لوبوان تي ان:
تواصل جماعات المعارضة السورية المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام حربها على الدولة السورية بهدف السيطرة على مزيد من الأراضي التي كانت تخضع لسيطرة الحكومة السورية بدءا من حلب وريفها إلى جانب سيطرتها على إدلب وجيوب قريبة من محافظات حلب وحماة واللاذقية.
وللعلم فإن هيئة تحرير الشام كانت تسمى جبهة النصرة وتتبع تنظيم القاعدة وهي مدرجة على قوائم الإرهاب. هذه الحرب المدعومة من تركيا، العضو في حلف الناتو، أنهت منذ 27 نوفمبر الماضي هدنة استمرت أربع سنوات برعاية روسيا وإيران وتركيا استنادا إلى اتفاق أىستانة لخفض التصعيد.
ويمثل الهجوم الذي تشنه الجماعات الإسلامية المسلحة ضد الدولة السورية بقصد الإطاحة بنظام حكم الرئيس بشار الأسد تصعيدًا كبيرًا في الحرب العالمية التي تتكشف في أوكرانيا والمنطقة العربية، بين دول حلف الناتو من جهة، وروسيا وإيران والصين من جهة أخرى. وتعتبر الإبادة الجماعية التي ينفذها كيان العدوان الصهيوني في غزة وعدوانه على لبنان جبهات حاسمة في هذه الحرب. كما بدأت جبهة أخرى بالظهور مع استئناف واشنطن وحلفائها في الناتو محاولاتهم للسيطرة على سوريا واستخدامها كقاعدة ضد روسيا وإيران ومحور المقاومة بأسره.
وإلى جانب تلك الجماعات المسلحة فقد دخل على خطها منذ العام الماضي حكومة أوكرانيا عندما طلبت من الولايات المتحدة وبقية حلف الناتو صواريخ لقصف مصانع إيرانية في سوريا يُقال إنها تصنع طائرات مسيرة للقوات الروسية في أوكرانيا.
وفي سبتمبر الماضي، أفادت صحيفة “كييف بوست” أن وحدة “الكيميائي” التابعة للاستخبارات العسكرية الأوكرانية هاجمت قوات روسية حول حلب ومرتفعات الجولان.
وعلى الرغم من نفي الحكومة الأميركية صلتها بهجمات هيئة تحرير الشام المدرجة على القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية إلا أن هذه الهجمات تحظى بدعم واضح من الناتو الذي تقوده الولايات المتحدة.
فهو ينطلق من مناطق في سوريا تتلقى الإمدادات من تركيا، وهي دولة عضو في الناتو، ويقوم بتعبئة ميليشيات مثل الجيش السوري الحر الذي يتلقى تمويلاً أميركياً عبر برامج مثل عملية “خشب السرو” التي قادتها وكالة الاستخبارات المركزية بين 2012 و2017. وفعليًا، كما أوضحت صحيفة “نيويورك تايمز”، فقد كان هذا الهجوم ممكنًا بسبب الحرب في أوكرانيا وعدوان الكيان الصهيوني الإجرامي على لبنان.
وطبقا لما نشر من تقارير فإن التخطيط لهذا الهجوم على حلب وغيرها من المدن السورية قد بدأ منذ عام، ولكنه تأجل بسبب العدوان الإجرامي الصهيوني على غزة ولبنان، الأمر الذي يشير إلى أن أنقرة على علم بهذه الخطط وقد أعطت الضوء الأخضر لتنفيذها.
لقد سعت الولايات المتحدة إلى تغيير نظام الحكم في سوريا الذي سبق أن تلقى تهديدات كان نقلها في عام 2003 وزير خارجية الولايات المتحدة كولن باول عقب غزو واحتلال العراق بوقف دعمه للمقاومة العراقية والمقاومة الفلسطينية غير أن الولايات المتحدة فشلت منذ بدء الحرب الكونية على سوريا التي بدأت في عام 2011 في الإطاحة بحكم الرئيس بشار الأسدالأسد. ومع ذلك، فإن هذه الحرب للسيطرة على المنطقة الغنية بالنفط ليست سوى جزء من حرب إمبريالية أوسع للهيمنة العالمية، تستهدف حاليًا روسيا والصين بشكل أساسي.
وقد وسّعت الجماعات المسلحة هجماتها لتشمل منطقة حماة بعد استيلائها على حلب كما بدأت اشتباكات مسلحة مع القوات الكردية.
وتواجه الجماعات المسلحة حتى الآن مقاومة محدودة من الجيش السوري والغارات الجوية الروسية/ السورية المشتركة. وقد أفادت تقارير إخبارية أن الجيش السوري شن هجومًا مضادًا جنوب حلب، كما استعاد القوات السورية الحكومية بلدة خناصر وهاجمت شمالًا باتجاه منطقة السفيرة الصناعية جنوب مدينة حلب، لكنها ما تزال تواجه صعوبات في القتال حول حماة.
وتتلقى الحكومة السورية دعما من عديد الدول العربية التي تدعو إلى الحفاظ على استقرار سوريا وسيادتها و وحدة أراضيها، كما أصدرت إيران وروسيا والصين بيانات دعم لسوريا. وقال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إن الاتصالات العسكرية الوثيقة مستمرة بين روسيا وسوريا، فيما تعهد المسؤولون الإيرانيون بتقديم تعاون كامل مع سوريا.
وذكرت تقارير إخبارية أيضا أن قوات ما يسمى “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا شنت هجومًا واستولت على بلدة تل رفعت من ميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من الولايات المتحدة.
وقد منع هذا التقدم الوحدات الكردية من التحرك شمالاً نحو الحدود مع تركيا، التي تخشى حكومة رجب طيب أردوغان بشدة من أن تُنشئ الجماعات الكردية القومية المدعومة من الولايات المتحدة دولة كردية مستقلة في أجزاء من سوريا وتركيا نفسها.
لذلك يبدو أن الخطة التركية تهدف إلى إنشاء منطقة عازلة بين الحدود التركية وسوريا التي يتواجد في شمالها الشرقي الجماعات الكردية ، بما يتماشى مع الخطة الاستراتيجية التركية لإقامة “منطقة أمنة” تمتد لمسافة تتراوح بين 40-48 كيلو مترا من الحدود.
وقد أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن تركيا “لن تسمح أبدًا بتحول الهيكل الإرهابي في سوريا إلى دولة”.
هذا التهديد، الموجه ضد القوميين الأكراد. وأضاف فيدان: “قناع الأكسجين للجماعات الإرهابية في المنطقة يأتي من أميركا. إذا قطعت الولايات المتحدة هذا القناع، فلن يتمكنوا من البقاء ثلاثة أيام”. لكنه تجنب الإشارة إلى هيئة تحرير الشام التي يربطها بتركيا وقطر حبل التدريب والتسليح والتمويل.
كما ترعى تركيا أيضا نحو عشر ميليشيات تعمل باسمها ونيابة عنها. حيث يأمل أردوغان، من خلال الميليشيات الموالية له، تحقيق ما فشل في تحقيقه عبر الوسائل الدبلوماسية. خلال العام الماضي، جيث حاول استعادة العلاقات مع دمشق، لكن الرئيس بشار الأسد رفض ذلك، مشترطًا انسحاب القوات التركية بالكامل من الأراضي السورية قبل استئناف المفاوضات.
وقد دفعت سيطرة أردوغان على الجماعات المسلحة الموالية له وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في زيارته إلى أنقرة يوم الاثنين الماضي إلى أن يطلب مساعدة تركيا لوقف القتال ضد الحكومة السورية، غير أن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قال إن بلاده “تدعم فصائل معارضة للنظام في شمال سورية” وهو أمر استوجب من كبير مستشار مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي أكبر ولايتي إلى الرد على فيدان بتصريحات حادة واصفا أنقرة بأنها “وقعت في فخ إسرائيل وأميركا” وقال ولايتي إن “عدد حلفاء سوريا أكبر من عام 2011، فإلى جانب إيران هناك روسيا وحزب الله الذي أصبح أقوى من أي وقت مضى.”
كما ذكر ولايتي أن “الحشد الشعبي في العراق والحوثيين في اليمن والأعزاء في فلسطين، جميعهم متحدون في دعم وحدة أراضي سوريا وحكومتها الحالية.” وفي تصريح لافت قال عراقجي يوم الثلاثاء إن إيران تدرس إرسال قوات إلى سوريا إذا طلبت دمشق ذلك.”
كيف سيبدو عليه الوضع في الأيام والأسابيع القليلة المقبلة إذا ما واصلت تركيا تصعيد الوضع العسكري ودعم الجماعات المسلحة الموالية لها في سوريا مستهدفة تحقيق مصالحها السياسية والأمنية والتي ستضعها في مواجهة المصالح الرئيسية لإيران وروسيا فضلا عن مصالح الدولة السورية والجماعات الكردية التي لا تزال تحظى بدعم الولايات المتحدة.
لم يقل حلفاء الحكومة السورية الرئيسيون كلمتهم الأخيرة في وعودهم التي قطعوها للرئيس بشار الأسد بدعم سوريا لكن ما هو مؤكد أن أردوغان يقامر بدفع المنطقة –كما يفعل نتنياهو- إلى أتون حرب واسعة ينبغي على تركيا تجنبها.
واشنطن -محمد دلبح-