لوبوان تي آن- تسرب محسن مرزوق الى صدارة المشهد السياسي من تخومه دون ان يكون غريبا عنه. فارتباط مؤسس “مشروع تونس” بالشان العام يعود الى سنوات التعليم الثانوي و قد تعددت مداخل الوعي بهذا الشان اذ تجاور حب الفنون بالتمكن من الفلسفة و الشغف به. و بما ان في الامر شغفا و لان القلب في اليسار فان محسن مرزوق الشاب كان يساريا و ماركسيا و ان لم يتاثر في تلك الفترة كثيرا بتحاليل ماركس الشاب . و اذا كانت مرحلة التعليم العالي قد كرست الاستمرارية من حيث الانتقال من “النضال التلمذي” الى “النضال الجامعي” و تخللها “دفع ضريبة النضال ” من خلال الالتحاق بمحتشد “رجيم معتوق” فان دخول معترك الحياة العملية قد تميز بقطع محسن مرزوق مع المسار التقليدي للمثقف اليساري الملتزم . ففي حين كان الرفاق يفضلون في اغلب الاحيان العمل النقابي او الحقل الثقافي او ساحة العمل السياسي ولى الباحث الاجتماعي الشاب وجهته الى مجال مستجد في بلادنا و هو المؤسسات ذات البعد الاقليمي و الدولي التي تعنى بالمجتمع المدني . اختيار يبقى من وجهة نظر خصومه مدخلا لعدة انتقاذات لا تخاو احيانا من “اتهامات صريحة او مبطنة” و لكنه ابعده عن اتون المعارك السياسية المباشرة و من الاحتراق بنيرانها الحارقة و اتاح له اثراء رصيده ب”بطاقات زيارة ” ليس من اليسير الحصول عليها و ساهمت طلاقته و سلاسة تنقله بين ثلاث لغات على الاقل الى جانب وسامته في دعمها و تطويرها . و مع رحيل زين العابدين بن علي وجد محسن مروزق نفسة لاعبا له “ملمحه الخاص” في ملعب سياسي مفتوح على كل الاحتمالات . ذلك انه لم يكن عرضة لقمع النظام السابق و هو ما حرره من كل رغبة حتى و ان كانت لاواعية في “الانتقام ” و لم يقترب باي شكل من الاشكال من هذا النظام و هو ما يجعله بعيدا عن تحمل اعباء اخطاءه. و يعتبر عامل السن احد اهم مكونات هذا “الملمح الخاص” اذ كان محسن مرزوق سنة 2011 شابا يافعا في فضاء عاد اليه معاصرو بورقيبة و معارضو بن علي رغبة منهم في اللحاق بالوقت الضائع . اختار محسن مرزوق و هو الذي كرس وقتا لدراسة “تجارب الانتقال الديمقراطي” ان لا يلتحق بحزب او ان يفتح واحدا من “الدكاكين السياسية ” التي انتشرت كالفقاقيع . كرس جهده لاثراء “العمل السياسي الموازي” من خلال المساهمة في تاسيس المجلس التاسيسي الموازي كفضاء حوار مواطني . و لكن ظهور الباجي قائد السبسي كرمز باحث عن تشكيل حزب لانمطي من اجل خلق التوازن المفقود مع حركة النهضة و الاحزاب المتحالفة معها جعل محسن مرزوق يغادر “الهامشي و الموازي” ليكون في قلب حراك سياسي هدفه افتكاك السلطة باسلوب ديمقراطي و هو ما تحقق في انتخابات اكتوبر 2014 التي حملت الباجي قائد السبسي الى سدة رئاسة الجمهورية و ادخلت محسن مرزوق معه الى قصر قرطاج لتجعل منه رقما مهما من ارقام الحكم الجديد و لتقدمه لدى البعض كوريث محتمل في الانتخابات الموالية لمؤسس “نداء تونس” . و لكن المقام لم يطل بمحسن مرزوق في قصر قرطاج و في حركة “نداء تونس” اذ كان اول المغادرين و هو ما جعل معارضيه يصفونه ب”المزروب” في حين اعتبر و من التحق به من اطارات و برلمانيين ان النداء قد حاد عن مساره . و قد استفاد مؤسس ” مشروع تونس” من معجم “المناكفات الجامعية” ليؤكد انه ليس متسرعا لتخقيق طموح شخصي بل “مزروب ” من اجل ان تتقدم البلاد و تتحسن على جميع الاصعدة . و اذا كان وضع “المشروع” افضل من اوضاع الحركات التي تناسلت من رحم نداء تونس كبني وطني و “تونس الى الامام” فان ما تحقق في الانتخابات البلدية كان دون المتوقع علاوة على ان ابتعاد عدد من اعضاء مجلس نواب الشعب عن الحركة قد القى ببعض ظلال الشك حول قدرة ” صاحب المفتاح” على ان يكون ندا للنداء و منافسا جديا لحركة النهضة . و هذا هو الرهان الذي سيتحدد على اساسه المستقبل السياسي لمحسن مرزوق الذي ما انفك يردد انه غير معني بالترشح للانتخابات الرئاسية و غير مسكون بامراض الزعامة بل ان جهده منصب اساسا للاسهام في بناء تحالف سياسي لايجاد توازن يمنع “التغول” و لاغلاق الباب امام ” الشعبوية المدمرة” من خلال عقلنة العمل السياسي و تثقيف الشعب و من خلال الاحتكام في كل ما يعرض من قضايا الى الدستور دون سواه و هو ما يجعل من محسن مروزق الذي يزين مكتبه تمثال نصفي للحبيب بورقيبة “دستوريا يساريا” تصالح مع بورقيبة و ارثه و انتقل من مرحلة العداوة الايديولوجية مع حركة النهضة الى مرحلة “التعايش” معها و التباين مع توجهاتها تحت سقف الجمهورية و الدستور , توجه اكسب مرزوق انصارا و منخرطين جدد و افقده اخرين و خاصة اخريات ممن جذبتهن وسامته و دفاعه عن المكاسب و اعتبرنه امتدادا لارث بورقيبة و لما انطلق منه الباجي قائد السبسي عند تاسيس النداء و لكنهن اعتبرن في انضمام “مشروع تونس” الى حكومة تلعب فيها حركة “النهضة ” دورا محوريا مؤشرا سلبيا و هو ما يطرح سؤالا هاما حول كيفية تصرف محسن مرزوق الحريص على ابداء علامات النضج في المستقبل.
شهاب القرقني