
لوبوان تي ان :
يُعدّ ختم قانون المالية إحدى أبرز الصلاحيات الدستورية المخوّلة لرئيس الجمهورية، لما يحمله هذا الإجراء من دلالات قانونية وسياسية تتجاوز الطابع الشكلي. فختم القانون لا يعني فقط استكمال المسار التشريعي، بل يُجسّد لحظة انتقال النص من حيّز النقاش والمصادقة البرلمانية إلى حيّز النفاذ والتنفيذ.
دستوريًا، يأتي ختم قانون المالية في مرحلة لاحقة لمصادقة مجلس نواب الشعب عليه. ويمنح الدستور رئيس الجمهورية حقًّا واضحًا ومحددًا في التعامل مع هذا القانون، يتمثل إمّا في إعادته إلى البرلمان للقراءة الثانية داخل أجل مضبوط، أو في ختمه ونشره إذا لم يُمارس حق الردّ. وفي كلتا الحالتين، يبقى رئيس الجمهورية ضامنًا لاحترام الآجال الدستورية ولسير مؤسسات الدولة بانتظام.
ولا يُمكن النظر إلى ختم قانون المالية باعتباره إجراءً إداريًا آليًا، بل هو فعل سيادي يعبّر عن التزام الدولة بتنفيذ السياسة المالية التي أقرّها البرلمان. فبمجرد الختم، تصبح الحكومة ملزمة بتطبيق أحكام القانون، وتُبنى عليه كل السياسات الجبائية والإنفاق العمومي للسنة المالية الجديدة. ولهذا السبب تحديدًا، يكتسي قرار الختم حساسية خاصة، لا سيما عندما ترافق القانون فصول مثيرة للجدل أو محلّ تشكيك في قابليتها للتطبيق.
وفي السياق الذي رافق مناقشة قانون المالية، برز خلاف واضح بين الحكومة وبعض النواب حول فصول أُضيفت خلال النقاش البرلماني، واعتبرت وزيرة المالية أنها غير قابلة للتنفيذ وتعكس منطقًا شعبويًا يهدف إلى إرضاء الناخبين أكثر من حفاظه على التوازنات المالية للدولة. هذا الخلاف أعاد طرح سؤال جوهري: هل يُمكن لرئيس الجمهورية ختم قانون يتضمن أحكامًا ترى السلطة التنفيذية أنها غير قابلة للتطبيق؟
الإجابة الدستورية تظل مرتبطة بالآجال والإجراءات. فالدستور لم يمنح رئيس الجمهورية سلطة إلغاء القوانين، لكنه منحه حق الردّ في أجل محدد، ثم ألزمه بختم القانون قبل نهاية السنة إذا لم يتم استعمال هذا الحق. وعليه، فإن ختم قانون المالية يظل من مهام رئيس الجمهورية ومسؤولياته المباشرة، في إطار احترام الدستور وضمان استمرارية الدولة، حتى وإن رافق ذلك تحفظ سياسي أو تقني على بعض فصوله.
غير أن الأهمية الحقيقية لختم قانون المالية تكمن في رسالته السياسية. فالإقدام على الختم يعني أن الدولة اختارت الاستقرار المؤسساتي واحترام الآجال الدستورية، في حين أن التردد أو التأخير يعبّر عن عمق الإشكال القائم بين التشريع والقدرة الفعلية على التنفيذ. وهو ما يجعل من ختم قانون المالية لحظة مفصلية تختبر توازن السلطات، وحدود الشعبوية، ومسؤولية القرار السيادي.
اسماء وهاجر




