
لوبوان- سفيان رجب
اختفاء يفعات تومر يروشالمي لساعات ثم توقيفها ووضعها رهن الحجز اثار زوبعة اعلامية وسياسية داخل اسرائيل وخارجها. المدعية العامة العسكرية اعترفت، بحسب تقارير، بالمسؤولية عن تسريب تسجيل فيديو من معتقل سدي تيمان يظهر جنودا يعتدون على اسير فلسطيني وتسببه باصابات خطيرة، الامر الذي ادى الى استقالتها ثم الى تحقيقات جنائية ضدها.
اسباب الاختفاء وخلفياته
من الوقائع اللافتة ان السيارة الخاصة بها عثر عليها قرب احد شواطئ تل ابيب مع رسالة وداع قصيرة، مما دفع السلطات الى فتح عملية بحث واسعة خشية ان تكون هناك محاولة انتحار او اختفاء قسري. وقد تم العثور عليها لاحقا واعتقالها للتحقيق بتهم تتعلق بتسريب معلومات رسمية، عرقلة تحقيقات، وانتهاك واجبات الوظيفة. هذا المشهد يعكس ضغطا نفسيا وسياسيا هائلا واجهته المسؤولة القانونية بعد اعلانها عن تسريب مواد تعرض المؤسسة العسكرية لموجة سخط وعناوين اعلامية دولية.
هل المشكلة في التسريب ام في محتوى الفيديو؟
هذا هو محور النقاش الرئيسي، فهل الخطأ والجريمة تتمثل في كشف الفيديو ام في محتواه والانتهاكات المصورة نفسها؟ من جهة، يرى مؤيدو الاجراءات الامنية والسياسيون اليمينيون ان تسريب مواد سرية يضر بالمصلحة الأمنية للكيان الغاصب ويعرقل التحقيقات الداخلية ويعرض جنودا ومصادر للخطر، ومن هنا جاءت ادانة التسريب ومطالبات بالمساءلة.
من جهة اخرى، يعتبر المدافعون عن حقوق الانسان والمنطق نفسه ان القضية الحقيقية ليست تسريب الفيديو بل ما يظهره الفيديو من اعتداءات وحشية وادعاءات واعتداء جنسي على اسير ادت الى اصابات داخلية وخارجية خطيرة. هؤلاء يرون ان كشف الفيديو كان وسيلة نادرة للإدانة وللحاجة الى تحقيق مستقل وشفاف.
التسريب والمساءلة
الاختيار بين ادانة فعل التسريب او ادانة الفعل الموضوعي غير معقول اخلاقيا وقانونيا. فسريب وثيقة رسمية يمكن ان يكون مخالفة اجراءات ادارية وجنائية، لكن المهم اكثر ان هناك ادلة على تعرض بشر لأفعال تشكل جرائم خطيرة (ضرب، كسور، تمزق داخلي في المستقيم بحسب لائحة الاتهام)، وهذا يجعل من تسريب الفيديو عملا كشف جريمة و محاولات التستر عن جرائم في مرافق احتجاز. والسؤال الذي يطرح هنا: هل ادى التسريب فعلا الى تحريك ادارة العدالة لمعاقبة مرتكبي الانتهاكات، ام انه استخدم سياسيا لاحقا لتشويه صورة مؤسسة الادعاء العام؟ الواقع مزيج من الاثنين: فتح تحقيقات وتوجيه اتهامات الى جنود، لكن ايضا اندلاع حملة تشويه وتهديدات ضد من كشف الامر.
ابعاد سياسية واجتماعية
القضية تبرز توتر عميق بين اجنحة المجتمع الاسرائيلي: بين من يطالب بحماية الجنود وتغطية الدولة، وبين من يطالب بمساءلة صارمة للمسؤولين عن الانتهاكات حتى لو كان ضحاياها من الفلسطينيين. الحكومة والكتل اليمينية استغلت الحادث لتجريم المسارين ولطعن مصداقية الاجهزة القضائية والعسكرية التي تصدر بيانات او قرارات لا ترضي القاعدة السياسية. بالمقابل، منظمات حقوق الانسان الدولية والداخلية تضغط لفتح تحقيقات مستقلة وشفافة عن ممارسات الاحتجاز. هذا التوتر يفسر شدة رد الفعل على تصرف تومر يروشالمي وسبب اختفاء الضغوط عليها.
تبعات قانونية ودولية
توقيف مسؤولة قانونية رفيعة المستوى يثير اسئلة حول استقلالية أجهزة الادعاء والعسكرية الإسرائيلية وقدرتها على حماية من يتولى تطبيق القانون داخل المؤسسة نفسها. كما ان انتشار فيديوهات توثق انتهاكات يمكن ان يضاعف الضغط الدولي ويؤثر على ملفات قضائية محتملة ضد مسؤولين اسرائيليين في محاكم دولية او في اطار طلبات تحقيقيات دولية. بالتالي، النقاش لا يقتصر على داخل اسرائيل بل له تبعات ديبلوماسية وحقوقية.
فالمسؤولية مزدوجة، هناك خطا قانونيا في تسريب وثائق سرية، لكن لا يمكن تجاهل ان محتوى الفيديو يكشف انتهاكات خطيرة تستدعي مساءلة جنائية مستقلة. كما أن الاجراءات السياسية ضد المسربة قد تعكس رغبة في حماية المؤسسة اكثر من السعي الى تحقيق العدالة الكاملة، ما يضع العملية القضائية تحت ضغوط سياسية.




