تونس بين التحديات الداخلية والضغوط الخارجية: السيادة ليست محلّ مساومة

تونس-لوبوان تي آن- كتب غسان الصديق
منذ أسابيع، عاد الجدل حول العلاقة بين تونس والولايات المتحدة الأمريكية إلى الواجهة، على خلفية مشروع قانون، معروض بصفة منفردة وتحت ضغوطات ووصاية ودفع، على الكونغرس الأمريكي يتناول الوضع السياسي والحقوقي في تونس، فيما اعتُبر من قبل جل الفاعلين السياسيين والحقوقيين وحتى عامة الشعب بأنه تدخلا سافرا في الشأن الداخلي ومساسا من السيادة الوطنية.
إن موقف الدولة التونسية كان دائما وعلى مدى عقود واضحا وصريحا في هذا الصدد، العلاقات الدولية تبنى على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، ولا يمكن قبول منطق الإملاءات أو الوصاية تحت أي ذريعة كانت. فالقانون الذي يناقشه المشرعون الأمريكيون يتجاوز حدود العلاقات الثنائية ليحاول رسم ملامح السياسة الداخلية لبلادنا، وهو أمر مرفوض قطعا.
السيادة خط أحمر
لقد دفعت تونس ثمنا غاليا عبر تاريخها من أجل الاستقلال وبناء دولة وطنية سيّدة على قرارها، ولن تقبل اليوم أن تتحول إلى ملف على طاولة برلمانيين أجانب يحددون لها كيف تدار شؤونها. فالتجربة الديمقراطية، رغم تعثراتها وتحدياتها الاقتصادية والاجتماعية، هي شأن تونسي داخلي تعالج تناقضاته داخل المؤسسات الوطنية وبالحوار بين مختلف مكوّنات المجتمع، لا عبر قوانين أجنبية ذات طابع وصائي حتى لا نقول استعماري.
ازدواجية المعايير
الملفت أنّ مشروع القانون الأمريكي يتجاهل القيم العالمية الحقيقية للحرية والسيادة، ويعكس ازدواجية واضحة في التعامل مع دول الجنوب. فحين يتعلق الأمر بدول أخرى ترتبط بمصالح استراتيجية أو اقتصادية مع واشنطن، يغيب خطاب “الديمقراطية” و”حقوق الإنسان”، بينما يستعمل مع تونس كأداة ضغط سياسي. وهذه المقاربة لا تساهم سوى في توتير العلاقات وإضعاف الثقة بين الشعوب.
التونسيون يرفضون الوصاية
ما يميز ردود الفعل التونسية، سواء من مؤسسات الدولة أو من المجتمع المدني، هو الإجماع حول رفض أي تدخل خارجي. فالإشكاليات المطروحة أمام البلاد من إصلاحات اقتصادية إلى استحقاقات سياسية هي قضايا وطنية، والتونسيون وحدهم قادرون على حلها عبر الحوار والبناء المشترك. أما محاولات التأثير الخارجي، فهي لا تزيد إلا في تأجيج الانقسام الداخلي وتغذية الشكوك حول نوايا الأطراف الدولية وخاصة منها المرتبطة بجهات منها حتى “وطنية” معروفة بعدائها للدولة التونسية.
نحو شراكة قائمة على الاحترام
إن تونس، بما لها من موقع استراتيجي وتجربة سياسية متفردة في المنطقة، وأولى الديمقراطيات الناشئة، ليست ضد الانفتاح أو التعاون مع الشركاء الدوليين، لكنها ترفض أن يكون ذلك على حساب استقلال قرارها الوطني وسيادتها. والمطلوب اليوم هو بناء شراكات متوازنة تقوم على التنمية والاستثمار ودعم قدرات الشباب والاقتصاد، لا على سياسات الإملاء أو التدخل.
إنّ مشروع القانون الأمريكي يشكل اختبارا جديدا لمدى تمسك التونسيين بسيادتهم وحقهم في تقرير مصيرهم. وإذا كانت الولايات المتحدة ترغب فعلا في دعم الديمقراطية، فإن الطريق لذلك يمر عبر احترام خيارات الشعوب وتطلعاتها، لا عبر فرض أجندات سياسية من خارج الحدود. فلتونس تاريخ عريق في مقاومة كل أشكال الوصاية، وستظل قادرة على الدفاع عن استقلال قرارها مهما كانت الضغوط…وهذه رسالة واضحة صادرة لبست فقطمن السلطة بل من كل فرد وطني غيور على بلاده من بين الـ12 مليون تونسي.