لوبوان تي ان :
استغل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي موقع بلاده كشريك رئيسي لكيان العدوان الصهيوني في جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها في غزة لتأمين سلسلة من عمليات الإنقاذ من أسوأ أزمة اقتصادية تواجهها مصر منذ نحو 60 عاما بما يترافق معها من توترات أجتماعية، وتشمل هذه السلسلة اتفاقيات منح وقروض من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي وبعض دول الخليج العربية التي تصنف كحلفاء للنظام المصري.
في نهاية الأسبوع الماضي، ذهبت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى القاهرة، إلى جانب قادة من النمسا وبلجيكا وقبرص واليونان وإيطاليا، لتوقيع اتفاق مع نظام السيسي. والغرض من هذه المبادرة، التي وصفت بأنها “حزمة مساعدات” بقيمة 8.1 مليار دولار، المساعدة في دعم اقتصاد من توصف بأنها أهم دولة عربية، والتي من شأن انهيارها أن يزعزع استقرار المنطقة ويعجل بتدفق أعداد كبيرة من المهاجرين إلى أوروبا.
وتستضيف مصر نحو 10 ملايين مهاجر من المنطقة بينهم 450 ألف شخص فروا من الحرب الأهلية المستمرة منذ 11 شهرا في السودان المجاور.
وفيما يتعلق بملف الهجرة، يشترط الاتحاد الأوروبي منع المهاجرين من عبور البحر المتوسط، وهو ما انعكس في وجود نحو 800 مليون يورو موزّعة ما بين منح ومساعدات للتعامل مع هذا الملف، إلى جانب 1.8 مليار يورو كاستثمارات إضافية، ضمن الخطة الاقتصادية والاستثمارية لدول الجوار الجنوبي. وعلى خط مواز، ستحظى استضافة اللاجئين في مصر بدعم أوروبي من ناحية التمويل، فيما سيعزز الأوروبيون مع القاهرة برامج عدة، من شأنها أن «تتيح» هجرة شرعية للراغبين في مغادرة البلاد إلى العواصم الأوروبية، عبر مسارات قانونية وبما يتلاءم مع احتياجات الدول المختلفة عبر اتفاقيات ثنائية.
ويشمل تمويل الاتحاد الأوروبي 5.45 مليار دولار من القروض الميسرة و2 مليار دولار من الاستثمارات في الطاقة المتجددة والتجارة و”الأمن” – أي دعم قوات الأمن المسلحة المصرية – على مدى السنوات الثلاث المقبلة. ويظهر من المعلومات التي تسربت أن التمويل والدعم الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي مشروط، على جري العادة، بخطة «إصلاحات» اقتصادية متكاملة تتضمن إجراء تعديلات هيكلية تعزز الاستثمار الأجنبي المباشر.
وفيما لا تُعرف تفاصيل ما تضمّنته الاتفاقيات بشكل واضح، إلا أنها تشمل على المستوى الاستثماري والتجاري، تنفيذ مشاريع داخل مصر خلال الفترة المقبلة.
تضرر الاقتصاد المصري، الذي كان في حالة تدهور منذ عقود، بشدة من جائحة كورونا (كوفيد-19) التي أدت إلى تراجع السياحة، التي تشكل عوائدها نحو 15 في المئة من دخل البلد، وأدت إلى عودة العمال من الخليج وفقدان تحويلاتهم المالية، مما أدى إلى تضخم صفوف العاطلين عن العمل. وقد تفاقم هذا بسبب اندلاع حرب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ضد روسيا في أوكرانيا مما أدى إلى ارتفاع تكلفة الواردات الزراعية، وخاصة القمح والذرة وزيوت الطهي، و أدى الاثنان معا إلى تدفق 20 مليار دولار من رأس المال المضارب – أكثر من نصف جميع الأموال الساخنة المستثمرة في البلاد – سعيا للحصول على معدل فائدة أعلى.
أدت الحرب في غزة إلى مزيد من الانخفاض في السياحة وانخفاض كارثي بنسبة 50 في المئة في عائدات قناة السويس حيث تجنبت السفن طريق البحر الأحمر في أعقاب الهجمات التي يشنها الجيش اليمني على السفن التجارية المرتبطة بكيان العدوان الصهيوني وداعميه الولايات المتحدة وبريطانيا. وقد أضر هذا بالصناعات التحويلية والأدوية والمنسوجات في مصر.
كما أثرت الحرب على سوق الطاقة، حيث انخفضت إعادة تصديرها من الغاز بأكثر من 50 في المئة في الربع الأخير من عام 2023 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022.
تفاقمت المشاكل الاقتصادية في مصر بسبب مشاريع السيسي العملاقة غير المنتجة، بما في ذلك توسيع قناة السويس التي سميت (تفريعة القناة) بقيمة 8 مليارات دولار، والتي لم تتحقق إيراداتها المتزايدة الموعودة. استثمار 300 مليار دولار في الطرق والموانئ والسكك الحديدية الجديدة؛ برنامج ضخم لإعادة التسلح؛ وعاصمة إدارية جديدة بقيمة 58 مليار دولار قيد الإنشاء منذ عام 2015 – في الصحراء ، على بعد 28 ميلا من أي انتفاضة شعبية قد تنفجر مستقبلا في القاهرة.
ونتيجة لذلك، تنفق مصر 32.79 مليار دولار، أي أكثر من نصف ميزانيتها، على خدمة الدين. وكان المستفيدون هم الشركات المرتبطة بالجيش التي تهيمن على الاقتصاد المصري والجيش الذي يسيطر الآن على ربع الميزانية.
البطالة والعمالة الناقصة والغضب من نقص التعليم وخدمات الرعاية الصحية منتشرة على نطاق واسع. ويعيش نحو 30 في المئة من سكان مصر البالغ عددهم 108 ملايين نسمة تحت خط الفقر بينما يترنح 30 في المئة آخرون على حافة الهاوية. مصر ، التي كانت ذات يوم القوة البارزة في المنطقة والتي كانت حتى في أواخر ستينيات القرن العشرين أكثر ازدهارا من كوريا الجنوبية وتايوان ، لديها سادس أدنى نصيب للفرد من الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة ورابع أدنى معدل معرفة القراءة والكتابة.
يحافظ السيسي على حكمه بقبضة حديدية أسوأ بكثير من حكم سلفه حسني مبارك. وقتل مئات المعارضين السياسيين في العقد الأخير من حكمه وسجن 65 ألف معتقل سياسي في السجون المصرية، وكثير منهم دون تهمة أو محاكمة، حيث يتعرضون للتعذيب. وحكم مؤخرا بالإعدام على ثمانية من كبار زعماء المعارضة.
وتخضع وسائل الإعلام المستقلة للرقابة، ويتعرض الصحفيون الدوليون للاعتقال، حيث سحبت جميع وسائل الإعلام الغربية مراسليهافيما يتم قمع جميع الإضرابات والاحتجاجات بوحشية.
وسط مخاوف بشأن “أمن” مصر، تتجنب القوى الأوروبية توجيه انتقاداتها المنافقة لانتهاكاته لحقوق الإنسان. وهم يخشون من أن الهجوم البري الذي يهدد كيان العدوان الصهيوني القيام به على مدينة رفح جنوب غزة على الحدود المصرية، والذي قد يجبر مئات الآلاف من الفلسطينيين على اقتحام شبه جزيرة سيناء المصرية، قد يكون القشة التي تقصم ظهر البعير.
نظام السيسي مشارك أساسي على غرار الحكومة الأميركية في الإبادة الجماعية، فقد أغلقت الحدود الجنوبية لغزة وينسق عن كثب إجراءاته مع كيان العدوان الصهيوني الإجرامي في حصار تسليم المساعدات وبناء حظيرة احتجاز مؤقتة للفلسطينيين إذا اخترقوا المعبر الحدودي.
ويأتي اتفاق الاتحاد الأوروبي في أعقاب قرار البنك المركزي المصري برفع أسعار الفائدة بنسبة غير مسبوقة بلغت 6 نقاط مئوية وتعويم الجنيه، مما تسبب في انخفاض العملة بنسبة 60 في المئة وارتفاع تكلفة السلع المستوردة. وافقت الحكومة على خصخصة شركاتها المملوكة للدولة وخفض إنفاقها على مشاريع البنية التحتية والرعاية الاجتماعية. هذه الإجراءات هي جزء من حزمة من “إصلاحات السوق” التي تم إجراؤها مقابل قرض بقيمة 5 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى 3 مليارات دولار تم الاتفاق عليها في ديسمبر 2022. ويأتي هذا القرض الإضافي على الرغم من أن صندوق النقد الدولي حجب الأموال العام الماضي بسبب مخاوف بشأن سوء استخدام الحكومة وسوء إدارتها.
المزيد من المال في الطريق. فقد أعلن البنك الدولي يوم الاثنين ، أنه سيقدم لمصر أكثر من 6 مليارات دولار من المساعدات المالية على مدى السنوات الثلاث المقبلة “لمساعدتها على تحقيق أهدافها التنموية”.
وبالنتيجة، يُقدر إجمالي ما سيدخل إلى الحكومة المصرية بنحو 20 مليار دولار، و6 مليارات دولار من «البنك الدولي»، وتمويلات إضافية من إنكلترا واليابان بقيمة تصل إلى أكثر من مليار دولار.
ويضاف إلى هذه القروض والمنح، بيع القاهرة الشهر الماضي حقوق تطوير منتجع رأس الحكمة الساحلي على البحر الأبيض المتوسط إلى الإمارات العربية المتحدة مقابل 35 مليار دولار، والتي توصف بأنها أكبر صفقة لمصر على الإطلاق، مع دفعة أولى فورية من الإمارات العربية المتحدة بقيمة 10 مليارات دولار. وبموجب الاتفاقية، سيقوم صندوق الثروة السيادية الإماراتي بتطوير المنتجع الذي سيشمل فنادق ومشاريع ترفيهية ومناطق مالية وتجارية بالإضافة إلى مطار جنوب المدينة.
ويجري صندوق الاستثمارات العامة السعودي وجهاز قطر للاستثمار محادثات لتطوير صفقات مماثلة.
تشير هذه الصفقات مع نظام السيسي إلى الطبيعة الحقيقية للمناقشات بين حكومة الرئيس الأميركي جوزيف بايدن ومصر ودول الخليج التي تجري تحت غطاء المفاوضات لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة في غزة. ويدور الجدل حول كيفية منع انهيار أكبر دولة وأكثرها أهمية من الناحية الاستراتيجية في الوطن العربي في الوقت الذي تهدد فيه العدوان الصهيوني على غزة الاستقرار الإقليمي.
محمد دلبح -واشنطن –