أراءعربي ودولي

بعد ظهور نتائج الانتخابات الأميركية :من المسؤول عن فوز ترامب؟

لوبوان تي ان:

أسفرت انتخابات الرئاسة الأميركية التي جرت يوم الثلاثاء الماضي عن فوز دونالد ترامب الذي ينظر إليه كحدث حاسم في الأزمة الطويلة الأمد للديمقراطية الأميركية، حيث ستشعر العالم بآثاره المدمرة نظرا لاتسامه بالديمقاغوجية والفاشية– حاول في يناير 2021 الإطاحة بالعنف بنتائج الانتخابات الرئاسية التي خسرها في عام 2020 – فيما فاز بشكل حاسم في انتخابات 2024، محققاً أغلبية في التصويت الشعبي وتصويت المجمع الانتخابي. سيعود إلى البيت الأبيض بوصفه الرئيس ال 47 للولايات المتحدة في العشرين من يناير المقبل.

ويرى محللون وخبراء في الانتخابات الأميركية أن ترامب مدين بانتصاره السياسي لإفلاس الحزب الديمقراطي، الذي انشغل بسياسات الهوية التي تهم الطبقة الوسطى الثرية، وأبدى لامبالاة متعجرفة تجاه التأثير المدمر للتضخم على مستويات معيشة العمال، وواصل دعمه للحرب في أوكرانيا والإبادة الجماعية التي يرتكبها شريكه الصهيوني في غزة ولبنان، مما هيأ الأرضية للكارثة الانتخابية. أعمدة الصحافة الرأسمالية الرئيسية تحاول بالفعل التقليل من أهمية الانعكاسات السياسية لانتصار ترامب.

كتبت نيويورك تايمز: “يمثل انتخاب السيد ترامب تهديداً خطيراً”، لكنها أضافت أن “ترامب لن يحدد مصير الديمقراطية الأميركية على المدى الطويل”. وتطمئن التايمز قراءها بأن ترامب سيكون رئيسًا ضعيفًا لأنه ممنوع دستوريًا من الترشح لولاية أخرى.

غير أن الصحيفة تضع رغباتها الذاتية ورغبات من تمثلهم محل الواقع. فقد أعلن ترامب بوضوح أن هذه  الانتخابات ستكون الأخيرة، وأن أنصاره لن يضطروا للتصويت مرة أخرى.

الواقع السياسي هو أن انتخاب ترامب يمهد الطريق لموجة غير مسبوقة من الثورة المضادة الاجتماعية، التي يخطط لفرضها بقبضة من حديد.

وقد تعهد ترامب بأن يصبح “ديكتاتوراً” وينشر الجيش لسحق “العدو الداخلي”. يخطط لترحيل 11 مليون مهاجر غير شرعي، وهي عملية تتطلب وضع مدن أميريية كبرى تحت الأحكام العرفية. وقد اقترح إلغاء ضريبة الدخل ووعد بتخفيض الضرائب على الأثرياء وإلغاء القوانين التنظيمية على الشركات. لا يمكن المبالغة في حجم التأثير المدمر الذي ستتركه هذه السياسات على الطبقة العاملة.

دور المال والإعلام الأميركي

إنه ليس حادثًا سياسيًا عابرًا. بغض النظر عن الطريقة التي تم بها ذلك – ودون التقليل من تواطؤ الحزب الديمقراطي – فإن وصول إدارة ترامب الثانية إلى السلطة يمثل إعادة تنظيم عنيفة للهيكل السياسي الأميركي لتتناسب مع العلاقات الاجتماعية الحقيقية الموجودة في الولايات المتحدة. يتحدث دونالد ترامب ليس فقط كفرد مجرم، بل كممثل لأوليغارشية رأسمالية قوية تشكلت على مدى العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية. يستخدم أصحاب الملايين والمليارديرات الكبار – بزعامة أمثال إيلون ماسك، جيف بيزوس، بيتر ثيل، ولاري إليسون – ترامب لتنفيذ إعادة هيكلة رجعية للمجتمع الأميركي لمصلحتهم.

سوف يستخدمون الوقت الذي يسبق تنصيب 20 يناير للإعداد لسلسلة من التدابير القمعية والاجتماعية الرجعية التي سيتم تنفيذها بمجرد أن يستقر ترامب مرة أخرى في البيت الأبيض. فقد أنفق مليارديرات أميركا مبالغ ضخمة على الحملات الانتخابية اقدر بنحو ملياري دولار للتاثير على صوت الناخب الأميركي وقد جمعت حملت ترامب (1.2 مليار دولار) وهاريس (1.5 مليار دولار) .

وإلى جانب المال المتدفق إلى الحملات الانتخابية فقد لعب الإعلام الأميركي دورا بارزا في هذه الجملات حيث تمتلك خمس شركات عملاقة وسائل الإعلام السائدة، وتسيطر فعليًا على 90 في المئة من الأخبار التي نستهلكها: وليس من المستغرب أن تروج شركات الإعلام المملوكة للمليارديرات لروايات تعزز الحفاظ على ثرواتهم.

ويحد هذا المستوى من التركز الإعلامي بشدة من نطاق الأفكار التي تصل إلى الجمهور، مما يخنق الاهتمام بالتحديات التقدمية لنظام الحزبين.

وفي حين يهيمن مرشحو الحزبين الديمقراطي والجمهوري على دورة الأخبار، يتم إبعاد المرشحين البدلاء عن المناقشات، وإعطائهم تغطية ضئيلة أو معادية، وتركهم غير قادرين على الوصول إلى الإعلانات التي تعتمد عليها الأحزاب الرئيسية.

استطاع ترامب استغلال غياب أي تمثيل لمصالح الأغلبية الساحقة من السكان ضمن المؤسسة السياسية. كانت حملة هاريس تعارض تقديم أي نداء اجتماعي للطبقات الشعبية وذوي الدخل المحدود، وركزت حملتها على الناخبين الأكثر ثراءً، وروجت لشخصيات مثيرة للجدل مثل ليز تشيني، ووعدت بوضع الجمهوريين في الحكومة.

جابت هاريس، باراك أوباما وقيادات ديمقراطية أخرى البلاد، مهددين الناخبين بأن الفشل في دعم هاريس سيعتبر دليلاً على التحيز الجنسي أو العنصرية. جمعوا بين المناشدات العرقية والجندرية وبين تأييد الحرب في الخارج. تعهد الديمقراطيون بمواصلة دعم العدوان الصهيوني الإجرامي وجرائم الإبادة الجماعية في غزة ودعوا إلى تصعيد الحرب الأميركية-الناتو ضد روسيا في أوكرانيا.

لم يقدم الديمقراطيون شيئًا لمعالجة الأزمة الاجتماعية المتفاقمة في الولايات المتحدة، بل صوروا البلاد على أنها “تسير على الطريق الصحيح” لشعب يعتقد في غالبيته العظمى العكس. شخصيات مثل بيرني ساندرز وألكساندريا أوكاسيو-كورتيز قدموا كذبة ساذجة مفادها أن إدارة بايدن-هاريس قد حسنت ظروف الناس العاملين وأن هاريس ستتحدى هيمنة “طبقة المليارديرات”. مقلدين ادعاء هيلاري كلينتون في عام 2016 بأن الطبقات الشعبية وذوي الدخل المحدود تتكون من “سلة من البائسين”، وصف بايدن مؤيدي ترامب بـ “القمامة” في الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية.

تظهر أعداد الأصوات عدم وجود زيادة في دعم ترامب، الذي يبدو أنه فقد أصواتًا مقارنة بأعداد 2020، بل انهياراً مذهلاً في دعم الديمقراطيين، حيث حصلت هاريس على ما بين 10 إلى 15 مليون صوت أقل من جو بايدن في 2020. هاريس حصلت على أداء أقل من بايدن في كل منطقة من مناطق البلاد. جهود الحزب الديمقراطي لإقناع الجماعات العرقية والجندرية المختلفة بدعم حملة هاريس على أساس المناشدة الهوية فشلت تماماً.

وبينما ربما كسبت مزاعم ترامب الديماغوجية بمعارضة الحرب بعض الأصوات بعيدًا عن محاربي الحرب المتجذرين في الحزب الديمقراطي، فإن ترامب نفسه سياسي إمبريالي قاسٍ يدعو إلى مواجهة تصعيدية مع الصين وإيران وإلى حد ما كوريا الشمالية، ولن يكون ترامب بالنسبة للصراع العربي الصهيوني حمامة سلام/ بل قد يتخذ قرارات في غاية السوء كما فعل في ولايته الأولى قبل أربع سنوات في موضوع القدس والجولان وصفقة القرن لكنه ولأسباب نخص أسلوبه وطموحه الشخصي وميله إلى عقد صفقات قد يسعى إلى صفقة ما تنهي العدوان الصهيوني على غزة ولبنان وقد لا تكون صفقة جيدة، ولكن سننتظر.

بالنسبة لرد فعل الديمقراطيين على انتصار ترامب الانتخابي سيكون هو السعي إلى التسوية والتحالف، وهو ما يتضح بالفعل في تصريح هاريس الاستسلامي بعد ظهر يوم الأربعاء. لم تُحذّر من الطابع الديكتاتوري لنظام ترامب القادم، بل تعهدت بالتعاون مع الانتقال إلى هذا الزعيم المستبد المحتمل. سيتجه الديمقراطيون أكثر إلى اليمين، بينما يسعون إلى صياغة اتفاق مع الجمهوريين حول أولويتهم المركزية، وهي تصعيد الحرب. وينظر إلى انتخاب ترامب بأنه “النتيجة الكارثية للرفض طويل الأمد والمتعمد للغاية من قبل الحزب الديمقراطي لأي توجه برامجي نحو الطبقات الشعبية وذوي الدخل المحدود…

دور الناخبين العرب والمسلمين في خسارة هاريس وحزبها

يصل عدد العرب والمسلمين الأميركيين بمن فيهم الأميركيون السود (من أصول أفريقية) المسلمين نحو 9 ملايين نسمة لديهم كتلة وازنة من الناخبين تصل إلى نحو 5 ملايين ناخب موزعين على عديد الولايات الأميركية لكنهم يحظون بأهمية انتخابية في ما اصطلح على تسميته الولايات المتأرجحة أو الحاسمة وهي 7 ولايات أبرزها ميشيغان وبنسلفانيا وأريزونا، وقد نظم الناخبون العرب والمسلمون الأميركيون أنفسهم في انتخابات 2020 لمنح أصواتهم إلى جوزيف بايدن في مواجهة عنصرية وعداء منافسه دونالد ترامب ضد المهاجرين المسلمين حيث حسموا فوز بايدن في ولاية جورجيا بفارق سبعة آلاف إلى جانب فوز بايدن في ولاية ميشيغان بأكثر من 100 ألف التي خسرتها كمالا هاريس في انتخابات الخامس من نوفمبر الجاري وتسببت في فوز ترامب باصوات الولاية.

في انتخابات الثلاثاء الماضي قرر العرب والمسلمون الأميركيون معاقبة كمالا هاريس وحزبها الديمقراطي على موقفهم المشارك في العدوان والإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة ولبنان ورفضهم الاستجابة إلى نداءات الناخبين العرب والمسلمين الذين هددوا بعدم التصويت لهاريس لكن وصلت وقاحة بايدن وهاريس وقيادة الحزب الديمقراطي إلى الاعتقاد بأنه لا خيار أمام العرب والمسلمين الأميركيين سوى التصويت للمرشح الديمقراطي لأن الخيار الأخر هو انتخاب فاشي ومعاد للمهاجرين بمن فيهم عرب ومسلمين.

كان العرب والمسلمون في حيرة من أمرهم فبعضهم دعا إلى ضرورة دعم هاريس استنادا إلى إلى فكرة “الشر الأقل” والتي تبدو في هذا السياق سخيفة. ففي حين أن أحد المرشحين يروج للفاشية، يعتمد الآخر على برنامج يشمل دعم الحرب والإبادة الجماعية. في ظل هذه الظروف، ليس الخيار بين شر أكبر وشر أصغر، بل بين طريقين نحو الكارثة. ورغم تبادل الاتهامات، فإن الفروق بين ترامب وهاريس ضئيلة مقارنة بالفجوة الكبيرة التي تفصل بين كلا الحزبين والطبقات الشعبية والفقيرة والأقليات في المجتمع الأميركي.

وتقليديا يصوت غالبية العرب والمسلمين لصالح الديمقراطيين فإذا صوتوا لصالح هاريس فهذا يعني أنهم يصوتون لصالح الإبادة الجماعية في غزة ولبنان وإذا صوتوا لصالح ترامب فيهم يصوتون للفاشية لكن الغالبية حسمت موقفها فصوتت ضد هاريس

في ولاية ميشيغان التي تضم نحو 350 ألف عربي ومسلم وفاز بها ترامب قدمت نموذجا لأهمية الصوت العربي والمسلم الأميركي، حيث توزع تصويتهم 42 في المئة لترامب مقابل 38 في المئة لهاريس و 18 بالمئة لجيل ستين..في العادة تنقسم أصوات الناخبين في الولايات المتحدة مناصفة بين الديمقراطيين والجمهوريين بنسبة 40 في المئة لكل منهما والصراع على العشرين في المئة وهي الولايات المتأرجحة والتي ساهم الصوت العربي/المسلم حسمها لصالخ ترامب.

كان تصويت العرب والمسلمين موقف احتجاج ورفض لسياسة بايدن هاريس الداعمة للعدوان والإبادة الجماعية التي تنفذها أداتهم الاسرائيلية، وتذكير للديمقراطيين وأيضا الجمهوريين بضرورة أخذ مصالح واهتمامات العرب والمسلمين الأميركيين مستقبلا بعين الاعتبار وليسوا سقط متاع.

واشنطن-محمد دلبح

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى