لوبوان تي آن:
ليس من الصدفة مطلقا ان يرحل المفكر الكبير هشام جعيط يوم إحياء ذكرى عيد النصر ( تاريخ عودة الزعيم الحبيب بورقيبة مظفرا إلى ارض الوطن في 1جوان 1955) ، فطريق العباقرة ، حتى وإن تعددت تعرجاته ، ينتهي دوما بالتلاقي ، وبين الحبيپ بورقيبة وهشام جعيط العديد من محطات التلاقح الخصب ، رغم انهما كانا دوما في معترك منطق الصراع الخصب بين السياسي والمفكر ، اي بين سلطة الحكم وسلطة الفكر . كان اول لقاء مباشر بين الرجلين في سنة 1966 ، إثر صدور مجلة الفكر في عدد خاص بواقع ومستقبل الإسلام في تونس ، شارك فيه العديد من كبار الكتاب والمفكرين التونسيين في ذاك العهد ، كمحمد مزالي والبشير بن سلامة والعربي عبد الرزاق ومحمد الطالبي والفاضل بن عاشور والحبيب بلخوجة وغيرهم ، وكان الشاب هشام جعيط قد افرد ذاك العدد بدراسة عميقة أعجبت الزعيم فٱستدعى هشام جعيط إلى مكتبه ، فكان لقاء الزعيم المفكر بالكاتب المعارض له . إرتمى هشام جعيط ، بنرجسيته الإبداعية المبهرة ، على الكرسي الوثير ، مستفزا النرجسية القيادية المعهودة للرئيس الحبيب بورقيبة ، الذي فهم ، بنباهته العالية ، الرسالة جيدا وتعاطى مع ضيفه على خلفية ما تحمله من دلالات الصراع الشرعي بين الرجلين . شكر بورقيبة المفكر الشاب على دراسته مكبرا فيه عمق نظرته الإستشرافية ، وبعد أن خاضا في المسألة الدينية بمرجعية تنويرية يتبنيانها بإيمان راسخ ، سال بورقيبة هشام جعيط رأيه في محاولاته الإصلاحية بخصوص بعض المسائل المعقدة كتعدد الزوجات والصيام في شهر رمضان ، خاصة عندما تكون البلاد في أزمة إقتصادية خانقة ، والمساواة في الإرث ، فكانت إجابة المفكر الشاب مربكة لبورقيبة ، إذ قال له بجراة :” الإصلاح السياسي والإجتماعي مهمة القائد السياسي بل واجبه الأهم لكن أركان الدين ثابتة لا يمكن زعزعتها ” ! بعد خمسين سنة بالتمام ، وتحديدا سنة 2016 ، سألت هشام جعيط ، وكنت مديرا عاما للمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون الذي كان يرأسه في تلك الفترة ، عن الصورة التي مازالت عالقة بذهنه نتيجة ذاك اللقاء ، فأجابني بكل وضوح ودقة :” إكتشفت منذ الوهلة الأولى ان بورقيبة يسعى إلى احتوائي فأظهرت له أني عصي على الإحتواء ” ، وأضاف مستدركا :” إختلفت مع بورقيبة وعارضته ولكني لم أشكك يوما في شرعيته وزعامته وعبقريته ” .
مصطفى عطية