حزب الله من الاستنزاف بالنار إلى الاستنزاف بالصبر

لوبوان تي آن- كتب حامد بن ابراهيم*
اليوم الثاني بعد عملية طوفان الأقصى نفذت المقاومة اللبنانية عملية قصف في مزارع شبعا ردت على إثرها اسرائيل وانطلق ما عرف آنذاك بحرب الإسناد. اسرائيل التزمت في إطار مناورة بحدود المواجهة وقبلت لقرابة سنة بتكلفة الاستنزاف بالنار المحدود من تهجير لسكان منطقة الشمال وخسائر متقطعة في الجنود والهدف كان عدم الدخول في حرب إلا عندما تختار الوقت المناسب كي تتحكم في التبعات والخسائر وهذا ما تم نسبيا عندما قامت بعدوانها بالپيحر والقصف الجوي و الاغتيالات رغم أن المعركة البرية لم تكن نزهة لجنودها وانما مقتلة موصوفة .
الان انقلبت الصورة وأصبحت اسرائيل هي التي تمارس نفس الشيء مع المقاومة بتوجيه ضربات متقطعة في إطار استنزاف بالنار إلا أن المقاومة لا ترد والبعض يتساءل عن السبب وعن الحسابات وراء هذا . الجواب على هذا السؤال الذي يبدو ظاهريا عملياتي عسكري إلا أنه عقائدي بالأساس. فالوضع هو مزيج بين “واعدوا لهم ما استطعتم…” و “ولا ترموا بأنفسكم إلى التهلكة…” و”والكاظمين الغيض …” ففي هذه المرحلة الصبر على الاعتداءات المحدودة أقل تكلفة بكثير من مواجهة مفتوحة ويعزز المظلومية التي تحتاجها المقاومة للرد بلا هوادة عند حلول موعد الرد . من جهة أخرى فإن تغير الوضع في سوريا وانسحاب شق كبير من المجتمع السني من جبهة الإسناد المجتمعي التي تحتاجها المقاومة في حال التهجير أو النزوح الداخلي يحتم ترتيب ظروف المدنيين بحسابات دقيقة من حيث معرفة المناطق التي يمكن الاحتماء بها والموارد المستحقة لمدة لا تقل عن الشهر في المواجهة القادمة. أما بالنسبة للوضع السياسي فلا يمكن للمقاومة أن ترد على إسرائيل الا بعد التأكد من غرقها العملياتي في غزة وتشتتها بين سوريا والضفة وتعمٌُق الشرخ الداخلي بين أنصار نتنياهو ومعارضيه وخاصة جبهة عائلات الجنود والأسرى. ويعتبر انهاء ملف السلاح والنقاش الداخلي حوله في الداخل مسألة محورية بالنسبة للمقاومة وهي المستفيد من الأخذ والرد في الموضوع لأنه يحوٌل النقاش الداخلي من الحديث عن الهزيمة إلى النقاش حول إدارة عناصر القوة ويقوي ضبابية المشهد بالنسبة لحجم القدرات المتبقية أو التي بنيت من جديد حسب قراءة جديدة لطبيعة التحديات. وقد أظهرت المعركة أن الصراع مع إسرائيل لا يحتاج بالضرورة إلى صواريخ من لبنان وانما إلى مسيرات مختلفة الأحجام ولعل الحرب القادمة ستكون معركة الأسراب التي تُشل أنظمة الدفاع الجوي ولا تحتاج لا لمال كثير للتصنيع ولا لمخازن كبيرة لإخفائها شبيها بضربة اوكرانيا في العنق الروسي خاصة إذا استهدفت مواقع بطبعها تضاعف التفجير وخزانات الوقود , ولذلك ستأتي لحظة يهدي فيه حزب الله الأنفاق والقواعد للجيش اللبناني لأن حاجتها العملياتية قد انتفت وهذا يعرفه بعض الحكماء في المشهد السياسي ولا يذكرونه في إطار الغموض التكتيكي. كما يتزايد الاحتمال بأن المقاومة اللبنانية والفلسطينية بصدد حفر العمق الإسرائيلي استعدادا للمواجهات القادمة التي ستكون جوفية ولا ينفع معها الطيران والاستطلاع الرقمي. الخلاصة هو أن حرب الإسناد كانت استنزاف بالنار وهذه المرحلة هي استنزاف سلبي والايام حبلى بالمفاجآت .
- ديبلوماسي سابق