لوبوان تي ان :
احتفل الليبيون يوم 24 ديسمبر 2021 بالذكرى السبعين لإستقلال بلادهم وقيام المملكة المتحدة كدولة وطنية تطمح الى الرقي والتقدم ، وتتزامن هذه الذكرى مع حدث مهم ، وهو تنظيم أول إنتخابات رئاسية في تاريخ ليبيا ، حيث سيتجه الناخبون الى مراكز التصويت ، وسيجدون أنفسهم أمام صناديق الإقتراع لإختيار من يرونه صالحا لقيادة البلاد خلال الفترة القادمة هذا الحدث غير المسبوق ، سيمثّل مناسبة مهمة يعّبر من خلالها المواطن الليبي عن إرادته الحرة ، ويثبت أنه جدير بالحرية والديمقراطية ، وأنه قادر على إختيار الشخص القوي الأمين الذي سيتولى مسؤولية الحكم في فترة حاسمة تحتاج الى من يقود مسيرة الإصلاح والتنمية ، ومن يتزعم مشروع المصالحة الوطنية ، ومن تكون له جرأة الملك الصالح إدريس السنوسي عندما قال « حتحات علي ما فات » بمعنى طي صفحة الماضي ، وقطع الطريق نهائيا أمام من يحاولون العودة إليها ليجعلوا منها حصان طروادة لتقسيم المجتمع على أساس الإنتماءات السابقة.
تأتي الإنتخابات لتكون أبرز إمتحان للشعب الليبي في مسيرته نحو المستقبل، رغم أن هناك من يطمحون الى تأجيلها أو عرقلة تنظيمها أو إفسادها أوالتلاعب بقوانينها والعبث بنتائجها ، وهناك من أعدوا المبالغ الخيالية من الأموال للإستحواذ على البطاقات الإنتخابية ولشراء الذمم ، أو لتزييف إرادة الناخبين ، كما هناك من إستطاعوا التغلغل في مفاصل الكيانات المرتبطة بالتنظيم والإشراف والرقابة ، بما في ذلك القضاء الذي يشرف على ملفات الطعون سواء في الترشح أو في النتائج ، والذي للأسف وجد نفسه تحت الضغط من قبل أطراف عدة تمتلك آليات السيطرة المادية والمعنوية وهي السلطة والثروة والسلاح. اعتقد أن الإنتخابات القادمة، ستمثل منطلقا مهما للحياة السياسية والإجتماعية في ليبيا ، ولكنها تواجه جملة من التحديات الجسيمة التي علينا أن ننتبه إليها بكثير من الحيطة والحذر ، فهناك للأسف الشديد من سينقلب على النتائج ، ومن سيشكك فيها ويرفضها، ومن سيقول أنها تتناقض مع مصلحة الدولة وطموحات الشعب ، ومن سيستغلها للدفع نحو خلط الأوراق من جديد ، وبالتالى نحو العودة بالبلاد الى مربع الفوضى والعنف ، فليبيا اليوم منقسمة على نفسها ، وهناك تيارات فكرية وسياسية وإجتماعية وسياسية متصارعة ، وهناك خلافات بين أنصار سبتمبر وأنصار فبراير ، وبين أنصار حفتر وأنصار السلطات القائمة في طرابلس ، وهناك صراع حقيقي على السلطة ، وهناك من يسعون بكل قوة للإستئثار بالثروة وبمفاتيح مصرف ليبيا المركزي ، بالإضافة الى مراكز النفوذ المتعلقة بالجماعات المهيمنة على التجارة والإعتمادات ومعركة السوق ، وإنعكاسات النزاعات الإقليمية والدولية على الوضع الداخلي الليبي ، ومحاولة كل طرف الدفع بحلفائه الى صدارة الحكم ورغم أن الشعب الليبي ملّ وكلّ من الصراعات ، وعانى من أزمات طاحنة خلال السنوات العشر الماضية ، ورغم أنه يراهن بقوة على الإنتخابات ويعتبرها فرصة لفتح الأبواب أمام مستقبل أفضل ، إلا أن نسبة مهمة من الليبيين ، باتت تخشى من أن يدفع الإستحقاق الرئاسي الى العودة الى مربع الإنقسام وتجميد خريطة الحل السياسي ، وذلك كنتيجة حتمية لتغليب البعض المصالح الشخصية والحزبية والفئوية والجهوية على حساب المصالح العليا للوطن والمواطن والمخاوف الحقيقية لا تكون بالطبع إلا ممن يمتلكون السلاح والمال وقدرة التأثير المباشر على الأرض .
فليبيا اليوم لا تزال تفتقد الى سلطة الدولة وهيبتها والى وحدتها الحقيقية وقدرتها على السيطرة على كافة أراضيها ، وهي تعاني من عراقيل عدة حالت دون توحيد فعلي للمؤسسة العسكرية ، ودون حل المليشيات وجمع السلاح ، ودون طرد المسلحين الأجانب من قوات نظامية ومرتزقة ، و هو ما يعني أن كل ما صدر عن المجتمع الدولي كان مجرد وعود أبعد ما تكون عن إمكانية التحقيق الفعلي المواطن الليبي يريد لبلاده أن تخرج من النفق لتعانق الشمس من جديد بعد سنوات من الظلام والضباب والضياع ،وهو مستعد للذهاب الى صناديق الإقتراع لإنتخاب رئيس للدولة بالتزامن مع الذكرى السبعين لعيد الإستقلال ،ولكنه غير متأكد من أن الفاعلين السياسيين والميدانيين سيكونون محلا للثقة ، ولاسيما أنه عرف خلال السنوات الماضية أن هناك من لاهم لهم سوى خدمة مصالحهم والعبث بالمال العام وبناء إمبراطوريات وتكريس أمجاد شخصية على حساب أمن وإستقرار ليبيا والليبيين .
يمكن للإنتخابات أن تكون بداية عهد جديد للبناء والرقي والإنجاز والحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية ، وهذا ما نتمناه ولكنها قد تكون كذلك منطلقا للعودة الى مربع الفوضى والإنقسام ، وهذا ما نخشاه وأملنا أن يكون صانعو القرار في مستوى تطلعات المواطن العادي لنستعيد وجه ليبيا التي نعتبر بها ونطمح لها ، وليكون 24 ديسمبر مناسبة للإحتفال بعيدين لا بعيد واحد : عيد الإستقلال وعيد الديمقراطية.
فوزية الصالحين الهوني