لوبوان تي أن ꞉
تمت في الفترة الأخيرة إحالة ملفات تخص المتهمين في أحداث الثورة من المحكمة العسكرية إلى الدوائر القضائية المتخصصة وقد أثار هذا الموضوع العديد من الإشكالات بين مشروعية هذه الاحالات التي تمت من طرف هيئة الحقيقة والكرامة على الدوائر المتخصصة بالعدالة الانتقالية وكذلك من الناحية القانونية هل يجوز قانونا محاكمة نفس الشخص مرتين على نفس الفعل؟وهل أن الإحالة على المحاكم التي مت بعد انتهاء المدة القانونية لعمل الهيئة جائز قانونا ؟هذه التساؤلات التي تشغل بال الرأي العام التونسي اجاب عنها السيد زهير مخلوف نائب الرئيس السابق لهيئة الحقيقة والكرامة والذي امدنا بهذه المعطيات الضافية والتي أكد ضمنها أن هذه الاحالات غير سليمة من ناحية الشكل والاصل وهي باطلة لان هناك عدة خروقات قانونية وهي مخالفة للاتفاقات الدولية المنصوص عليها بالفصل 8 من القانون الأساسي عدد 53 المنظم للعدالة الانتقالية ꞉
أولا ꞉الانتهاكات الجسيمة على معنى الاتفاقيات الدولية بين الفهم الخاطئ والتأويل المدجّن إذ تمّت إحالة القضايا الخاصة بشهداء وجرحى الثورة الى الدوائر القضائية المتخصّصة باعتبارها انتهاكات جسيمة تفسّرها الاتفاقيات الدولية والمقصود من الاتفاقيات الدولية “نظام روما الأساسي”وبالتحديد المادة عدد 7 منه التي تضبط مدلول “الجرائم ضد الانسانيّة والتي تعرّفها على أنها الأعمال التي يشكل أي فعل من الأفعال التي نصّ على بعضها القانون الأساسي عدد 53 في فصله الثامن كالقتل والاغتصاب والتعذيب والإخفاء القسري”جرائم ضد الإنسانية ” متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، ويحصل عن علم بالهجوم”ونحن نعلم أن المحكمة العسكرية بعد 7 سنوات من البحث والتقصي قد وَجّهت في طورها الاستئنافي في افريل 2014 تهمة عدم الاستنجاد القانوني لكل المتهمين وحكمت عليهم ب 3 سنوات سجنا وحكمت بعد التعقيب على المتهمين بأحكام تراوحت بين عدم سماع الدعوى و5سنوات و8 سنوات وذلك في 13ماي2018 لأجل المشاركة في القتل العمد المجرد ، وهو ما لا يمكن اندراجة في خانة التعريف المنصوص عليه في نظام روما الأساسي الذي يختص وحده بإمكانية تكرار المحاكمة ولكن بشرط أن ترقى الأعمال إلى مستوى الجرائم الجسيمة الممنهجة والموجهة والمتعمّدة والواسعة والمعلومة.
وكان الأجدر بالهيئة أن تتأكد من صنف الجرائم ليتأكد بعدها التخصّص من عدمه ولتنضبط الدعوى ونوع التهم المضمّنة بالفصل 8 و9 من القانون الأساسي وتتلاءم مع الاتفاقيات الدولية.
وإذا تتبّعنا الأطوار الإستقرائية والأطوار الحكميّة بالمحكمة العسكرية يتأكد لدينا عدم اندراج الأفعال في خانة الجرائم الجسيمة التي توجب تكرار المحاكمة بالضرورة. ويتأكد بذلك تقصير الهيئة في عملية التقصّي والتحقيق وبالتالي تتأكد معها بطلان الإحالة وتكرار المحاكمة بسبب نوع الجريمة المجترحة وسوء تكييفها وعدم اختصاص الدوائر فيها أيضا .
ثانيا ꞉ غائيّة عدم سقوط الدعوى بمرور الزمن وامكانيّة اتصال القضاء المجدد قيها:
إن القانون الأساسي عدد 53 المنظم للعدالة الانتقالية في روحه العامة وفي فصله الثامن وفصله 42( في موضوعيْ اتصال القضاء وعدم سقوط الدعوى بمرور الزمن)قد استحضر محاسبة الذين اجترحوا الجرائم الجسيمة في عهد استبداد استحال معه إنصاف الضحايا وعدم التمكّن من إثارة الدعاوى وعدم توفر شروط المحاكمة العادلة، وهو أمر لم يعد قائما في ظروف وحيثيات وأوضاع ما بعد الثورة. ولو حصل تكرار المحاكمات التي تم الحسم فيها بالمحكمة العسكرية بعد ماراطون سبع سنوات من التقاضي فإنّ ذلك قد يمُسّ جديّا من سلطة القضاء وينال من حرفية القضاة ويمكن اعتبار إعادة المحاكمة حينها بمثابة محاكمة القاضي لزميله أو أنّها استخفاف كامل بالأعمال التي تمّت في الأطوار الاستقرائية وفي الأطوار الحكمية كما أنه استهداف مباشر لمرفق العدالة كلّه.
ثالثا ꞉لاختصاص الدستوري الحصري للمحاكم العسكرية:
منح الدستور كامل الصلاحيات للمحاكم العسكرية الموكولة إليها حقّ استكمال النظر في الملفات طبق القوانين سارية المفعول الى حين تنقيحها بما يتماشى مع أحكام الفصل 110من الدستور وهو ما يتيح لها احتكار حسمها الملفات المحالة عليها لحين ختم أطوارها نهائيا.وقضية الحال ما تزال على أنظار التعقيب بالمحكمة العسكرية ولا يصح فيها خرق الفصل 149 من الدستور الذي ينصّ على أنه “تواصل المحاكم العسكرية ممارسة الصلاحيات الموكولة لها بالقوانين السارية المفعول إلى حين تنقيحها بما يتماشى مع أحكام الفصل 110 منه”.
رابعا ꞉ وجوب توفّر المحاكمة العادلة في القضايا المُحالة :
إن الاتفاقيات الدولية منعت تصنيف الانتهاكات الجسيمة كجرائم ضد الانسانيّة التي يمكن تكرار المحاكمة بشأنها “في هذه الحالات – إذا كان على الشخص التزام قانوني بإطاعة أوامر الحكومة أو الرئيس المعني ” و ” – إذا لم يكن الشخص على علم بأن الأمر غير مشروع ” وفي قضية الحال فإن القوانين المنظمة وبصفة خاصة القانون عدد 4 لسنة 1969 يطالب القوات الحاملة للسلاح التدَخّل لفكّ التجمهر الليلي والمظاهرات ولكن باعتماد سياسة التدرّج في المواجهة كما التوازي في استعمال القوة وعدم الإفراط فيها بل إن هذا القانون يعتبر التدخل لفك التجمهر المسلّح وغيره أمرا مشروعا ولكن بشروطه الواجبة ويوجب المحاكمة فقط ولكن بدون تكرار أو اتصال ثانٍ بالقضاء وهذا في حال حصول إسراف متعمّد في استعمال القوة.
ولا تُدْرِجُ الاتفاقيات الدولية مثل هذه الأعمال كجرائم جسيمة بل تَضع حدودا لمثل هذه الاستثناءات .وهو ما يقودنا الى عدم جواز تكرار المحاكمة بأي حال من الأحوال الأمر الذي يجعل إعادة الإحالة للدوائر القضائية المتخصصة باطلة شكلا ومضمونا ومخالفة للاتفاقيات الدولية المذكورة في الفصل 8 من القانون الأساسي عدد 53 المنظم للعدالة الانتقالية .
هاجر وأسماء