أحداثالشرق الأوسط

مناظرة ترامب-هاريس:الرأسمالية الأميركية تحاور نفسها

 

لوبوان تي ان :

 

ما تزال المناظرة التي جرت بين مرشحي انتخابات الرئاسة الأميركية: الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطي كامالا هاريس التي جرت ليلة الثلاثاء الماضي في مدينة فلادلفيا بولاية بنسلفانيا تستأثر باهتمام وسائل الإعلام الأميركية التي انقسمت في تأييدها لكلا المرشحين لتعكس حالة الانقسام التي يشهدها المجتمع الأميركي الذي سيتوجه ناخبوه بعد أقل من ثمانية أسابيع إلى مراكز الاقتراع لاختيار الرئيس القادم للولايات المتحدة.

وقد عكست مناظرة ترامب -هاريس صورة لنظام سياسي يعاني من أزمة استثنائية. بين هذيان ترامب وشعارات التحريض على الحرب التي أطلقتها هاريس لتقدم صورة الوجه الحقيقي للرأسمالية الأميركية المتوحشة.

صحافيا شبكة التلفزيون الأميركي إي بي سي اللذان أدارا المناظرة حرصا بأسئلتهما تجنب مناقشة أي من القضايا الاجتماعية الملحة للمواطن الأميركي وخاصة الطبقة الوسطى والعاملة التي تشكل القاعدة الانتخابية لكلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري. فالأسئلة التي وجهت للمتناظرين طوال مدة المناظرة التي زادت عن تسعين دقيقة  لم تتضمن أسئلة حول الفقر في أميركا ومستوياته وأسبابه ونتائجه، أو عدم المساواة، أو مستويات البطالة وتناقص الوظائف ومستويات الأجور أو ما يعرف بالحد الأدنى للأجور الذي لا يتناسب مع الارتفاع الباهظ في أسعار السلع واحتياجات المواطن الأساسية وارتفاع ايجارات المنازل وأسعار العقار والفوائد العالية على قروض السكن، ولم تتناول الأسئلة أي إشارة إلى تقلص تمويل البرامج الاجتماعية والصحية ومواصلة انتشار فيروس الكورونا بتحولاته العديدة في أماكن العمل والمدارس.

وبدلا من النقاش حول كل هذه القضايا الاجتماعية والتنموية اتجه الاثنان للحديث حول السوق المالية والبورصة ليعتبر ترامب أن الارتفاع في سوق الأورارق المالية دليل على حسن إدارته وتوجهه الاقتصادي فيما اعتبرت هاريس أن بنك غولدمان ساكس الأهم في سلسلة البنوك الاستثمارية الأميركية مرشحها لدعم برنامجها الاقتصادي حيث تروج أقوال أن رئيسه التنفيذي الذي أعلن عن استقالته قد يتولى منصب وزير مالبة حكومة هاريس في حال فوزها.

وفي الوقت الذي بدت فيه هاريس بأدائها متمكنة من نفسها وهو ما أكدت عليه وسائل الإعلام واستطلاعات الرأي الأميركية بدا ترامب أحيانًا وكأنه فاقد للعقل تمامًا، حيث حاول استغلال الغضب والإحباط الكامن في البلاد وتوجيهه بعيدًا عن مصدره الحقيقي، النظام الرأسمالي والطبقة الحاكمة، نحو العمال المهاجرين. وقال ترامب “المهاجرون يتدفقون إلى بلدنا من السجون والمعتقلات، ومن المصحات العقلية والمستشفيات النفسية.”

وأضاف: “إنهم يأتون ويأخذون وظائف مشغولة حاليًا من قبل الأمريكيين من أصل أفريقي واللاتينيين وكذلك النقابات.

وأشار ترامب مرارًا وتكرارًا إلى الاستفزاز الفاشي الذي أطلقته حملته الأسبوع الماضي ضد العمال الهايتيين في مدينة سبرينغفيلد بولابة أوهايو، التي تفتقد للتصنيع، حيث أشاع أنصار ترامب المحليون شائعة كاذبة مفادها أن العمال الهايتيين يسرقون حيوانات أليفة للعائلات. وقال ترامب: “انظروا إلى ما يحدث في المدن في جميع أنحاء الولايات المتحدة. لا تذهبوا إلى سبرينغفيلد. في سبرينغفيلد، يأكلون الكلاب. هؤلاء الذين جاؤوا يأكلون القطط. يأكلون حيوانات الناس الأليفة الذين يعيشون هنا.”

ويمثل ترامب شكلاً معينًا من الفاشية الأميركية. ومهما كانت نتيجة الانتخابات، فإن ترامب والجمهوريين سيحصلون على حوالي 70 مليون صوت، وسيسيطرون على أجزاء كبيرة من البلاد، ومن المحتمل أن يتحكموا في العديد من حكومات الولايات وربما أحد مجلسي الكونغرس أو كلاهما. ويذكر أن الحزبين الديمقراطي والجمهوري يتناصفان أصوات الناخبين الأميركيين بواقع 40 في المئة لكل منهما فيما الصراع على العشرين بالمئة والتي تتمثل في الولايات الستة المتأرجحة التي يمثل الاستحواذ على القسم الأكبر من أصواتها عملية الحسم لصالح المرشح الرئاسي.

ويرى خبراء ومحللون أن تمكن ترامب من إدارة حملة انتخابية، ناهيك عن حصوله على دعم كبير، هو دليل على الإفلاس السياسي الكامل للحزب الديمقراطي، الذي يعادي أي محاولة للتواصل مع التطلعات الاجتماعية لجماهير الشعب ويخضع كل شيء لأهداف الحرب التي تسعى إليها دولة الأمن القومي الأميركية. هذه ليست مجرد استراتيجية خاطئة، بل هي تعبير عن الطابع الطبقي للحزب الديمقراطي، الذي يمثل البنوك والشركات تمامًا كما يفعل ترامب والجمهوريون.

أداء هاريس في المناظرة، مثل حملتها بأكملها، كان موجهًا للجمهوريين، والجيش، وجهاز الأمن القومي. لم تكتفِ بتجنب أي محاولة للارتباط بالمعارضة الاجتماعية الواسعة ضد ترامب، بل ارتبطت بشكل نشط ببعض من أكثر السياسيين المكروهين في القرن الحادي والعشرين، حيث نالت في المناظرة “في الواقع،  تأييد من 200 جمهوري كانوا قد عملوا سابقًا مع الرئيس بوش، ميت رومني، وجون ماكين، بما في ذلك تأييد نائب الرئيس السابق ديك تشيني وعضوة الكونغرس ليز تشيني (أبنة ديك تشيني).”

بررت هاريس الإبادة الجماعية التي تنفذها قوات العدوان الصهيوني في غزة وهددت بشن حرب ضد إيران، قائلة: “الشيء الوحيد الذي سأؤكده لكم دائمًا، هو أنني سأمنح إسرائيل دائمًا القدرة على الدفاع عن نفسها، خاصة فيما يتعلق بإيران وأي تهديد تشكله إيران ووكلاؤها على إسرائيل.”

هاجمت هاريس ترامب من اليمين فيما يتعلق بالصين، مدعية أن إدارته “انتهت ببيع الرقائق الأميركية إلى الصين لمساعدتهم على تحسين وتحديث جيشهم”، وانتقدت ترامب لدعوته إلى التفاوض لإنهاء الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد روسيا في أوكرانيا.

في ختام ملاحظاتها، أعلنت هاريس: “أؤمن بما يمكننا تحقيقه معًا وهو الحفاظ على مكانة أميركا في العالم وضمان أن نحظى بالاحترام الذي نستحقه، بما في ذلك احترام جيشنا وضمان أن يكون لدينا أقوى قوة قتالية في العالم.”

التحريض الإمبريالي لهاريس قدم لترامب فرصة للقيام بنداء ديماغوجي للمعارضة المتزايدة للحرب الأميركية ضد روسيا قائلا: “ليس لدينا أي فكرة عما يجري”، مشيرًا إلى أن الخسائر البشرية على الجانبين أعلى بكثير مما يتم الإبلاغ عنه في وسائل الإعلام. وأضاف: “لدينا حروب في الشرق الأوسط. لدينا حروب بين روسيا وأوكرانيا. سننتهي بحرب عالمية ثالثة. وستكون حربًا لا مثيل لها بسبب الأسلحة النووية وقوة التسلح.”
ويرى معلقون أنه في حال تمكن ترامب، وهو سياسي إمبريالي شرس، من التظاهر بأنه مرشح “السلام”، يشير إلى ديناميكية خطيرة في النظام الثنائي الحزبي مع اقتراب الانتخابات.

كانت نفس الديناميكية واضحة عندما سأل مديرا المناظرة المرشحين عن ما أطلق عليه “محاولة الانقلاب في 6 يناير 2021.” حيث وصف ترامب دوره بأنه “وطني” وانتقل إلى مهاجمة هاريس بشأن الهجرة قائلاً: “أسألكم هذا. تتحدثين عن الكابيتول (مبنى الكونغرس الأميركي). لماذا نسمح لهؤلاء الملايين من الناس بالمرور عبر الحدود الجنوبية؟” وردت هاريس بسلسلة من العبارات المبتذلة، مقدمة 6 يناير على أنه شيء من الماضي وليس تحذيرًا للمستقبل القريب في 2024: “لكل من يشاهد ويتذكر ما حدث في 6 يناير، أقول إننا لسنا مضطرين للعودة. لنعد إلى الأمام. نحن لا نعود إلى الوراء. لقد حان الوقت لطي الصفحة. وإذا كان ذلك نقطة فاصلة بالنسبة لك، حسنًا، هناك مكان في حملتنا من أجلك. للوقوف مع البلاد. للوقوف مع الديمقراطية. للوقوف مع سيادة القانون. وإنهاء الفوضى.”

في الواقع، كان يوم 6 يناير مرحلة في جهد مستمر ومتزايد للإطاحة بالدستور وإقامة ديكتاتورية. لقد تعهد ترامب بتجاهل نتائج أي انتخابات يخسرها، والجمهوريون في مجلس النواب يروجون لمشروع قانون يتطلب من جميع الناخبين إثبات جنسيتهم — وهو جهد من شأنه حرمان ملايين الناخبين ذوي الدخل المنخفض الذين لا يملكون جوازات سفر أو شهادات ميلاد بسهولة. على الرغم من أن مشروع القانون (المسمى SAVE Act)  لن يصبح على الأرجح قانونًا، فإن هدفه هو إتاحة الفرصة لترامب لادعاء أن فوز الديمقراطيين غير شرعي لأن ملايين المهاجرين غير الموثقين قد صوتوا. قبل ساعات من المناظرة، نشر ترامب على Truth Social: “الديمقراطيون يحاولون ‘حشو’ سجلات الناخبين بالأجانب غير الشرعيين. لا تدعوا ذلك يحدث — أوقفوه!!!”

ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الخامس من نوفمبر المقبل، تظهر استطلاعات الرأي أن السباق متقارب جدًا بين ترامب وهاريس اللذان يمثلان حروب أميركا والثورة الاجتماعية المضادة. سباق متقارب هو كل ما يحتاجه ترامب للمضي قدمًا بخطته الاحتياطية المتمثلة في إعلان أن الانتخابات مزورة وحشد أنصاره في المحاكم والشوارع لقلب النتائج.

 

واشنطن-محمد دلبح

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى