لوبوان تي ان :
يواصل مرشحا الانتخابات الرئاسية الأميركية الديمقراطية كامالا هاريس والجمهوري دونالد ترامب استغلال ما تبقى من الوقت حتى الدقيقة الأخيرة قبيل بدء تدفق ما تبقى من الناخبين الأميركيين إلى صناديق الاقتراح لاختيار مرشحهم يوم الثلاثاء . وكان أكثر من 75 مليون ناخب قد أدلوا بأصواتهم مسبقا.
تجري انتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2024 في ظل ظروف أزمة غير مسبوقة وانهيار اجتماعي. هناك شعور واسع الانتشار بأن النظام السياسي عاجز عن تلبية احتياجات الشعب ويتجه نحو صراع داخلي عنيف.
مع بقاء أقل من 48 ساعة على يوم الانتخابات، يسود الجو السياسي شائعات حول المؤامرات. هناك توقع واسع بأن نتيجة الانتخابات ستكون غير حاسمة، وبغض النظر عن إجمالي الأصوات، فإن ترامب وشركاءه الفاشيين لن يقبلوا بنتيجة غير مواتية.
تعكس حالة عدم اليقين والتهديد التي تحيط بعملية الانتخابات مدى انهيار ما اصطلح عليه بالديمقراطية الأميركية، إذ لم يحقق أي من المرشحين هامشا أكبر من 3 نقاط في أي من الولايات السبع المتأرجحة والتي يتوقع أن تحسم النتيجة وفق معظم استطلاعات الراي الأميركية التي تشير إلى أن السباق الانتخابي بين المرشحين متقارب جدا إلى حد يصعب فيه تحديد هوية الفائز .
من الواضح أن الثقافة السياسية في الولايات المتحدة قد وصلت إلى أدنى مستوياتها. ينشر ترامب خطابه الشوفيني غير الواضح والذي يلامس كل ما هو منحط ورديء في المجتمع الأميركي.
كامالا هاريس تجسد السخرية والنفاق لحزب يستخدم شعارات الهوية السياسية كغطاء لمصالح النخبة المالية والشركات ومؤامرات أجهزة الاستخبارات. دفاعها عن الإمبريالية الأميركية، وخاصة دعمها الكامل للإبادة الجماعية التي يرتكبها كيان العدوان الصهيوني في غزة، يكشفها كممثلة للأوليغارشية الرأسمالية الإجرامية.
ويعزو البعض إلى ضرورة دعم هاريس إلى فكرة “الشر الأقل” والتي تبدو في هذا السياق سخيفة. ففي حين أن أحد المرشحين يروج للفاشية، يعتمد الآخر على برنامج يشمل دعم الحرب والإبادة الجماعية. في ظل هذه الظروف، ليس الخيار بين شر أكبر وشر أصغر، بل بين طريقين نحو الكارثة. ورغم تبادل الاتهامات، فإن الفروق بين ترامب وهاريس ضئيلة مقارنة بالفجوة الكبيرة التي تفصل بين كلا الحزبين والطبقات الشعبية والفقيرة والأقليات في المجتمع الأميركي.
إذ يتم تجاهل القضايا العميقة التي تؤثر على حياة الملايين بشكل منهجي في هذه الحملة الانتخابية. السبب في ذلك هو أن هذه القضايا كلها تنبع من مصدر أساسي يدافع عنه النظام السياسي بأسره دون قيد أو شرط: نظام الربح الرأسمالي.
علاوة على ذلك، لا يمكن معالجة أي من القضايا المركزية التي تواجه الطبقات الشعبية والفقيرة وذوي الدخل المحدود في الولايات المتحدة من خلال البرامج التي يطرحها مرشحا الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة إذ أن الانتخابات لعام 2024 تطرح بوضوح الخيارات: الهمجية الرأسمالية أو إعادة بناء المجتمع على أساس العدالة الاجتماعية-الاقتصادية.
تجري الانتخابات في ظل تصاعد خطر الحرب العالمية لتلامس التصعيد نحو الحرب النووية.
إذ تجري خلف الأبواب المغلقة، مناقشات حول توسيع ضخم للحرب، بغض النظر عن هوية الشخص الذي سيكون في البيت الأبيض.
أعضاء بارزون من الطغمة المالية، مثل الرئيس التنفيذي لبنك جي بي مورغان تشيس، جيمي ديمون، يعلنون أن “الحرب العالمية الثالثة قد بدأت بالفعل.”
تستثمر الولايات المتحدة مبلغًا غير مسبوق قدره 1.7 تريليون دولار في تحديث ترسانتها النووية، وهو التزام من كلا الحزبين سيتواصل بغض النظر عن نتيجة الانتخابات.
لقد كانت الأولوية المركزية خلال السنوات الأربع من حكومة الرئيس جوزيف بايدن تحريض الحرب ضد روسيا في أوكرانيا، ثم الإبادة الجماعية التي يرتكبها كيان العدوان الصهيوني الإجرامي في غزة، التي دعمتها هاريس بالكامل. ومع تدفق الأسلحة الأميركية غير المحدودة إلى الكيان الصهيوني بدعم كامل من الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء، فإن الولايات المتحدة متواطئة في مجازر عشرات الآلاف في غزة والضفة الغربية ولبنان، وقد يحدث تصعيد كبير في الحرب ضد إيران حتى في الأسابيع بين الانتخابات ويوم التنصيب في يناير المقبل.
فقد أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) يوم الجمعة الماضي أن البيت الأبيض أمر بإرسال المزيد من القوات العسكرية الأميركية إلى المنطقة، ويضم الحشد العسكري الأميركي غير المسبوق منذ العدوان الأميركي على العراق واحتلاله في مارس/آذار 2003 إلى جانب قاذفات بي-52 -منظومة ثاد لاعتراض الصواريخ الباليستية. وأنواع من القاذفات والمقاتلات الجوية من طراز أف 35 و إف 16 ومدمرات وفرقاطات بحرية وقات عسكرية، وهذا هو الجزء المعلن وما خفي أعظم وهذا الحشد العسكري هو لحماية كيان العدوان الصهيوني وتخويف لإيران التي هددت بأنها سترد بشكل قاسي وعظيم على العدوان الصهيوني الأسبوع الماضي.
موقف ترامب، الذي دعا إلى “إبادة” إيران ودعم كيان العدوان الصهيوني لاتمام المهمة” في غزة، كمناهض للحرب هو أمر سخيف للغاية.
تتطلب الحرب العالمية إخضاع كافة موارد المجتمع للحرب. يظهر المقال الرئيسي في العدد الأخير من مجلة فورين أفيرز الأمبركية، تحت عنوان “عودة الحرب الشاملة”. كتبته مارا كارلين من معهد بروكينغز: في كل من أوكرانيا والشرق الأوسط، أصبح من الواضح أن النطاق الضيق نسبيًا الذي عرّف الحرب في حقبة ما بعد 11 سبتمبر قد توسع بشكل كبير. لقد انتهى عصر الحروب المحدودة؛ وبدأت حقبة الصراع الشامل.
في الواقع، ما يشهده العالم اليوم يشبه ما أطلق عليه المنظرون في الماضي ’الحرب الشاملة‘، حيث يعتمد المقاتلون على موارد ضخمة، ويعبّئون مجتمعاتهم، ويعطون الأولوية للحرب فوق جميع أنشطة الدولة الأخرى، ويهاجمون مجموعة واسعة من الأهداف، ويعيدون تشكيل اقتصاداتهم واقتصادات دول أخرى.”
كما تجري الانتخابات لهذا العام وسط أزمة اقتصادية وعدم المساواة الاجتماعية وهيمنة الطغمة المالية الأميركية. إذ أن أحد العوامل الرئيسية التي تدفع بعمليات الإمبريالية القاسية على نحو متزايد هو تصاعد أزمة الرأسمالية الأميركية. فقد بلغت ديون الولايات المتحدة نحو 36 تريليون دولار. كما أن سعر الذهب وصل إلى مستويات قياسية، مما يعكس الضغوط الشديدة على الدولار.
وقد سعت الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة إلى تجنب الأزمة الاقتصادية من خلال سلسلة من عمليات الإنقاذ الضخمة للبنوك، بما في ذلك عام 2008 وفي عام 2020، السنة الأولى لوباء كورونا. وقد أدى ذلك فقط إلى إعادة إنتاج الأزمة على مستوى أعلى، في الوقت الذي ساهم في زيادة هائلة في عدم المساواة الاجتماعية.
وصل تركيز الثروة في الولايات المتحدة إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تتحكم نخبة صغيرة في ثروة تفوق ما يمتلكه نصف السكان الأدنى. تبلغ ثروة مليارديرات الولايات المتحدة الآن أكثر من 5.5 تريليون دولار، بزيادة تقارب 90 في المئة منذ بداية الوباء. يُدافع عن هذا التركيز الشديد للثروة من قبل كلا الحزبين، وتُمَوَّل حملات هاريس وترامب الانتخابية بمبالغ غير مسبوقة من الأثرياء.
كما أن التضخم أضعف الأجور الحقيقية، مما جعل السلع الأساسية — من الغذاء إلى السكن — غير متاحة لملايين الناس. ينفق ما يقرب من ثلث جميع الأسر ونصف الأسر المستأجرة أكثر من 30 في المئة من دخلها على السكن. ويبلغ إجمالي الديون الاستهلاكية حوالي 18 تريليون دولار، وهو رقم قياسي، بما في ذلك 1.75 تريليون دولار من ديون قروض الطلاب.
تواجه الطبقات الشعبية وذوي الدخل المحدود أزمة اجتماعية هائلة تتضمن تسريحات العمال، إغلاق المدارس، ونظام رعاية صحية على حافة الانهيار. في قطاع التعليم، أدى انتهاء التمويل الطارئ مؤخرًا إلى تسريح المعلمين وإغلاق المدارس، مما يؤثر على ملايين الطلاب.
وإضافة إلى ذلك سيشكل يوم الانتخابات يوم الخامس من نوفمبر الجاري لحظة واحدة فقط في أزمة متصاعدة للنظام السياسي بأكمله. إذ يروج ترامب بالفعل لرواية “انتخابات مسروقة”. ويحرّض على العنف ويتآمر لرفض أي نتيجة لا تؤدي إلى فوزه من خلال القضايا القانونية وإجراءات الحكومات المحلية والولائية. وقد هدد ترامب، في حال انتخابه، بنشر الجيش ضد “العدو الداخلي” وتنظيم ترحيل عشرات الملايين من المهاجرين.
في الأسابيع الأخيرة، وصفت هاريس ترامب أحيانًا بـ”الفاشي”، ولكن سرعان ما تم التخلي عن ذلك. ويركز الديمقراطيون، كما ظهر في حملة هاريس هذا الأسبوع، على الحفاظ على “الوحدة” مع الجمهوريين لقمع المعارضة في الداخل وخوض الحروب في الخارج. ولا ينصب اهتمام الديمقراطيين والجمهوريين الرئيسي على نمو اليمين الفاشي، بل على انهيار النظام السياسي بأكمله وخطر حركة شعبية من القاعدة. فكلا الحزبين متورطان بعمق في تفكيك الحقوق الديمقراطية والتحول نحو الديكتاتورية.
فقد شهدت حكومة بايدن-هاريس نفسها موجة من الاعتقالات وطرد الطلاب الذين يحتجون على الإبادة الجماعية التي يرتكبها كيان العدوان الصهيوني الإجرامي في غزة. كما يدعم كلا الحزبين عسكرة الدولة لقمع المعارضة، سواء كان ذلك يعني قمع الاحتجاجات المناهضة للحرب أو تعبئة الشرطة ضد العمال المضربين. وهذا انعكاس للنظام السياسي في الولايات المتحدة بوصفه نظام متصلب وغير ديمقراطي تمامًا. كل جانب من بنيته — بدءًا من قوانين الوصول إلى الاقتراع التي تستهدف الأحزاب الثالثة، إلى سيطرة المال، إلى دور الإعلام المملوك للشركات — مصمم ليمنع أي تعبير حقيقي عن مصالح الغالبية العظمى من السكان.