لوبوان تي آن:
يساهم فيروس كورونا في تسريع الحرب الاقتصادية بين السعودية وروسيا والولايات المتحدة فيما يؤدي أيضا إلى تفاقم التوترات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية داخل السعودية نفسها. وفي الوقت الذي تبذل فيه السعودية جهودا لمقاومة فيروس كورونا-وسط تنامي خطره عالميا- فإنها تواصل إلقاء اللوم على إيران وقطر بنشر مزاعم عن قيام إيران بنشر الفيروس إلى الدول العربية التي أكد معظمها وقوع إصابات بالفيروس فيما كانت إيران الأكبر في وقوع تلك الإصابات والأكثر تضررا، حيث تم الإبلاغ عن 7,161 حالة مؤكدة و 237 حالة وفاة بحلول يوم الأحد الماضي. و يبذل نظام الرعاية الصحية في إيران جهودا كبيرة لمكافحة فيروس كورونا، في وقت يفرض على إيران حصار أميركي يشمل كافة مجالات الحياة بما فيها الإمدادات الصيدلانية والطبية التي تحتاجها إيران لمكافحة الفيروس.
وعنوان الأزمة الحالية في السعودية هو انخفاض أسعار النفط (وهو المصدر الرئيسي لعوائد السعودية المالية) في الأسواق العالمية، حيث دعت الحكومة السعودية دول منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) إلى خفض الإنتاج بمقدار 1.5 مليون برميل في اليوم للحد من انخفاض أسعار النفط ومواجهة الطلب المتزايد في الوقت الذي يحد فيه فيروس كورونا من التجارة والسفر الدوليين.
وقد رفضت روسيا ، ثاني أكبر منتج للنفط في العالم الاستجابة للطلب السعودي، قائلة إن أي تخفيض في إمدادات النفط سيتم استبداله في السوق العالمية بالنفط الصخري الأميركي. وردت السعودية من خلال شركة أرامكو عن خصم كبير في أسعار خاماتها إلى الأسواق الرئيسية بلغ نحو 8 دولارات في بعض أنواع النفط، وزيادة انتاجها النفطي الحالي اليومي وهو (9.7 مليون برميل) إلى 10 ملايين برميل يومياً بداية من إبريل/ نيسان المقبل، وإلى 12 مليون برميل يوميا إذا دعت الحاجة لذلك في المستقبل، في سوق نفط يشهد إمدادا مفرطا من النفط حيث انخفضت الأسعار بالفعل بمقدار الثلث منذ بداية العام الجاري. ومثل هذه الزيادة تعني “إعلان حرب”. إذ تستهدف السعودية من ذلك التمسك بحصتها في السوق وضمن استراتيجية الضغط على الشركات الروسية. وقد أدى الإعلان السعودي إلى انخفاض حاد في أسعار أسهم شركتي النفط السعودية، أرامكو والروسية، روسنفت، فيما انخفضت أسهم شركات الطاقة في الولايات المتحدة بنسبة تتراوح ما بين 20-50 في المئة هذا العام، وسط ارتفاع مستويات الديون وتراجع الطلب مع ابتعاد المستثمرين من المؤسسات النفطية. وتراجعت السندات السعودية الدولية وكذلك سندات أرامكو في بداية التداول يوم الاثنين الماضي، حيث انخفض الريال السعودي بحدة مقابل الدولار الأميركي في السوق الآجلة.
لكن محللين يستبعدون فرص نجاح استراتيجية الضغط على موسكو، مشيرين إلى إمكانية أن يكون مصيرها نفس مصير الحرب التي سبق أن قادتها الرياض ضد النفط الصخري في أواخر عام 2015. حيث قامت بإغراق الأسواق بالنفط على أمل تقويض صناعة النفط الصخري الوليدة وقتها، “لكنها فشلت في ذلك بسبب القروض السخية والتمويلات التي واصلت المصارف الأميركية ضخها في شرايين الشركات الصغيرة العاملة في استخراج النفط الصخري، وكذلك بسبب التقدم الذي حدث في تقنيات “التكسير الهيدروليكي” و”الحفر الأفقي” الذي كانت نتيجته خفض كلفة استخراج البرميل.”
وتبدو روسيا في وضع أفضل لمواجهة العاصفة المقبلة في سوق النفط العالمي. إذ أنها لا تحتاج إلى أكثر من سعر 40 دولار للبرميل الواحد من النفط لموازنة ميزانيتها، في حين أن السعودية تحتاج إلى أن تكون الأسعار أكثر من ضعف هذا المبلغ. ونقلت نشرة فورين بوليسي عن الخبير الاقتصادي جيسون بوردوف قوله “إن المشكلة في السعودية هي أن روسيا أكثر مرونة تجاه انخفاض الأسعار مما هي عليه، فقد زادت إلى حد كبير احتياطياتها من النقد الأجنبي في حين تراجعت الوسيلة المالية السعودية منذ انهيار أسعار النفط عام 2014،” وأضاف يوردوف أنه “حتى مع وجود احتياطيات وافرة فإن فترة طويلة من انخفاض الأسعار ستجهد الميزانية السعودية، وتقوض ثقة المستثمرين، وتؤدي إلى تكهنات حول تخفيض قيمة الريال السعودي”. وأعربت مديرة برنامج أمن الطاقة وتغير المناخ في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن سارة لاديسلو عن اعتقادها أن السعوديين لا يستطيعون تحمل مواصلة خداعهم لفترة طويلة. وقالت “لا أعتقد أن هذا وضع تشعر السعودية فيه بالراحة”، مستشهدة بضغوط الميزانية المحلية المزدوجة والحاجة إلى الحفاظ على استقرار سعر سهم أرامكو. وقالت “لا أعتقد أنهم يريدون أن يفعلوا ذلك لفترة طويلة ، ولا أعتقد أنهم يستطيعون فعل ذلك لفترة طويلة جدًا ، ولهذا السبب أعتقد أنهم قاموا بمثل هذا العمل الهجومي”.
ويذكر أن الاقتصاد السعودي يعتمد بشكل كبير على النفط والغاز، اللذين يشكلان 87 في المئة من إيرادات الميزانية، و 42 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، و 90 في المئة من الصادرات. وفي حين أن سعر 30 دولار للبرميل الواحد من النفط مربح للسعودية إلا أن الأسرة الحاكمة تحتاج إلى ما لا يقل عن 80 دولارًا للبرميل، أي ضعف إنتاج روسيا ، للحفاظ على العائدات المالية التي يعتمد عليها عقدها الاجتماعي مع الشعب السعودي. لذلك فإن انخفاض أسعار النفط إلى نحو 30 دولارا للبرميل الواحد سوف يضاعف العجز في الميزانية – الذي كان يقدر سابقا بـ 6.4 في المئة – كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام.
ويأتي انخفاض أسعار النفط في أعقاب تعليق الرياض المؤقت للعمرة، وفرض حظر على دخول المملكة للمعتمرين، بدعوى تعقيم المواقع الدينية لوقف انتشار فيروس كورونا. ويذكر أن العمرة والحج يجتذب نحو ثمانية ملايين معتمر وحاج سنويا بما يضمن تدفقًا ثابتًا من الدخل وعقود البناء المربحة ونمو سلاسل الفنادق الفخمة حول المسجد الحرام. ويقدر الدخل من أداء العمرة والحاج بنحو 12 مليار دولار سنويًا لأي ما يعادل 20 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي و 7 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي. وفقًا لغرفة تجارة وصناعة مكة ، فإن ما بين 25 إلى 30 بالمئة من دخل القطاع الخاص في المنطقة المحيطة بمكة المكرمة والمدينة المنورة يعتمد على الحج.
وبالرغم من الثروة النفطية وعائداتها فإن ما لا يقل عن 20 في المئة من السعوديين يعانون من الفقر “المدقع” أو “الشديد”، ونحو 2-4 مليون شخص في العاصمة، الرياض وحدها يعانون الفقر. وكثير منهم من النساء أو أفراد أسر تعيلها أمرأة. أما العمال الأجانب في السعودية، ومعظمهم من شبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا ويصل عددهم إلى نحو 12 مليون يعيش معظمهم ظروفا اقتصادية واجتماعية سيئة.
وتتناقض الظروف الاجتماعية والاقتصادية في السعودية كثيرا مع ما يسمى “رؤية محمد بن سلمان 2030” التي صممها مستشارون إداريون لفصل الاقتصاد السعودي عن الاعتماد على النفط مع مجموعة كبيرة من المشاريع المبهرة التي ستزيد من ثراء الشركات، وتشمل تلك المشاريع الخصخصة الجزئية لشركة أرامكو، وعمليات بيع المستشفيات والمدارس، وتوظيف العمالة في القطاع العام، بخفض الأجور من 67 – 20 في المئة وخفض الدعم للوقود والغاز الطبيعي والكهرباء والمياه وإدخال ضريبة القيمة المضافة 5 في المئة على معظم السلع والخدمات.
ومما زاد الطين بلة في السعودية هو تصاعد التوترات السياسية خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي عقب إعلان القبض على الأمير أحمد بن عبد العزيز، الشقيق الوحيد المتبقي للملك سلمان، والأمير محمد بن نايف، ابن شقيق سلمان الذي كان وريث العرش حتى الإطاحة به في عام 2017 لصالح محمد بن سلمان. وايضا اعتقال وزير الداخلية. وقد تم الترويج أن سبب الاعتقال هو اتهامهم بمحاولة تنظيم انقلاب ضد بن سلمان، الحاكم الفعلي للبلاد. وفي اليوم التالي، امتدت الاعتقالات إلى عشرات من مسؤولي وزارة الداخلية وكبار ضباط الجيش وغيرهم، بمن فيهم الأمير نايف بن أحمد، وهو رئيس المخابرات العسكرية السابق. وقد تم إطلاق سراح وزير الداخلية عبد العزيز بن سعود بن نايف ووالده الأمير سعود بن نايف في وقت لاحق بعد استجوابهم من قبل جماعة بن سلمان. وذكرت وكالة بلومبيرغ أن الاعتقالات ربما كانت تهدف إلى إحباط أي تذمر من تراجع أسعار النفط وتأثيرها على الاقتصاد السعودي.
ويذكر أن بن سلمان واجه انتقادات داخل الأسرة الحاكمة في أعقاب الغضب الدولي بسبب قيام عملاء سعوديين بناء على أوامر من بن سلمان باغتيال جمال خاشقجي داخل القنصلية السعوودية باستنبول عام 2018، إلى جانب شنه حربا لم تتوقف منذ خمس سنوات على اليمن، والتي أسفرت ليس فقط عن تدمير هائل للبنية التحتية اليمنية وقتل وجرح مئات الآلاف من اليمنيين بل تعرض السعودية وبنيتها التحتية النفطية لهجوم كبير العام الماضي والتي أعلن الحوثيون عن مسؤوليتهم عنها.
–محمد دلبح -واشنطن