أحداث

ملعب المنزه… بين ذاكرة الرياضة وإرادة الإحياء

لوبوان- سفيان رجب

بعد أكثر من خمس سنوات على إغلاقه، يعود الملعب الأولمبي بالمنزه إلى صدارة الاهتمام الوطني، ليس فقط كمشروع وإعادة الترميم، بل كرمز لإرادة الدولة في استعادة أمجادها الرياضية وترميم ذاكرتها الجماعية. لقاء رئيس الجمهورية قيس سعيّد بوزير الشباب والرياضة الصادق المورالي أعاد الملف إلى واجهة النقاش، مؤكدا أن ما يحدث في المنزه يتجاوز حدود الأشغال إلى معاني السيادة والمحاسبة.

إشراف رئاسي مباشر على مشروع رمزي

خلال اللقاء الذي جمعه بوزير الشباب والرياضة أول أمس بقصر قرطاج، عبّر رئيس الجمهورية عن ارتياحه للاتفاق الموقّع مع الجانب الصيني بشأن إعادة تهيئة الملعب، مؤكدا أنّ “الملعب الأولمبي بالمنزه ليس مجرد منشأة رياضية، بل جزء من ذاكرة التونسيين“.

كما شدّد على ضرورة الحفاظ على الطابع الأصلي للملعب بما يمثّله من رمزية وطنية، قائلا:

ما حصل لهذا المعلم الرياضي هو إجرام في حقّ الدولة وفي حقّ الشعب التونسي. الإهمال الذي طال منشآتنا لا يمكن أن يمرّ دون محاسبة، ومن تسبّب في هذا الخراب سيتحمّل مسؤوليته كاملة.”

تصريحات الرئيس جاءت لتؤكد توجها واضحاً نحو تحمّل المسؤوليات وملاحقة شبكات الفساد والإهمال في قطاع المنشآت الرياضية، الذي ظلّ لعقود يعاني من سوء التصرف وغياب الرقابة.

مشروع يتقدّم وسط صعوبات

ورغم انطلاق الأشغال منذ أواخر 2023، فإنّ مشروع إعادة تأهيل ملعب المنزه واجه تحديات تقنية ومالية معقّدة. فقد بيّنت الدراسات الميدانية أن حالة البنية الخرسانية للمدارج والأساسات كانت أسوأ مما أظهرته التقارير الأولية، ما فرض مراجعة المخططات وزيادة الكلفة الجملية بنحو 30%.

كما تسببت الأزمة المالية العامة في تعطيل صرف بعض الاعتمادات وتأجيل مراحل التنفيذ، قبل أن تعاد وتيرة الأشغال تدريجيا خلال الأشهر الأخيرة بفضل تدخل رئاسة الجمهورية وإعادة هيكلة الإشراف الفني.

المنزه… ذاكرة وطنية ومسؤولية جماعية

الملعب الأولمبي بالمنزه ليس منشأة رياضية فحسب، بل ذاكرة وطنية عاش فيها التونسيون لحظات مجد لا تنسى، من تألق المنتخب الوطني إلى إنجازات الترجي والإفريقي. إضافة الى احتضانه لعديد التظاهرات الثقافية والفنية الهامة ابرزها حفل مايكل جاكسون الأسطوري يوم 7 أكتوبر 1996 لذلك شدّد قيس سعيّد خلال اللقاء على أن الإصلاح يجب أن يشمل كامل الحيّ الأولمبي وليس فقط المدارج، قائلا:“الحيّ الأولمبي بالمنزه منظومة كاملة يجب أن تُعاد إليها الحياة، لأن ما حدث فيها هو نتيجة غياب الدولة عن مؤسساتها.

نحو استعادة البريق المفقود

بحسب وزارة الشباب والرياضة، بلغت نسبة تقدم الأشغال إلى غاية أكتوبر 2025 نحو 60%، مع توقّع استكمالها في منتصف 2026. وتشمل الأشغال إعادة بناء المدارج والمنصة الشرفية وتدعيم الأساسات، فضلا عن تهيئة مضمار جديد وتجهيزات رقمية حديثة للإضاءة والمراقبة.

الإشراف المباشر لرئاسة الجمهورية على المشروع أعاد إليه الزخم بعد سنوات من الجمود، في وقت تعتبر فيه العاصمة في حاجة ماسة إلى ملعب جاهز لاستقبال كبرى المقابلات الوطنية والقارية.

البعد الرمزي والسياسي لتدخل رئاسة الجمهورية

لا يخفى أن تدخل رئيس الجمهورية في ملف رياضي يحمل بعدا سياسياً ورمزيا يتجاوز حدود الرياضة. فإحياء ملعب المنزه يندرج ضمن رؤية لإعادة حضور الدولة وهيبتها في فضاء عمومي أهمل طويلا، وضمن خطاب يربط بين رمزية المنشآت وقدرة الدولة على الإنجاز.

وقد لخّص سعيّد هذا المعنى في قوله:“الراية الوطنية يجب أن تُرفع في كل ميدان، في الملاعب كما في مواقع العمل، فالوطن لا يُبنى بالإهمال بل بالإرادة والعزم.

بهذا المعنى، يغدو مشروع إعادة تأهيل ملعب المنزه أكثر من ورشة هندسية؛ إنه اختبار لمدى قدرة الدولة على ترميم ما تهدّم، واستعادة ثقة المواطن في مؤسساتها. المنزه يعود إذاً، لا كملعب فقط، بل كرمزٍ لإرادة وطنية في الإحياء بعد الإهمال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى