لوبوان تي آن- لا شك ان اسم “النادي الافريقي” ليس غريبا عن اوسع الفئات في الوطن العربي . ذلك انه قد خاض عدة مباريات على المستويين العربي و الافريقي في كرة القدم واهم الرياضات العربية . ولكن جمعية “النادي الافريقي ” هي بالنسبة للملايين من عشاقها و للمتابعين للسلن الرياضي و الجمعياتي اكثر من مجرد جمعية رياضية , انها مؤسسة من مؤسسات تونس الحديثة التي تتفاعل منذ مخاض تاسيسها الى يوم الناس هذا مع المجتمع التونسي التاثير و التاثر . قد يضيق المجال لاستحضار اهم المحطات التي ارتبط فيها مسار التحولات الاجتماعية و السياسية التي عرفتها تونس بمنعرجات عاشتها جمعية ” النادي الافريقي” و يكفي ان نشير الى اصرار مؤسسيها على ان تكون الوان الراية الوطنية التونسية الحمراء و البيضاء هي الوان جمعيتهم و ان يكون رئيسها تونسيا مسلما في تحد واضح للاستعمار الفرنسي لنكون في غنى عن تعداد الامثلة . و لعل شعبية جمعية “النادي الافريقي” هي التي جعلت فصول المعاناة التي تعيشها محل متابعة و اهتمام التونسييين و التونسيات حكومة و شعبا . فقد تراكمت ملفات شكاوى قدمها لاعبون محترفون مطالبين بمستحقات في ذمة الجمعية . و حين يتعلق الامر بالفيفا فان الجديىة هي المطلوبة لان الجامعة الدولية لكرة القدم لا تترك من خيار للجمعية التي تصدر ضدها حكما باتا الا خلاص الدين و الا الخضوع لعقوبات متدرجة قد تؤدي في النهاية الى تدحرج الجمعية الى الاقسام السفلى . و يصعب ان يتقبل الراي العام الرياضي في تونس مصيرا مماثلا لجمعية كانت دائما في المواقع المتقدمة و لم يسبق لها منذ تاسيسها ان غادرت الدوري الممتاز علاوة على ان اتساع قاعدتها الجماهيرية قد جعل ملف الانادي الافريقي ملفا لا يغيب يوما عن الصحف و وسائل الاعلام المسموعة و المرئية علاوة على اهتمام سياسي يتجلى في متابعته مباشرة من رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي لا يخفي تعلقه الشديد بالجمعية التي كان جده عبد المجيد الشاهد احد مؤسسيها . و الجمعية مدعوة لان تسدد في اجل لا يتجاوز سنتين ما يقارب الخمسة و العشرين مليون دينار تونسي بعد ان تمكنت منذ انطلاق “المعاناة” في السنة الفارطة من تسديد سبعة عشر مليون دينارا تونسيا ( 3 دنانير تونسية تساوي حاليا دولارا امريكيا) .
ويمكن القول ان الوضعية التي تعشيها جمعية “النادي الافريقي” تعكس الى حد كبير ما تعيشه تونس منذ 14 جاتفي 2011 الى حد الان من تحولات و من مظاهر عطالة و “لامعيارية ” من خلال تداخل الانساق و التوجهات . قبل “الربيع العربي” كانت الرياضة التونسية خاضعة لمسار “دولنة” يجعل السلطة السياسية تراقب كل ما يعيشه الحقل الرياضي من احداث و حتى نظام الاحتراف بما يفره من منح الجمعيات حرية اكبر في تدبر شؤونها فقد وقع الالتفاف عليه في ظل نظام الرئيس زين العابدين بن علي بنظام تاطير هدين للجمعيات الرياضية انفردت به تونس و هو نظام ” اللااحتراف و اللاهواية ” الذي ابقى الجمعيات الرياضية تحت وصاية السلطة السياسية و تحت نفوذ شخصيات ترتبط بالسلطة و بعائلة رئيس الجمعية . اطلقت جمعية النادي الافريقي بعد 14 جانفي 2011 مسار فك ارتباط الجمعيات الرياضية بالسلطة كاول جمعية يختار منخرطوها من يتولى رئاستها . هذه الخطوة على ايجابيتها حملت الى سدة رئاسة الجمهورية سليم الرياحي . و لا يفيد التعرض للشخص الا بما يؤكد التساوق بين وضعية النادي الافريقي و وضعية تونس “الثورة” . ذلك ان سليم الرياحي كان يعيش خارج تونس و حين عاد بعد رحيل زين العابدين بن علي كان يملك حسب الروايات التي سبقته ثروة طائلة حتى لا نقول خرافية و يعتمد خطابا قوامه انه سيطلق استثمارات تغير وجه تونس و تحل كل مشاكلها . و قد عوض تولي رئاسة النادي الافريقي فشله الذريع كمؤسس لحزب الاتحاد الوطني الحر في انتخابات المجلس الوطني التاسيسي . و لكن كانت للرجل نقطة التقاء مع هذا المجلس و هي اطلاق الوعود بلا حدود و التخبط الاداري . ادخل سليم الرياحي النادي الافريقي في دوامة انفاق غير مدروسة و لا علاقة لها بامكانيات الجمعية و لا بقدرتها على السداد فتحققت بعض التتويجات التي تفوق تكلفتها بما لا يقارن حجمها و اخذت ملامح الازمة تظهر خاصة و ان الرجل قد اعتمد على اسلوب تسيير فردي و ارتهن الجمعية لارادته الى ان تحرك احباء الجمعية و فرضوا عليه الرحيل . و قد خلق ابتعاد سليم الرياحي ديناميكية ايجابية على طريق عودة الجمعية الى ثوابتها التي تنتصر للانتماء و تسعى لتكريس الشفافية علاوة على تحريك سواكن الاحباء من اجل الاسهام في اخراج الجمعية من الازمة التي تردت فيها .
و هذا التساوق جعل بعض الخبراء الاجتماعيين يعتبرون ان الازمة التي تعيشها جمعية النادي الافريقي تمظهرا للازمة التي تعيشها تونس حاليا . ذلك ان ” القلعة البيضاء و الحمراء ” ترزح تحت سنديان “الفيفا” في حين تقع تونس من خلال غرقها في المديونية تحت مطرقة صندوق النقد الدولي و المؤسسات و الدول المقرضة و المانحة . و كما اغرق سليم الرياحي جمهور النادي الافريقي في بحر من وعود لم تتحقق فان الشعب التونسي ظل بلاحق في السنوات الاخيرة سراب يقوده اليه خطاب سياسي طفولي لم ينجح الا في تعميق الاحباط . و الاكيد ان سليم الرياحي قد اتفق جانبا من الاموال التي وعد بها و لكنه انفقها في غير موضعها و هو ما اعاد النادي الافريقي خاصة في مستوى التجهيزات و البنية الفوقية سنوات الى الوراء تماما كما ان الاموال التي تحصلت عليها تونس منذ رحيل بن علي في شكل قروض و هبات و منح و التي تقدر باربعين الف مليون دينار قد صرفت في غير موضعا و هو ما ادى الى تراجع كل مؤشؤات التنمية تراجعا جعل الهدف المعلن هو ان نصل في موفي سنة 2020 الى المؤشرات التي بلغتها تونس في موفي 2010 . محللون اخرون اعتبروا ان القرار الذي اتخذته “النادي الافريقي ” بمنع النادي الافريقي من انتداب لاعبين محترفين و الذي سيفرض عليه التعويل على موارده البشرية الذاتية يمكن ان يقدم نموذجا للحكومة للتخلي عن التداين و التعويل على الموارد الوطنية و هو ما من شانه ان يساهم في بناء منوال تنمية ينسجم مع طبيعة الظرف الذي تعيشه تونس . هؤلاء يعتبرون ان التفاف احباء “النادي الافريقي حول جمعيتهم و الذي يعتبر مضرب الامثال لان الازمات و المحن لم تزده الا اتساعا و حماسا يمكن ان تكون نموذجا لاعادة احياء الشعور الوطني الذي اصابه شيء من الاحباط و تاثر بمنافسة مظاهر الانتماء ما قبل وطنية كالقبلية و الجهوية .
هشام الحاجي