تونس-لوبوان-غسان جمال الدين
في اكتشاف علمي تاريخي، أعلنت هيئة التراث السعودية عن توصل فريق بحثي محلي ودولي إلى أقدم سجل مناخي موثق في العالم، يعود إلى نحو ثمانية ملايين عام، يكشف أن شبه الجزيرة العربية كانت ذات يوم واحة خضراء تزدهر بالحياة والمياه، وتلعب دورًا محوريًا في حركة البشر والكائنات بين القارات
الجزيرة العربية… من الصحراء إلى الواحة
بعكس الصورة النمطية التي تصور الجزيرة العربية كمجرد صحراء شاسعة، أظهرت تحاليل الطبقات الرسوبية في مواقع مثل خيال أم عيشيان وواحة جبة شمال المملكة، أن المنطقة شهدت على مدى ملايين السنين فترات مناخية رطبة متكررة، اتسمت بوجود الأنهار والبحيرات، وازدهار الحياة النباتية والحيوانية.
ممر الإنسان الأول نحو العالم
وفقًا لما أعلنه فريق مشروع “الجزيرة العربية الخضراء”، فإن هذا التحول البيئي جعل من المملكة معبرًا حيويًا لهجرات الإنسان الأول من إفريقيا إلى آسيا، مستفيدًا من خصوبة الأرض ووفرة المياه. وتشير آثار الأقدام الأحفورية المكتشفة إلى وجود بشر وحيوانات مفترسة وأليفة في تلك المناطق، مما يعكس بيئة نابضة بالحياة قبل ملايين السنين.
أطول سجل مناخي في العالم
يعتبر هذا السجل البيئي الممتد على ثمانية ملايين سنة، الأطول والأكثر اكتمالًا على مستوى العالم، وهو يقدم بيانات دقيقة تسهم في فهم التغيرات المناخية الكبرى عبر العصور، ودورها في تشكيل الأنظمة البيئية والهجرات البشرية. وقد استخدم الباحثون أحدث التقنيات الجيوفيزيائية لتحليل الطبقات الأرضية وتاريخها الزمني.
رؤية المملكة 2030: التاريخ يخدم المستقبل
يأتي هذا الاكتشاف في إطار جهود المملكة لتعزيز مكانتها العلمية والبحثية، وتجسيد أحد محاور رؤية السعودية 2030، التي تهدف إلى الاستثمار في الإرث البيئي والحضاري للمملكة، وتحويله إلى رافد للتنمية المستدامة والوعي البيئي العالمي.
ختاما، يكشف هذا الاكتشاف أن المملكة لم تكن فقط مهد الحضارات، بل كانت أيضًا مهد الطبيعة الخضراء التي احتضنت الإنسان الأول ومهدت له طريق الانتقال بين القارات. واليوم، تعود هذه الأرض لتروي للعالم قصة مناخها القديم، وتساهم في صياغة مستقبل أكثر وعيًا بالعلاقة بين الإنسان والبيئة.