نصف الشعب فالرجال تطوروا أيضا و يرون أنهم لم يوجدوا لحل المشاكل و للإنفاق فقط في حين تضع المرأة معاشها في الادخار لها وحدها… طلبنا المساواة، فلنجعلها واقعية و ملموسة..أما مفهوم النفقة في حد ذاته هو تمييز جنسي، حيث لم يتخيل المشرع في 1956 أن هذا القانون سيكون رأس حربة في غايات ضارة ذات أبعاد مساومة، جعلت منه بعض النساء فرصة للتمتع براتب شهري ثابت وهو موضوع مدني يعاقب عليه جزائيا, و إذا كانت المرأة تريد راتبا فما عليها إلا العمل و ربح قوتها بعرق جبينها و العيش بكرامة وليس عالة على الآخرين… و نعتقد فعلا أن القوانين لها دور مثلها مثل القضاة و هو الدفاع عن العدالة وليس الدفاع عن قسط من المجتمع.. واحتقار قسط آخر.. و تدمير و كسر جزء من المواطنين للحصول على رضاء و “خاصة الرضاء الانتخابي” لجزء آخر و إلا فحذاري…فالمرأة إنسان مثل كائن الناس و هو ما نريد فعلا تحقيقه لا أكثر حقوقا ولا أقل واجبات مثلما تتمنى بعض اللوبيات الحريصة إيهامه للتونسيين. و لم يكن أبدا الزعيم بورقيبة مسؤولا عن هذا بل السلطة التشريعية و القضائية اللذان حرّفا تصاعديا الروح الأصلية لتوجهات دولة الاستقلال و جعلا الرجل في المحاكم مدانا إلى أن تثبت براءته بل و حتى ذليلا. كما أنها ستكون فرصة تاريخية للقضاء و السلطة التشريعية أن يكونوا منصفين و يحددوا موقفهم نهائيا و بدون تهرّب عن ما يسمى “قوام الرجال على النساء” وهو امتحان سيكون عسيرا فإما أن يختاروا أن “يكون الرجال قوامون على النساء” و إما لا مع كل ما سيترتب في الأمر من تحمّل المسؤولية التاريخية و ليس أن يكونوا قوامين في بعض المواضيع و أن لا يكونوا قوامون في بعض المواضيع الأخرى حسب المصلحة و سياسة المكيالين… و تلك من خصائص القوانين التونسية التي لا نجد إليها حلا قطعيا بعيدا عن التملّص و التجاهل و “تعويم” الموضوع. ثم لما لا يتحدث القانون عن الرجال المضروبين والمعنّفين رغم أن القضاة و الشرطيون العدليون يعرفون الموضوع جيدا و لما يوجد في مناطق الأمن العمومي وحدات للعنف ضد المرأة و ليس ضد الرجل مع أن القضاة و رجال الأمن (و ليس المواطنين العاديين) يعرفون جيدا أن هنالك رجال معنفون ؟ فالعنف هو العنف فما الذي يغيره بين المرأة و الرجل؟ و عدّة أسئلة بدون أجوبة منذ سنة 1956… بعد أن تعذبت المرأة منذ 1956 و ما قبلها إلى 2000 سيتعذب الرجل من سنة 2000 إلى ما بعدها و هذا لا يمكن أن يتواصل و أن يكون عدالة بل قصاص حين تتحول قاعات الجلسات إلى مسرح يذهب إليه الناس من سواد الشعب ليضحكوا عن الأحكام من زوجة ضربت مؤخرة جمجمة زوجها – على حين غرة- بقارورة زجاجية ثقيلة و هو يتفرج في جهاز التلفاز – و هي محاولة اغتيال و ليس قتل، مع كل الفرق القانوني بين الاغتيال و القتل – و خرجت في الآخر بعدم سماع الدعوى، و قضية قتل زوجة لزوجها عن طريق “مسحاة” ثم التنكيل بجثته بعد موته و بأبشع الطرق (و لا داعي لذكرها هنا) (أكتوبر 2006، محكمة قرنبالية) الذي حاول فيها محامي الدفاع إعطاء منوبته شكل الضحية و فسّر للمحكمة أن منوّبته فعلت ذلك تحت ضغط الظلم و القسوة و تهيأ المحامي و تمادى إلى أن “تخمّر” و اقترب بخطورة إلى الهذيان، إلى أن ذاق رئيس الجلسة ذرعا فتدخّل ( رغم أن الرئيس لا يتدخل في المرافعة إلا عند القوة القاهرة و الضرورة القصوى) قائلا لمحامي الدفاع : “يا أستاذ هل من الواجب تذكيركم أنكم ترافعون عن الجلاّد و ليس عن الضحية؟” “لقد حولت الجلاد إلى ضحية والضحية إلى جلاد”… كما تحوّلتم إلى محامي شكوى و ليس محامي دفاع.
أما على المستوى الاجتماعي فإن مجلّة الأحوال الشخصية باءت بالفشل الذريع فيما يخص تعديل وتحيين النظرة المجتمعية لعلاقة الجنسين حيث أن النظرة الشعبية بين الرجال و النساء لم تتغير منذ ما قبل الاستقلال إلى اليوم حيث يرى الرجل التونسي المرأة على أنها وعاء جنسي مجعول للحمل وولادة الأطفال و أنها غنيمة حرب تصلح إلى لذته الشخصية.. و ترى المرأة الرجل على أنه مضخّة للأموال الغرض منه حل مشاكلها و تحقيق أقصى حد ممكن من المنافع الشخصية و ربما تجاوزها.. و هذا كلّه بعيد كل البعد عن المساواة و التوازن و الشراكة و حسن المعاملة و بهجة الحياة بين الزوجين و هذه الفجوة بين القانوني و الاجتماعي، بين كلام الواقع و كلام المؤتمرات، هي أصل الداء في الحرب الصامتة بين الجنسين.. حرب صامتة صنعتها مجلة الأحوال و خلقت أكثر تناقضات و نزاعات مما أصلحت في حين أن كل ما تطلبه العائلة التونسية هو العيش بسلام و ما تطلبه المرأة هو زوج حنون واعي منصف وغير عنيف و كل ما يطلبه الرجل هو زوجة حسنة الأخلاق و المعشر عادلة و حنونة يأخذها جوهرة من منزل والدها و ليس رجلا مثله يعيش معه ليتحدّاه و لكننا من الظاهر أننا في تونس تهنا بين حقيقة الواقع و أوهام المحاكم، بين الأصالة و الحداثة، بين التطوعي و القصري، تهنا عن حسن المعشر و الحياة الطيبة و قايضناه بأوهام قوة الشخصية و إثبات الوجود و نسينا جوهر الموضوع و نظرنا إلى القشور و الرجل مخطأ دائما منذ يوم ميلاده، لأن “آدم أكل التفاحة…” في يوم خاطئ.. لم نفهم و لن نفهم ذلك أبدا ربما لأن تغيير القانون لم يوازيه تغيير في العقلية و فشل الاثنان في مهامهم لأن القانون استبسل على الرجل في حين استبسل المجتمع على المرأة و لم يستطيعوا سويا ( القانون و المجتمع) تحقيق توازن بينهما يؤمّن الأسرة و يبعدها عن هذه الانزلاقات… ربما أيضا لأن الزعيم بورقيبة عندما أمر بهذه المجلة لم يكن يتصوّر يوما أن الأحوال ستصل إلى هذا الانحطاط و أنه سيتم استعمال المحكمة كجسر للانتصار وكحصان طروادة للانتقام و التنمر لما كانت تعانيه أمهاتهم وجداتهم قبل الاستقلال … ثم أخيرا خلقنا منذ بعض السنوات أسطورة “حرائر تونس”.. ماذا تعني حرائر تونس؟ هل هن كانوا نساء رقا خرجن من العبودية مثلما خرج سجناء أسطورة أهل الكهف لأفلاطون؟ هل هن نفس النساء اللاتي يذهبن إلى أبي القاسم في منزله؟ هل هن النساء الهستيريات الاتي يرفعن الصوت و يصرخن و يشتمن و يقلن الكلام البذيء في الطريق العام تحت عنوان الديمقراطية و الحرية و الشرطي ينظر و لا يستطيع رد الفعل؟ ومن ينسي قضية أبو القاسم الرجل العاهر تذهب إليه النساء بقوة إرادتهن فيعطونه المال و أنواعا جليلة من الطعام و ظهرت النساء بعدها ضحايا في حين أن القانون حاسم في مسألة الدعارة و البغاء السري، رجالا و نساء، من فعل ومن شارك و من حرض و من خطط و من موّل و من تستّر، و لكن المرأة ظهرت هي الضحية.. كالعادة و من تحصيل الحاصل و بطبيعة الحال.. دون الحديث عن تهمة الزنا ضد أزواجهن وهي قضية ثانية و عقوبة ثانية. و لكن أبو القاسم هو دائما المذنب الوحيد دائما و أبدا (وهو فعلا مذنب و لكنه لم يكن الوحيد فقد وجد من يحرضه على المواصلة) و هو من زنا عديد المرات عن زوجه ثم جاء دور النيو فيمنستيين و تم إقحام الإعلام في الموضوع الذي استبسل قسوة على الرجال و وأرسلهم “بريدا عاجلا مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ” إلى المحرقة .. “و لكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ” **** … و من ينسى سنة 2015 تلك المرأة التي تضرب و تخنق معتمد منطقة ؟؟
لو كان الزعيم لا يزال موجودا لعدّل المجلة حسب متطلبات الزمن و التغييرات المجتمعية دائما في إطار المساواة تحت لحاف امرأة عصرية، متعلّمة و مثقفة، مسؤولة و متساوية مع نفسها…امرأة ذات هيبة وقيمة، محترمة و مؤهلة دون أن تقع في فخ التعالي و التكبر، ونشطة تشارك في النمو الاقتصادي والتطور، تحظى بالاحترام دون الوقوع في الابتذال و العدائية و التنمر لتفرض شخصيتها، بعيدة كل البعد عن الأنوثة الذكورية… كما لا ننسى من هذا المنبر أن نتحدث عن عيد المرأة لأنه أصبح مجتمعيا عيدا يضر المرأة أكثر مما ينفعها، إن عنى شيئا فهو يعني شيئا من اثنين : إما أنها أدنى من الرجل و تحتاج إلى عيد خاص ليلمّع صورتها و هذا ليس في مصلحتها، و إما أنها أرقى من الرجل و ذلك أيضا ليس من مصلحتها لأن الرجال التونسيين يكرهون هذا العيد و يعتبرونه عيدا مبتذلا و استفزازيا و في كلا الحالتين فإن هذا العيد بعيد كل البعد عن المساواة و التساوي بين الجنسين. كما لا ننسى تاريخ هذا العيد عندما وضع لأسباب سياسية و انتخابية و لتلميع صورة السياسة الخارجية.. عاجلا أم آجلا، يجب مراجعة مجلة الأحوال الشخصية بعد حوالي 70 سنة واحترام التوجه الذي اخترناه و صنعناه بأيدينا لدعم العدالة و المساواة بين الجميع و إيقاف هذه الحرب الصامتة، رجالا و نساء.
____________________________
* الطيب صالح، موسم الهجرة إلى الشمال // ** ضربنا مثال فطّومة خفشة والدة الرئيس بورقيبة للوقوف على فروق العقليات المجتمعية حسب الأجيال ( ملحوظة للمحرر) // *** الطاهر الحداد و أبو القاسم الشابي شاركو في أفكار تحرير المرأة لكنهم لم يشاركوا في صياغة نص مجلة الأحوال الشخصية // **** البقرة – آية 179