أحداثوطنية

ناظور 233 .. من هنا بدأت معركة الجلاء

لوبوان تي ان :

لقد دأب الإعلام بكل أصنافه منذ زمن بعيد على تذكيرنا كل سنة بحيثيات جلاء الاحتلال الفرنسي عن بلادنا بالخروج من قاعدة بنزرت نهائيا في 15 أكتوبر 1963.. إلا أن ذاكرة التونسيين، وخاصة الذين لم يعيشوا تك الفترة يعتقدون أن المعارك مع الجيش الفرنسي بعد الاستقلال، توقفت عند معركة بنزرت، ويتجاهل بعض المؤرخين والنخب السياسية معركة تحرريّة موازية بأقصى الجنوب التونسي، قادها المرحوم الرائد عبدالله عبعاب تحت إشراف العقيد الميساوي قائد الحامية بقابس.. وفي هذا الغرض فقد خصص الرائد عبعاب في كتابه “شهادة للتاريخ” الصادر سنة 2010 جزءا هاما من شهادته لمعركة من معارك الجلاء قادها بنفسه ميدانيا، انها معركة “ناظور233 ” أو Fort Saint.. التي لا تقل أهمية عن معركة بنزرت.. دارت هذه المعركة من 19 إلى 22 جويلية 1961.

● برج الخضراء

يقع “ناظور 233 “على بُعد 2 كم جنوب برج الخضراء. هذا الأخير الذي كان يُسمى في عهد الاستعمار الفرنسي ب ” فور سان” Fort Saint نسبة للوسيان سان (Lucien SAINT) المقيم العام بتونس1921- 1929.. فبرج الخضراء هي قرية صغيرة وسط واحة جميلة تحيط بالمركز العسكري وببضع مساكن معدة لعائلات العسكريين.. يوجد فيها مستوصف ومدرسة لأبناء المتساكنين من عائلات العسكريين وكذلك بضع من العائلات المدنية الذين وطنتهم الدولة هناك قصد تعمير هذا الجزء الهام من التراب الوطني مقابل منحة شهرية.. هذا فضلا عما يكتسبونه من خدمة الأرض. وتمتاز منطقة برج الخضراء بغزارة المياه الجوفية.

● تعتيم أم تغافل عن معركة الناظور 233؟

لم يُخف المرحوم الرائد عبد الله عبعاب أسفه وحزنه العميق من التعتيم المقصود، على تفاصيل هذه المعركة التي بقيت مجهولة لدى عموم التونسيين وهو ما يراه تقصيرا لا مبرر له من قبل دولة الاستقلال. فرغم الإمكانيات المتواضعة، والحرارة الحارقة، خاض هؤلاء الإبطال من الجيش الوطني ومن متطوعين مدنيّين من أبناء الجهة ـ من بينهم معتمد رمادة آنذاك الذي ظل مرابطا معهم في الخطوط الأمامية كامل مدة القتال ـ معركة شرسة مع جيش الاحتلال الفرنسي، المتفوّق في العدد والعدة؛ ورغم ذلك استطاعوا دحره وإلحاق الهزيمة به وتكبيده خسائر مادية هامة بشهادة الصحافة الفرنسية نفسها حيث سقط منهم 60 قتيلا. أما عن الجانب التونسي فكانت الحصيلة استشهاد 16 مجاهدا بين عسكريين ومتطوعين، دَوَّنَهم المرحوم عبد الله عبعاب، قائد المعركة بأسمائهم في كتابه. كما لم يُخف المؤلف أيضا في هذا الصدد امتعاضه من تضارب بعض الأوامر من القيادة العامة أثناء المعركة، مما أحدث لديهم المرارة والحيرة وإثارة عدة تساؤلات(●● ) ويختم حديثه فيقول:” هذه خلاصة لما حدث في أقصى الجنوب التونسي خلال أيام 18.19.20.21.22 جويلية 1961.. لقد أردت أن أدونها ليطلع عليها شباب اليوم كي يعلم أن استقلال تونس وجلاء الجيش المحتل كان معمّدا بالدم. ولم تكن أيضا المقاومة المسلحة جملة اعتراضية في تاريخ الحركة الوطنيّة في بلادنا.. لقد حرصت جهد طاقتي على التجرد من الغرض والهوى والذاتيّة وأن أتوخى الصدق والدقة والأمانة في سرد الوقائع والله على ما أقول شهيد.”(شهادة للتاريخ ص 344).

● الربع المجهول

لقد بقي هذا الجزء من الوطن مجهولا قيمة وتاريخا لدى عامة التونسيين باستثناء النزر القليل.. فكثيرا ما نسمع من ” نخبنا” عبارة “تونس كاملة من بنزرت لبنقردان” وهم يتحدثون أو يحاضرون في وسائل الإعلام!! ربما ظنا منهم بان بنقردان هي آخر نقطة حدوديّة تنتهي معها الخريطة، وتتعامى أبصارهم وبصائرهم عن ربع البلاد “المَنسي” الذي يحتوي على نصيب الأسد من الناتج القومي الخام. فلا ندري إذا كان هذا الخلط والخطأ مردّه الضحالة المعلوماتية عند هؤلاء، أو هو عدم اكتراث وتجاهل لربع البلاد مساحة.. فإن كانوا لا يعلمون فتلك مصيبة.. وإن كانوا يعلمون فالمصيبة والفضيحة أعظم..

محمد علي العماري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى