شارك مركز “كَنَف” بيت الطفل في الشارقة في سلسلة اجتماعات وورش عمل متخصصة عقدت في العاصمة المغربية الرباطيشارك في يش، بدعوة من المرصد الوطني لحقوق الطفل، بهدف بحث مواءمة نموذج المركز المتكامل متعدد التخصصات مع الأطر الوطنية المغربية، تمهيداً لإطلاق مسار تعاون مؤسسي يتيح نقل الخبرات وتعميم الممارسات المثبتة في رعاية الأطفال ضحايا الإساءات.
وجاءت المشاركة ضمن زيارة وفد من مركز “كَنَف” ترأسته سعادة هنادي صالح اليافعي، مدير عام مؤسسة سلامة الطفل ورئيسة اللجنة العليا لإدارة المركز، حيث عقد الوفد لقاءات موسّعة مع فرق قانونية وطبية ونفسية واجتماعية من مختلف المؤسسات المغربية المعنية بحقوق الطفل.
ترسيخ منظومة عربية متكاملة
وأكدت سعادة هنادي اليافعي أن زيارة وفد “كَنَف” للمملكة المغربية تجسد التزام المركز بترسيخ منظومة عربية متكاملة لحماية الطفل، تقوم على التكامل المؤسسي والعدالة الصديقة للطفولة، وقالت: “جاءت زيارتنا لتجسّد قناعة راسخة بأن حماية الطفل مسؤولية مشتركة، وأن تبادل الخبرات هو الطريق الأسرع لبناء منظومات قادرة على حماية الأطفال من أي شكل من أشكال الإيذاء. ما يجمعنا هو إيماننا بأن العدالة الصديقة للطفولة واجب إنساني يعكس عمق قيمنا وهويتنا المشتركة، ويترجم رؤية الشارقة في جعل الطفل في صميم التنمية الاجتماعية والاستثمار الأهم في مستقبل أوطاننا.”
وأشارت إلى أن “كَنَف” يمثل أول نموذج عربي يطبّق منهج “المركز الواحد” المتوافق مع أفضل الممارسات العالمية، ويجسّد توجه دولة الإمارات في تحويل الرعاية إلى سياسات متكاملة توحّد الجهات، وتختصر الإجراءات، وتضع مصلحة الطفل فوق كل اعتبار.
وحول استضافة مركز كنف، قالت البروفيسورة غزلان بنجلون، نائب رئيسة المرصد الوطني لحقوق الطفل: “تشرفنا في المرصد الوطني لحقوق الطفل باستضافة مركز كنف وذلك في إطار التعاون القائم بين المؤسستين. وقد شكّلت هذه الزيارة مناسبةً لاستعراض المشاريع والبرامج التي ينفّذها المرصد في مجال حماية الطفل والوقاية والدعم في الصحة النفسية بوجهٍ عام، ولا سيّما تلك الموجّهة إلى مرحلة الطفولة المبكرة.
وأضافت: ” كان اللقاء فرصةً لتبادل الخبرات ومناقشة سبل إقامة شراكات مستقبلية بين المؤسستين، بما يعود بالنفع المتبادل على كلٍّ من المرصد الوطني لحقوق الطفل و(كنف)، ويسهم في تعزيز الجهود المشتركة لحماية الأطفال وضمان رفاههم.”
تجربة متكاملة في مركز واحد
وخلال الاجتماعات المكثفة على مدار يومين، قدّم فريق “كَنَف” عرضاً متكاملاً لتجربة الشارقة في بناء “المركز الواحد” الذي يجمع تحت سقف واحد جهات إنفاذ القانون، والطب الشرعي، والرعاية النفسية والاجتماعية، والاستشارات القانونية، والتحقيقات المتخصصة في قضايا العنف ضد الأطفال بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة.
كما قدم “كنف” جلسة تدريبية متخصصة بعنوان «مهارات الأسئلة السقراطية في مقابلة ضحايا العنف من الأطفال»، تناولت أساليب الحوار السقراطي وأهميته في تعزيز التواصل الفعّال مع الأطفال وتجاوز صعوبات المقابلة النفسية.
واستعرض الوفد البنية التشغيلية للمركز في الشارقة، وكيف تم توحيد الإجراءات والبروتوكولات بين الجهات الحكومية ضمن نظام متكامل يوفّر للطفل بيئة آمنة تُجرى فيها المقابلات والتحقيقات والفحوص الطبية والدعم النفسي دون الحاجة إلى التنقل أو إعادة السرد.
وأوضح الوفد أن هذا النموذج أسهم في تجاوز التعقيدات الثقافية والاجتماعية التي تحدّ من وصول الأطفال إلى الجهات المعنية، كما رفع جودة الأدلة القانونية والطبية، وسرّع عملية الوصول إلى العدالة والتعافي الأسري، مشيراً إلى أن العنصر الحاسم في نجاح التجربة هو الدمج بين المنظورين الإنساني والمهني في إدارة الحالات، بما يوازن بين حماية الطفل واحترام الإجراءات القانونية.
تعميم التجارب الناجحة
واستناداً إلى هذه التجربة، ناقش الجانبان سُبل مواءمة النموذج مع المنظومة الوطنية المغربية، وبحثا إمكانية إعداد خارطة طريق مشتركة تتضمن إنشاء نواة تجريبية لمركز متكامل، مع تحديد مؤشرات قياس دقيقة تشمل زمن الاستجابة للحالات، ونِسب الإحالة للعلاج المتخصص، وتراجع المقابلات المتكررة، وتحسّن مخرجات التقاضي، ومستوى رضا الأطفال والأسر عن الخدمات.
كما تناولت النقاشات آليات بناء القدرات المهنية للكوادر العاملة في قطاع حماية الطفل، من خلال تصميم برامج تدريبية تعتمد أفضل المعايير المهنية الدولية، وتستهدف الأطباء الشرعيين والنفسيين، والباحثين الاجتماعيين، وأعضاء النيابة العامة، والتحريات، وفِرق الرعاية الاجتماعية والنفسية.
واتفق الطرفان كذلك على إطلاق مسار دراسات مقارنة لتقييم أثر النماذج المتكاملة على المؤشرات الوطنية، بما يُسهم في صياغة سياسات قائمة على الأدلة وبيانات الأداء.
النموذج الأول من نوعه على مستوى الوطن العربي
تأسس مركز “كَنَف” في الشارقة عام 2021 بمبادرة من سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة المجلس الشارقة للأسرة والمجتمع، ليكون النموذج الأول من نوعه على مستوى الوطن العربي في توحيد إجراءات حماية الطفل داخل منشأة واحدة.
ويقدّم المركز منظومة متكاملة من الخدمات القانونية والطبية والنفسية والاجتماعية في بيئة صديقة للطفل، تُمكّن الجهات المعنية من العمل بشكل منسّق وفق بروتوكولات موحدة، كما يعتمد منهجية التوعية والتثقيف المجتمعي وبناء الشراكات لتصحيح المفاهيم والسلوكيات التي قد تضر بالطفل. ويُعد “كَنَف” اليوم مرجعاً عربياً في تطوير النماذج المؤسسية متعددة القطاعات التي تضع مصلحة الطفل في صميم القرار والسياسة العامة، وتسهم في بناء بيئات آمنة ومستدامة.