أحداثالشرق الأوسط

مؤتمر الدوحة (الفلسطيني) وثوابت النضال الوطني : اللعب في الوقت الضائع وبث الأوهام

لوبوان تي ان:

أختتم يوم الأربعاء الماضي اجتماع شارك فيه ما يزيد عن 300 من الناشطين الفلسطينيين وتم عقده في الدوحة  تحت اسم “المؤتمر الوطني الفلسطيني” بإصدار بيان ختامي استجاب  أصحاب المؤتمر فيه إلى حملة التحريض والتشويه التي شنتها ضد المؤتمر سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية وحزبها حركة فتح وعدد من المؤسسات التابعة، اتسم ببيان تقليدي لا لون له ولا طعم ولا رائحة تضمن عبارات درجت مجموعات من الناشطين والمسيسيين والمثقفين الفلسطينيين على تدبيجها وتكرارها إلى جانب بعض الاضافات التي لها علاقة باللحظة الراهنة، فقد حافظ البيان بشكل عام على ذات الصياغة تقريباً التي اعتدنا على مطالعتها طوال العقود الماضية ووضع بعض البهارات من قبيل إعادة بناء منظمة التحرير وانتخاب مجلس وطني جديد.. ومثل الحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس ورفض التهجير ومشاريع التوطين والاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية المحتلة والوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام والتمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني والعمل على إعادة بنائها على أساس ديمقراطي ووطني.

سلطة الحكم الذاتي وحزبها ومؤسساتها شنوا حملة التشهير ضد المؤتمر وتوجيه تهديدات بحق المؤتمرين واتخذت إجراءات عقابية حيث فرضت السلطة عقوبات على المشاركين من حركة فتح ومنظمة التحرير، مثل تجميد العضوية أو الفصل، مع تهديدات بفصل أعضاء المجلس المركزي.

وتضمنت الإجراءات العقابية منع السفر وفرض عقوبات مثل سحب جوازات السفر وتحويل المشاركين لجهاز الأمن الوقائي. كما شنت حملة إعلامية واسعة استخدمت السلطة وسائل الإعلام لمهاجمة المؤتمر، محذرة مما سمتها محاولات تهميش منظمة التحرير وخلق بدائل غير شرعية، مما يعكس توسيع نطاق المعارضة .واستُخدمت الإذاعة الفلسطينية الرسمية لمهاجمة المؤتمر. وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أحمد مجدلاني، للإذاعة، السبت الماضي، “إن الدعوات المشبوهة التي تمسّ منظمة التحرير عبر خلق مؤتمرات ليست لها قيمة لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، خاصة مع سعي أطراف إقليمية ودولية إلى اختراع البدائل والأطر البديلة لمنظمة التحرير، وهو ما رفضه ويرفضه شعبنا”. ووصل الأمر إلى عقد اجتماع للقوى الوطنية والإسلامية في رام الله، الاثنين الماضي، والتي خلصت إلى أن “أي مؤتمر ينعقد تحت يافطات ما يسمى إصلاح منظمة التحرير يهدف إلى المساس بالمنظمة”، مؤكدة أن “هذه المحاولات ستفشل كما فشلت سابقاتها. ودعت إلى “التمسّك الحازم بوحدة الشعب الفلسطيني والمنظمة”.

حملة التشهير التي نظمتها السلطة وحزبها ومؤسساتها نجحت في تحقيق الغرض منها وهو دفع المؤتمرين والنافذين في المؤتمر إلى الاستجابة بإصدار بيان عموميات لا يحمل اي ادانة للسلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس وأجهزة أمنه التي تشارك قوات الاحتلال الصهيوني في ملاحقة المقاومين في الضفة الغربية، رغم ذكر رفض حكم ذاتي إلى جانب مشاريع تسوية وتصفية اخرى للقضية الفلسطينية. البيان الذي وصفته بالتقليدي شارك في إعداده خبراء في صياغة بيانات تعجب الجميع.

هذا الهجوم الذي شنته السلطة وحزبها ليس الأول من نوعه فقد سبق أن مارسته في يناير/كانون الثاني 2008 ضد مؤتمر الحفاظ على الثوابت وهو مؤتمر نظمه عزمي بشارة في دمشق  ووفر له التمويل ، غير أنه لم يشارك في المؤتمر، ثم هاجمت سلطة الحكم الذاتي وحزبها ومؤسساتها المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج الذي عقد في استبول في شباط/فبراير 2017 بنفس العبارات وانتهى المؤتمر بعد أن غادره العديد من مؤسيسيه إلى منصة تصدر بيانات المناسبات. وما يثير الانتباه أن الكثير من الذين شاركوا في المؤتمرين السابقين هم من المشاركين في مؤتمر الدوحة، وهم بذلك يمكن وصفهم بمدمني مؤتمرات. وفي 31 مايو/أيار 2021 عقب انتهاء معركة سيف القدس (21 مايو/أيار 2021) دعا بيان باسم «نداء الأكاديميين والمثقفين الفلسطينيين لنزع الشرعية عن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، إمّا الاستقالة أو الإقالة.” وانتهى مفعوله كفقاعة صابون. وفي شباط/فبراير 2022 شكلت مجموعة فلسطينية ما سمي الهيئة التاسيسية لجمع تواقيع لانتخاب المجلس الوطني الفلسطيني، وشنت هذه الهيئة حملة لجمع التواقيع وانتهت دونما نتائج.

لست في معرض التشكيك بوطنية الكثير ممن شاركوا في الدوحة. ولكن من تجربتي ومعرفتي وكتاباتي فإن منظمة التحرير الفلسطينية، وهي منتج عربي رسمي صممت لتسير في فلك النظام العربي الرسمي فيما يسعى المؤتمرون إلى تغيير مسارها. هل يمكن تحقيق ذلك؟ بالطبع لا، لأن هذه المؤتمرات والتحركات تسير على ارضية تحظى السلطة وحزبها المدعومة عربيا وإقليميا ودوليا بقصب السبق، لا يمكن التنافس عليها وهي اضاعة للجهد والقوة والوقت.

حماس وغيرها تريد الاستفادة من صفة التمثيل والقبول الاقليمي والدولي للمنظمة تماما كما كانت فتح قبل عام 1968 تسعى إلى السيطرة على المنظمة لهذا الغرض وانتهت بسبب هذا الغرض لتبني نهج التفريط والخيانة.

في ختام مؤتمر الدوحة حاول منظموه الإيحاء بأنهم يقدمون جديدا على ساحة العمل الوطني الفلسطيني وأن المؤتمر يستهدف الضغط لتشكيل قيادة وطنية فلسطينية موحّدة وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس وطنية وديمقراطية والتأكيد على حق الشعب الفلسطيني في النضال والمقاومة بكل الأشكال بما ينسجم مع أحكام القانون الدولي.

اصحاب هذا المؤتمر الذي شكل لجنة متابعة يهيمن عليها كوادر فتحاوية او ممن تركوا فتح تنظيميا لكنهم يحافظون على الخط العرفاتي، وعناصر منتمية او من انصار حماس وايضاً من دعاة حل الدولتين وحل الدولة الواحدة والنضال ضد الابارثايد (الفصل العنصري)، كانوا وراء اصدار بيان ختامي يؤكد ضمناً على الالتزام ببرنامج التسوية بما يتضمن الاقرار بحق كيان العدوان الصهيوني في الوجود.

طبقا للبيان الختامي الذي أكد على “حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير في دولته الديمقراطية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس” وهذه ذات التعابير التي درجت السلطة وحزبها منذ عهد ياسر عرفات على تكرارها، والتي قد يفسرها السذج بأنها تعني على كامل التراب الوطني الفلسطيني لكنها في الحقيقة غير ذلك.

كما أوصى المؤتمر بتشكيل لجنة اتصال للقاء محمود عباس وحسين الشيخ طبقا حيث جاء أن “لجنة اعادة بناء منطمة التحرير اوصت باللقاء مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس وأمانة سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية”

لماذا السعي إلى دخول المنظمة في وضعها الراهن؟

المشكلة في مثل هذه الطروحات انها تنطلق من الزعم ان منظمة التحرير هي من قاد النضال الوطني الفلسطيني لعقود خلت وهذا غير صحيح بالمطلق فالفصائل الفلسطينية المسلحة هي من قاد سابقا، ويقود حاليا النضال الوطني. وكانت المنظمة منذ تشكيلها بقرار من القمة العربية عام 1964 بمثابة هيئة سياسية للتعامل مع القرارات الدولية المعنية بالقضية الفلسطينية ولتصبح جزءاً من النظام العربي الرسمي الذي يلتزم بما يسمى الشرعية الدولية التي تضمن الاعتراف بكيان العدوان الصهيوني وحقه في الوجود. ومن يريد الدخول في المنظمة سيجد نفسه منساقاً إلى التفريط بالقضية الوطنية.

لقد عرضت موضوع التمثيل الفلسطيني بشكل مفصل في كتابي ستون عاماً من الخداع: حركة فتح من مشروع الزعيم إلى مشروع التصفية، وكيف سعت قيادة فتح إلى امتلاك التمثيل الفلسطيني لتنفيذ برنامجها الذي انتهى إلى اتفاق أوسلو، حيث ان وضعها عام 1965 كان شبيها بوضع حماس حالياً انها تمارس الكفاح المسلح ولكن دون ان تتولى رسميا قيادة العمل الوطني الفلسطيني فسعت إلى السيطرة على المنظمة بدعم من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وبذلك اصبحت منذ دورة المجلس الوطني الفلسطيني الرابعة في أواسط عام 1968 تحظى بتمثيل الشعب الفلسطيني الذي تكرس رسميا في الدورة الخامسة للمجلس الوطني في شباط 1969، حتى ان صراعها مع النظام الأردني على موضوع التمثيل الفلسطيني لم يكن بهدف التحرير بل كان من اجل التفاوض على مشروع تسوية القضية الفلسطينية سلميا.

البيان الختامي يؤكد على ضرورة ترتيب البيت الفلسطيني، دون أن يشير إلى من يعطل ذلك، وما المقصود بترتيب البيت الفلسطيني … استعادة حركة فتح /أوسلو لقيادته؟ البيت الفلسطيني رتبه طوفان الأقصى الذي احدث فرزاً واضحاً بين الوطني والعميل .. وانتهى الأمر …البيت الفلسطيني هو بيت المقاومة الوطنية المسلحة ضد كيان الاحتلال والعدوان وحلفائه…

ربما لا يعجب البعض القول ان مصطلح الحوار الوطني يقصد منه الحوار مع جواسيس أوسلو ودعاة حل الدولتين والدولة الواحدة الذين شارك بعض دعاتهم في المؤتمر.. هذا لعب في الوقت الضائع.

من أدار المؤتمر هم “عقل” خليط وطني تحرري مع خط مساوم.. بل ان احد مؤسسي المؤتمر وصفهم بانهم ممن يعمدون إلى تدوير الزوايا واللعب على الكلمات .. فمنظمة التحرير لم تعد قابلة للإصلاح أو الترتيب وان من الأولى دفنها وان أسطوانة المصالحة والوحدة الوطنية بعد 17 عاماً ونحو 15 اتفاقية مع فتح وسلطتها في رام الله كافية لان يدرك الجميع ان هذا جهد ضائع ومردوده سلبي على المقاومة وعلى الالتفاف الشعبي الحاضن لها.

يتساءل الكثير عما يمكن القيام به في ذروة مقاومة شعبنا الفلسطيني للعدوان الصهيو/أميركي الاجرامي على غزة والضفة الغربية… والجواب ليس عسيراً ولكن التنفيذ هو ما نحتاجه…في مرحلة النهوض الثوري والمقاومة المجيدة في غزة ومخيماتنا في الضفة الغربية فإن مسؤولية الجميع هي الانخراط في معركة المقاومة كل في موقعه والعمل على استكمال عملية ترميم وبناء الوعي الكفاحي والهوية التحررية النقيضة للاحتلال ووكيله الأمني المحلي ممثلاً بسلطة عميلة اقامها الاحتلال. وهذا كله بجذرية شجاعة تسمي الأمور بمسمياتها… لا مهادنة مع الخيانة والاحتلال.

اين تبدأ عملية ترميم وبناء الوعي الكفاحي والهوية التحررية؟

“تبدأ بضرورة التحرر سياسياً من المقولة الأفيونية التي تسمى “إصلاح منظمة التحرير” التي يصر البعض على وصفها ب الفلسطينية، والعمل على بناء مؤسسات تمثيلية بديلة ، نطراً لأن تلك المنظمة لم تعد قابلة للإصلاح إلى جانب فقدانها اي من أشكال الشرعية بعد انخراطها في مشروع أوسلو الخياني ، فقد نالت المنظمة شرعيتها من النضال الوطني لشعبنا وانتهت بتخليها عنه، ناهيك عن انه لا قداسة أبدية لاي منظمة او حزب، فهي كما يؤكد الباحث خالد عودة الله ليست سوى افرازات مجتمعية في لحظة تاريخية لها تاريخ صلاحية مرتبط بدورها، ولا ينتهي تاريخ اي شعب بنهايتها، فالشعب باق، أما الاحزاب والمنظمات فعابرة..”

شعبنا الفلسطيني هو باق… فمتى تفهم قيادات فصائل فلسطينية وناشطين سياسيين ومثقفين وطنيين فلسطينيين ضرورة التوقف عن التمسك بوهم إحياء العظام وهي رميم.

لذلك نصيحتي لأصحاب النوايا الحسنة ممن يشاركون في مثل مؤتمر الدوحة: اتركوا منظمة التحرير الفلسطينية بوضعها الراهن فهي عصية وأصحابها على الإصلاح، ومن يريد مواصلة النضال التحرري بالكفاح المسلح ان يوجد الهيئة الصحيحة بالعمل على بناء الجبهة الوطنية المتحدة العريضة المستندة إلى برنامج نضالي وطني يتمسك بالمقاومة بالكفاح المسلح طريقا وحيدا للتحرير الكامل، جوهرها فصائل المقاومة المسلحة الحالية في غزة. ونحوا جانبا تنظيرات البعض بأن المنظمة هي الوطن المعنوي لشعبنا الفلسطيني.. وقد سبق لحركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية ان اقرت عقب معركة سيف القدس تبني الدعوة لإقامة الجبهة الوطنية. وإذا أردتم أن تقوم منظمة التحرير الفلسطينية بإعلان تبنيها الكفاح المسلح لتحرير كامل التراب الفلسطيني فستقوم دول كثيرة لإدراجها على قوائم الارهاب.

وبعد كل هذا التوضيح وأن 17 عاما من التفاوض والحوار بين فصائل العمل الوطني الفلسطيني وسلطة محمود عباس وحزبها حركة فتح تناول كافة قضايا الخلاف والاتفاق ولم تسفر عن تقدم لسبب واحد: رفض محمود عباس تقديم أي تنازل يمس دوره ومصالحه، فعباس موجود ضمن توافق إقليمي ودولي، فهو كما يقول الدكتور فايز أبو شمالة “لم يعد شخصاً، إنه منظومة الحكم التي تآلفت، وتضم ذوي النفوذ والمصالح والاسترزاق، وهذه المنظومة تدرك أن وجودها قرين بوجود عباس، وأن أي تعديل أو تغيير في موازين القوى، سيكون هلاكاً عليها، وستخضع للمحاسبة والملاحقة، وسيطالها العقاب، وقد صار عباس رئيسا لكل الشرعيات الفلسطينية بدعم إسرائيلي، وموافقة عربية، وتأييد غربي.” لذلك يشعر بقوته ولا يهتم بما يقوله الآخرون.

إذن في ضوء ما سبق ما الهدف الحقيقي من مؤتمر الدوحة؟ وأصحابه يعرفون أن لا دور لهم على أرضية يملك ناصيتها محمود عباس. الجواب قطعا عند أصحاب ومنظمي المؤتمر.

واشنطن-محمد دلبح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى