لوبوان تي ان :
تشهد عدد من الجامعات الأميركية منذ الأسبوع الماضي، قيام قوات الأمن الأميركية باقتحام حرم تلك الجامعات واستخدام العنف ضد الطلاب المحتجين والمتظاهرين سلميا ضد الابادة الجماعية التي تقترفها قوات العدوان الصهيوني المدعومة من الولايات المتحدة في قطاع غزة والتي راح ضحيتها حتى الآن نحو 35 ألف شهيد فلسطيني وما لا يقل عن 9 ألاف ما زالوا تحت الانقاض وإصابة أكثر من 75 ألف معظمهم لا يجد العلاج بعد أن دمرت قوات العدوان الصهيوني معظم المستشفيات والوحدات الصحية في غزة على رؤوس المرضى.
وقد تم اعتقال نحو ألف من الطلبة المتظاهرين والمعتصمين في مخيمات أقاموها داخل الحرم الجامعي. ولم تقتصر الاعتقالاات على الطلبة بل شملت اعتقال عدد من أساتذى الجامعات. وقد انطلقت شرارة التظاهرات والاعتصامات من جامعة كولومبيا في نيويورك التي دعت رئيستها نعمت شفيق الشرطة إلى التدخل ضد الطلبة المتظاهرين الأسبوع الماضي.
وقال الأستاذ والمحاضر في كلية الصحافة بجامعة كولومبيا هاورد فرينش في مقال له في مجلة فورين بوليسي ” لقد حان الوقت لكي يتساءل الأميركيون، ويستبدلون موضوع إسرائيل وفلسطين بموضوع آخر، إذا كانت حركة احتجاجية طلابية كهذه تحدث على هذا النطاق في بلدان أخرى، فماذا سيكون رد فعل الولايات المتحدة؟ ما أتخيله بسهولة هو إدانات عالية اللهجة من المتحدثين باسم وزارة الخارجية ومقالات افتتاحية متهورة في الصحافة الأميركية الرائدة حول التعصب الاستبدادي أو انحطاط الديمقراطية في تلك البلدان.
لو حدثت هذه المشاهد في إيران على سبيل المثال أو في روسيا أو الصين أو اي بلد تعاديه الولايات المتحدة، لكانت هناك تغطية شاملة في وسائل الإعلام الأميركية ومطالب ب “التدخل الإنساني” لحماية المتظاهرين. وقد شهدنا ذلك في احتجاجات الطلبة في ساحة تياناتمن في بكين/الصين في يناير 1989. لكن في الولايات المتحدة يقوم المسؤولون الأميركيون والسياسيون بمن فيهم وأعضاء الكونغرس ووسائل الإعلام بإدانة الطلاب الذين يحتجون سلميا على القتل الجماعي ويصفونهم بأنهم “معادون للسامية”. المزيج الفج والشفاف هو أن معارضة التطهير العرقي الإسرائيلي للفلسطينيين هي معاداة للسامية.
يتم تنظيم الدعاية وقمع الشرطة من المكتب البيضاوي للرئيس الأميركي جوزيف بايدن الذي قال ردا على سؤال حول المظاهرات في مؤتمر صحفي يوم الاثنين 22 أبريل: “أدين الاحتجاجات المعادية للسامية.” وقبل ذلك بيوم واحد، أصدر بايدن بيانا صحفيا ذكر فيه أن “معاداة السامية أمر يستحق الشجب وليس له مكان في حرم الجامعات”، معلنا عن إنشاء بيروقراطية جديدة للشرطة لمراقبة الجامعات تحت اسم “الاستراتيجية الوطنية لمكافحة معاداة السامية”، ووعد بوضع “القوة الكاملة للحكومة الفيدرالية وراء حماية الجالية اليهودية”.
إن قلق بايدن المزعوم بشأن معاداة السامية مكشوف من خلال حقيقة أن البيت الأبيض، في سحقه لمن يعارض الإبادة الجماعية التي تقترفها قوات العدوان الصهيوني في غزة، يعمل جنبا إلى جنب مع المعادين الفعليين للسامية في الحزب الجمهوري، بما في ذلك دعاة “نظرية الاستبدال العظيم” التي ترى أن هناك مؤامرة يهودية للقضاء على المسيحيين البيض في الولايات المتحدة. وأرسلت حكومة الرئيس بايدن منذ الثامن من أكتوبر الماضي أسلحة فتاكة بمليارات الدولارات إلى كيان العدوان لقتل الفلسطينيين.
إن الحديث عن وجود تيار داخل الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة يعارض سياسة بايدن في غزة لا يعني إمكانية أن يساهم في تغيير سياسة بايدن وحكومته تجاه العدوان الصهيوني على غزة بل إن هذا الحزب تاريخيا هو أحد جناحي الراسمالية الأميركية المتوحشة إلى جانب الحزب الأخر: الجمهوري الذي يمثل الجناح الأكثر تزمتا من الناحية الاجتماعية/الاقتصادية.
إن كافة الحروب الكبرى في تاريخ أميركا منذ أوائل القرن العشرين وقعت أثناء حكم الحزب الديمقراطي في البيت الأبيض: حكومة وودرو ويلسون 1913-1921 حيث شاركت في الحرب العالمية الأولى الحرب العالمية الثانية (فرانكلين روزفلت) ؛ الحرب الكورية (هاري ترومان) ؛ وحرب فيتنام (جون كينيدي وليندون جونسون)، ولقي كيان العدوان الصهيوني الدعم المالي والتسليحي وأصبح شريكا لا غنى عنه في عهد كنيدي واستمر الحال بعد عدوان يونيو 1967 وفي عهد جيمي كارتر الديمقراطي تكرست اتفاقية كامب ديفيد 1979.
ومنذ انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، شنت الولايات المتحدة ووكلاؤها سلسلة متواصلة من الحروب: العراق والصومال وصربيا وأفغانستان واليمن وليبيا وسوريا وأوكرانيا وغزة، على سبيل المثال لا الحصر، وتسببت تلك الحروب في قتل وتشريد ملايين الأشخاص وكلفت تريليونات الدولارات وسممت الثقافة والحياة الفكرية الأميركية بفرض ثقافة عسكرية سعت للسيطرة على الخطاب والفكر السياسي. إن التأثير الأكبر بكثير الذي مارسه الديمقراطيون بين المثقفين الليبراليين وصناعة الترفيه جعلهم أكثر فائدة لهذا الغرض من الجمهوريين. وكما قال راندولف بورن في عام 1917 أثناء الحرب العالمية الأولى، كان دور المثقفين هو فتح “السدود” التي “تغمرنا بمياه الصرف الصحي لروح الحرب”.
تواصل حكومة الرئيس بايدن خوض الحروب التي سبق لأسلافها زج الولايات المتحدة في حروب مشابهة لكن الحروب التي تقودها حكومة بايدن هي حروب بالوكالة في فلسطين المحتلة وأوكرانيا وغيرها، لذلك فإن ما تسعى له حكومة الرئيس بايدن والطبقة السياسية الأميركية داخل الكونغرس وخارجه هو منع معارضة الحرب التي تتركز الآن في الجامعات الأميركية على امتداد الجغرافيا الأميركية.
محمد دلبح – واشنطن –
