لوبوان تي ان:
مع دخول جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها كيان العدوان الصهيوني في قطاع غزة عامها الثاني، عمد الرئيس الأميركي جو بايدن ونائبته المرشحة لانتخابات الرئاسة الأميركية كمالا هاريس إلى الإشارة إليها بتصريحات قصيرة منافقة وزائفة تماما. مبرئا كيان العدوان وإلقاء المسؤولية فيما ترتكبه قوات العدوان الصهيوني من مجازر على حركة حماس.
وقد سبق احياء البيت الأبيض يوم الاثنين الذكرى السنوية لطوفان الأقصى التي جاءت وسط تعاظم التهديدات الصهيونية بشن عدوان على إيران، تصريحات أدلى بها بايدن يوم الخميس ردا على إمكانية استهداف كيان العدوان الصهيوني منشآت نفط إيرانية وقال فيه “نحن في مناقشات حول ذلك.” يؤشر إلى أن الولايات المتحدة والعدو الصهيوني على وشك شن هجوم مباشر على إيران، مما سيؤدي إلى عواقب وخيمة على المنطقة العربية والعالم بأسره. وقد أسفرت تصريحات بايدن عن ارتفاع ملحوظ في أسعار النفط في السوق العالمية بما يزيد عن 3.25 دولار للرميل الواحد.
وقد منح البيت الأبيض -بذريعة الرد الصاروخي الذي نفذته إيران على البنية التحتية العسكرية الإسرائيلية يوم الثلاثاء- فعلياً العدو الصهيوني الضوء الأخضر لشن عدوان ضد إيران التي يتجاوز عدد سكانها تسعين مليون نسمة.
وقال بايدن يوم الأربعاء “سنتحدث مع الإسرائيليين حول ما سيفعلونه، لكننا جميعاً، نحن السبع (في إشارة إلى دول مجموعة السبع)، متفقون على أن لهم الحق في الرد”. وعلقت رويترز في تقرير إخباري إن “الولايات المتحدة لا تضغط على إسرائيل لتمتنع عن الانتقام”.
بعد مرور عام على بداية الإبادة الجماعية في غزة، أصبح من الواضح أن العدو الصهيوني استغل أحداث 7 أكتوبر لتنفيذ خطط طويلة الأمد لتطهير وضم جميع الأراضي الفلسطينية بهدف احتلال ما يعتبره كيان العدوان الصهيوني حدوده التوراتية، فيما يعتبر بالنسبة للوريات المتحدة وسيلة لترسيخ هيمنتها وسيطرتها على منطقة الحوض العربي/الإسلامي الغني بالثروات النفطية وتحويله إلى قاعدة ثابتة للعمليات العسكرية الأميركية في مواجهة روسيا والصي.
تصريحات بايدن وكبار مسؤولي حكومته وخاصة وزير الخارجية الصهيوني أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن لا تداع مجالا للشك لدى كل صاحب بصيرة أن كيان العدوان الصهيوني لا يعمل بشكل مستقل عن الولايات المتحدة بل يعمل ككيان وظيفي: أداة هجومية عدوانية لمصالح الإمبريالية الأميركية في جميع أنحاء المنطقة.
ووفقا لدراسة أجراها مشروع “تكاليف الحرب” التابع لجامعة براون، والتي نُشرت في 7 أكتوبر، أنفقت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 22.8 مليار دولار على حروب كيان العدوان الصهيوني والعمليات العسكرية الأميركية في المنطقة خلال العام الماضي. ما يقرب من 18 مليار دولار من هذه الأموال تأتي في شكل مساعدات عسكرية، بما في ذلك قنابل مدمرة للتحصينات، أسلحة موجهة بدقة، قذائف مدفعية، ومبالغ مالية كبيرة لشراء أسلحة أخرى ووقود. ويصل إجمالي المساعدات العسكرية الأميركية لكيان العدوان الصهيوني إلى 251.2 مليار دولار، بعد تعديلها وفقًا لمعدلات التضخم منذ عام 1959. كما تم إنفاق 4.86 مليار دولار إضافية على العمليات العسكرية الأمريكية في المنطقة، حيث تراوح عدد القوات الأميركية المنتشرة بين 34,000 و 51,000 خلال العام الماضي، اعتمادًا على حجم القوات البحرية المتمركزة في البحر الأبيض المتوسط، البحر الأحمر، وبحر العرب.
وقد صدرت تصريحات من مسؤولين في المنطقة تحذر من مغبة تصعيد الولايات المتحدة وأداتها الإسرائيلية الصراع في المنطقة و ضد إيران بما يهدد بإشعال المنطقة بأكملها. فقد حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في خطابه في جلسة افتتاح البرلمان التركي يوم الثلاثاء الماضي قائلاً: “تتصرف الحكومة الإسرائيلية بوهم الأرض الموعودة، بدافع التعصب الديني. بعد فلسطين ولبنان، ستكون وطننا هو المكان الذي سينظرون إليه. كل شيء يهدف إلى ذلك الآن.” ونقلت وكالة أنباء رويترز عن بلدان مجلس التعاون الخليجي أنها أبلغت إيران حيادها لخشيتها من أن اتساع رقعة الصراع قد يهدد منشآتها النفطية. مثل هذه التصريحات تشير إلى مدى القلق الذي تثيره
تصرفات أميركا والعدو الصهيوني في جميع أنحاء المنطقة والعالم. هناك شعور متزايد بأن الولايات المتحدة وكلبها الإسرائيلي المسعور خارجان عن السيطرة.
ويلاحظ انخراط وسائل الإعلام الأميركي التي يهيمن عليها صهاينة الولايات المتحدة في عملية التضليل والتزييف الإعلامي حيث تقدم العدوان الصهيو/أميركي الوشيك على إيران كرد على الهجمات التي شنتها إيران على القواعد العسكرية الإسرائيلية يوم الثلاثاء. في الواقع، كان هجوم إيران رداً على سلسلة من القصف والاغتيالات والهجمات الإرهابية الأميركية/ الإسرائيلية التي قتلت عشرات آلاف الأشخاص في فلسطين ولبنان وسورية وإيران ذاتها التي كان أبرزها اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد اسماعيل هنية في طهران حيث كان ضيفاً رسمياً لدى الحكومة الإيرانية.
وقع هجوم إيران الصاروخي على الكيان الصهيوني بعد يوم واحد من شنه عدوانا بريا في لبنان، عقب أيام من القصف الجوي المتصاعد الذي أسفر عن مقتل آلاف الأشخاص. كما اغتالت يوم الجمعة الماضي إسرائيل أمين عام حزب الله الشهيد حسن نصرالله باستخدام 85 قنبلة بوزن طن، مما دمر المباني السكنية العالية واستشهاد المئات..
اعتمد النظام الإيراني مرارًا سياسة ضبط النفس تجاه هذه الاستفزازات الأميركية/الصهيونية. لم يكن هناك رد فعل كبير على اغتيال قاسم سليماني في عام 2020، كما أن النظام الإيراني تحمل اغتيالات متكررة للعلماء، وأحدثها قصف إسرائيلي في طهران نفسها. وقد تبنى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، مرارًا الموقف الأكثر تصالحية تجاه الولايات المتحدة وححلفائها الأوروبيين. هذه الجهود التصالحية فشلت الآن، وتواجه حكومة الجمهورية الإسلامية في إيران ضغوطًا متزايدة للمقاومة والانتقام.
ويسود اعتقاد أن نسق الرد اعلى العدوان الصهيوني سيبقى على ما هو عليه حالياً مع رفع مستواه بين الحين والآخر … اما الرد الإيراني لن يتعدى ما تم في أبريل الماضي ويوم الثلاثاء الماضي .. رغم أهميته إلا انه يبقى عرض للقوة يوجّه رسالة إلى كيان العدوان بان ايران قادرة على إلحاق ضرر واسع بكيانه لذلك من الأفضل له تجنب ايران… لكن هذا لن يوقف العدوان الصهيوني ومجازره في غزة ولبنان طالما ان لديه الدعم الاميركي الكامل تسليحياً وتمويلا وحماية سياسياً ودبلوماسيا.
أما قادة الولايات المتحدة فهم يعتقدون أن إطلاق مذبحة عنيفة في المنطقة العربية وتجاوز كل “الخطوط الحمراء” سيمكنهم من التراجع عن نتائج الكوارث التي عانت منها الإمبريالية الأميركية على مدى عقود. غير أن ذلك ليس سوى خداع للنفس. إذ ما الذي يجعلهم يعتقدون أن الحرب مع إيران، البلد الذي يبلغ عدد سكانه 90 مليون نسمة ويمتلك مجتمعاً متقدماً للغاية، ستؤدي إلى نتائج أفضل من غزو العراق عام 2003؟
إن تصعيد التحضيرات للعدوان على إيران هو تعبير عن أزمة متفاقمة، وليس عن قوة. الأزمة المالية لعام 2008 وإعادة توزيع الثروة الهائلة نحو الأعلى التي تبعتها زادت بشكل كبير من تفاقم أزمة الرأسمالية الأميركية، والتي بلغت ذروتها مع اندلاع جائحة كوفيد-19 في عام 2020، مصحوبة بحزمة إنقاذ للشركات على نطاق أكبر.
إن السياق المباشر للتصعيد الأميركي/الصهيوني ضد إيران هو الفشل الذريع للولايات المتحدة وحلف الناتو في حربهم ضد روسيا في أوكرانيا. وقد أعلنت أوكرانيا يوم الأربعاء الماضي انسحابها من مدينة أخرى، وسط تقدم روسي متسارع في دونباس. لكن رد الولايات المتحدة على الكارثة في أوكرانيا هو التصعيد، إن لم يكن بشكل مباشر ضد روسيا، فسيكون في المنطقة العربية. إنهم ينتقلون من الكارثة في أوكرانيا إلى الكارثة في إيران.
واشنطن-محمد دلبح-