لوبوان تي ان :
دعت موسكو إلى عقد جلسة لمجلس الأمن اليوم الاثنين بشأن المزاعم التي تروجها دول منظومة الحرب على روسيا باستخدام وسائل إعلامها الدعائية بأن القوات الروسية قد ارتكبت أعمال قتل وإعدامات لمدنيين في مناطق لصيقة بالعاصمة الأوكرانية كييف قبل وأثناء انسحابها من تلك المناطق .
ولدعم تلك المزاعم فقد لجأت تلك الدول إلى استخدام الصور التي تبثها وسائل الإعلام التابعة لها بنفس الطريقة التي استخدمت صورا مفبركة لتسويغ غزوها لليبيا في عام 2011 الذي نجم عن تدمير البنى التحتية والدولة الوطنية والإطاحة بنظام حكم الزعيم الليبي معمر القذافي وأيضا قامت بنفس العمل لتسويغ حربها على سوريا وتدمير الدولة الوطنية فيها.
واستنادا إلى تلك الصور ومقاطع الفيديو التي تبلغ مدتها ثوانٍ والأخبار العاجلة، والتصريحات التي يدلي بها مسؤولون أوكرانيون التي تحفل بمختلف الاتهامات والمزاعم عن فظائع ارتكبت وخصوصا في بوتشا بدأ سيل البيانات الجاهزة التي تحفل بتهديدات من كبار المسؤولين الأميركيين وحلفائهم الأوروبيين حاليين وسابقين بضرورة توجيه الاتهامات إلى روسيا بارتكاب “جرائم حرب في أوكرانيا”. وقد برز رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون كأشد أعداء روسيا معلنا أن حكومته سوف تزيد من العقوبات ضد روسيا ومن الدعم العسكري لأوكرانيا. ولا ينافسه في هذا المجال سوى الرئيس الأميركي جوزيف بايدن ووزير خارجيته توني بلينكين.
لم يكلف أصحاب تلك الاتهامات أنفسهم بضرورة التروي قبل إصدار بياناتهم واتهاماتهم بالتحري عن صحة تلك الصور بالاستعانة براي خبير ولم يُجر أي عمل شرعي ، ولم تُمنح فرصة للمتهم للاستماع إليه.
وقد أوقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حملته الانتخابية حيث دخل في منافسة شديدة مع مارين لوبان لإعادة انتخابه في الانتخابات التي ستجري يوم الأحد المقبل، لوصف الفظائع الروسية المزعومة بأنها “جرائم حرب”. وكذلك فعل المستشار الألماني أولاف شولز الذي يواجه مشكلة كبيرة أيضًا حيث أعلنت ألمانيا أن معدل التضخم في شهر آذار/مارس الماضي بلغ 7.3 في المئة. إن الحماسة التي استهلك بها ماكرون وشولز الأخبار المزيفة هي نذير بمرحلة جديدة في حرب التضليل الإعلامي.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وصف تلك المزاعم بأنها “هجوما ملفقا وتهديدا للسلم والأمن الدوليين. للوهلة الأولى، هذا الادعاء هو أخبار كاذبة ولكن يمكن أن يصوغ تصورات خاطئة بحلول الوقت الذي يتم فيه الكشف عنها على أنها معلومات مضللة.
وقال لافروف في اجتماع مع نائب الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث: “تم شن وتنفيذ هجوم وهمي (مزيف ومفبرك) آخر في مدينة بوتشا بمنطقة كييف، بعد أن غادرت القوات الروسية من هناك.. ووفقا للمخطط (الغربي) أقيم هناك عرض مسرحي بعد أيام قليلة (من انسحاب القوات الروسية)، وتم نشر الفبركات عبر جميع القنوات والشبكات الاجتماعية من قبل الممثلين الأوكرانيين ورعاتهم الغربيين”.
ويعرف الخبير الإعلامي العربي داود سليمان القنة الدعاية الإعلامية (البروباغندا) في حملة التضليل الإعلامي بأنها ” نشر معلومات ناقصة ومضللة بطريقة موجهة أحادية المنظور وتوجيه مجموعة مركزة من الرسائل المنحازة وغير الموضوعية بهدف التأثير في الرأي العام المستهدف خدمة لأجندات وآيديوجيات معيّنة وغالبًا ما تستخدمها الحكومات في الحملات العسكرية والسياسية الخفية منها والعلنية، كما تستخدمها حتى المنظمات الثورية والمنظمات الدينية المتطرفة. أما الأدوات فتتركز يالأساس في نشرات الأخبار ووسائل الإعلام المختلفة، التي أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي وما يعرف بجيوش الذباب الالكتروني جزءًا منها. وتستخدم حملات البروباغندا مصطلحات ومفردات محددة ومدروسة بدقّة وتواصل تكراراها لترسيخيها في ذهن المتلقي، مثلما فعل الإعلام الغربي، والأميركي تحديدًا، في تعميم مصطلح “الإرهاب” أو أسلحة الدمار الشامل ليكون ذلك مبررًا لأي عمل عسكري، مثلما فعلت الإدارة الأمريكية في غزو العراق وأفغانستان ، ثم إلصاق تهمة الإرهاب على أي عمل وطني فلسطيني مقاوم للاحتلال الصهيوني.”
وردا على ما وصفته بالتلفيقات والصور المفبركة أوضحت وزارة الدفاع الروسية يوم أمس الأحد أن وحدات الجيش الروسي غادرت “بوتشا” يوم 30 آذار/مارس الماضي، غداة المحادثات الروسية الأوكرانية في تركيا، فيما أكد رئيس بلدية “بوتشا”، أناتولي فيدوروك في اليوم التالي في رسالة بالفيديو عدم وجود جنود روس في المدينة، وهو في تلك المناسبة لم يشر من قريب أو بعيد إلى حوادث إطلاق نار على سكان محليين في الشوارع وأيديهم مقيدة، كما ظهر ذاك في مقطع الفيديو المفبرك، أي أن كل “أدلة الجرائم” المزعومة في “بوتشا” ظهرت فقط في اليوم الرابع، حين وصل ضباط إدارة أمن الدولة الأوكرانيين وممثلو التلفزيون المحلي إلى المدينة.
لذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يجري نشر وترويج مثل هذه المسرحيات في هذه المرحلة؟
يقول تقرير نشره موقع Indianpunchline إن الأخبار الكاذبة ظهرت حتى مع بدء المرحلة الثانية من العملية الخاصة لروسيا في غضون أسبوع في منطقة دونباس الشرقية حيث تم تطويق ما يقرب من 60 ألف – 80 ألف جندي أوكراني، تم تصنيفهم على أنهم أفضل وحدات القوات المسلحة الأوكرانية، في دونباس.
وقد أسفرت الخطة الروسية عن تضييق الخناق على القوات الأوكرانية في كييف خلال الشهر الماضي. وكانت الخسارة الأوكرانية من الضخامة إلى حد أن المسؤولين الأوكرانيين ومستشاريهم الغربيين احتاجوا إلى تقديم تفسير لما حدث.
قامت القوات الأوكرانية المسلحة تسليحا جيدا بتحصين نفسها بكثافة لكنها كانت غير قادرة على الهروب من الفخ الذي نصبته القوات الروسية. كما أنه ليس من المجدي أن ترسل كييف تعزيزات لأن الريف في الغرب الأوكراني يتكون من أراضي زراعية مفتوحة إلى حد كبير (على طول الطريق إلى نهر دنيبر). وحيث للروس تفوق جوي ومن المستحيل إخفاء أي تحركات للعدو عن أعينهم المتجولة.
أوقفت القوات الروسية جميع المطارات القريبة ودمرت احتياطيات النفط الأوكرانية المجاورة بشكل منهجي خلال المرحلة الأولى من العملية. فقد تم إيقاف العمل بمطار ميرغورود العسكري في منطقة بولتافا المركزية، وهو مركز مهم استراتيجيًا، وتم العثور على العديد من طائرات الهليكوبتر والطائرات المقاتلة الأوكرانية في مواقف السيارات المموهة ، وكذلك تم تدمير مستودعات الوقود وأسلحة الطيران “.
وبالمثل ، تم تطويق خاركيف و “في ضربة عالية الدقة بصواريخ إسكندر العملياتية والتكتيكية على مقر الدفاع في المدينة يوم الخميس الماضي، تم تأكيد مقتل أكثر من 100 من المتطرفين القوميين ومرتزقة من الدول الغربية”.
ومع ذلك، من المتوقع أن تخوض القوات الأوكرانية قتالًا جيدًا بدلاً من الاستسلام – على الرغم من أنها محاصرة ، بدون غطاء جوي ، وليس لدى القوات الأوكرانية مجال للمناورة، أو ما يكفي من الوقود للمشاركة في مثل تلك الحرب مع نفاد الذخيرة.
لذلك يؤكد محللون عسكريون باقتراب معركة كبرى قد تكون الأكثر حسماً في العملية الخاصة الروسية بأكملها حتى الآن. المهم هو أن ساحة المعركة تحتوي أيضًا على مستوطنات وفيرة من السكان من أصل روسي (بما في ذلك حاملي جوازات السفر الروسية) والهجوم سيكون عملية طاحنة طويلة يتم تنفيذها بصبر لتجنب وقوع خسائر في صفوف المدنيين أو تدمير البنية التحتية المدنية. وهذا يعني أن المرحلة الثانية من العملية العسكرية الروسية قد تستمر في أي مكان لمدة تصل إلى شهر أو نحو ذلك لتكتمل. إذ أن روسيا مصرة على الفوز حيث ستعمد إلى كسر ظهر الجيش الأوكراني.
ويبدو أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي يسعى إلى الاستفادة مما يعتقده أنه انسحاب القوات الروسية من محيط كييف وحملة التضليل الإعلامي الغربي التي رافقها ليعلن “عبثية المفاوضات مع روسيا” حيث لا تزال الولايات المتحدة تستخدمه لإطالة أمد الحرب بعدم التوصل الى حل سياسي للازمة الروسية الاوكرانية تنفيذا لسياستها في استدامة الهيمنة الاميركية عالميا وهذا يتطلب اركاع روسيا وبعدها الصين، وابقاء اوروبا تحت الهيمنة الاميركية.. إذ أن هدف الحكومة الأميركية منذ البداية هو عزل روسيا وإغراقها في حرب أوكرانيا مع اللامبالاة المطلقة للكارثة التي تواجه الشعب الأوكراني والدفاع باتجاه حرب أوسع بكثير بين القوى المسلحة نوويا.
لكن على الرغم من صراخ وصخب زيلينسكي فإن حكومته ستدرك فداحة الهزيمة وسيرى معلموه الغربيون الكتابة على الحائط أيضًا. فالعملية العسكرية الروسية ما زال أمامها على الأقل شهر آخر حيث ستكون الإستراتيجية الغربية هي بث ونشر المزيد من الأخبار المفبركة، وتكثيف حرب التضليل الإعلامي. حتى أن بعض العمليات المزيفة قد يتم إجراؤها تحت إشراف عملاء أجهزة الاستخبارات الأميركية و الغربية.
وعلى غرار ما ما فعلته تلك الأجهزة الاستخبارية في سوريا من فبركة هجمات بالأسلحة الكيماوية من خلال أدواتها وعملائها الذين يعملون تحت اسم “الخوذ البيضاء” فإن أسوأ السيناريوهات التي قد يلجأ إليها التحالف المعادي لروسيا والتي قد تكون ورقتهم الأخيرة هي الأسلحة الكيماوية. وقد نشرت روسيا تفاصيل عن المواقع التي احتفظت فيها أوكرانيا بمخزونات من الأسلحة الكيماوية. من المعروف أن الولايات المتحدة قدمت معدات خاصة في المساعدة العسكرية (أقنعة الغاز ، والملابس الواقية ، وما إلى ذلك) للتعامل مع الأسلحة الكيميائية وقدمت تدريبًا خاصًا للحماية الجماعية.
محمد دلبح -واشنطن –