
لوبوان تي ان:
وضع الرئيس الأميركي دونالد ترامب النظام العربي الرسمي أمام خيار واحد أن يأتوا بعرض بديل عن جريمة التطهير العرقي لفلسطينيي قطاع غزة (بتهجير سكانه قسرا)، التي عرضها وكأنها حقيقة ولا مناص منها، إذ طلب ترامب من مصر والأردن تخصيص مساحة من الأرض لتوطين نحو مليوني فلسطيني من غزة في سيناء ومنطقة الأزرق الأردنية. وقد استخدم ترامب ورقة المساعدات الأميركية العسكرية والاقتصادية للضغط على البلدين، مهددا بوقفها في حال رفض خطته التي تستهدف أيضا السيطرة على قطاع غزة كعقار فارغ من سكانه وتحويله إلى منطقة سياحية.
الحل الذي قد يرضي ترامب ويتوقف عن قرص آذان زعماء دول التبعية العربية هو الحل الأمني… أي إخضاع قطاع غزة إلى حكم أمني/عسكري يدير شؤون القطاع لا يكون لحركة حماس ومنظمات المقاومة وسلاحها مكان فيه خصوصا وأن القطاع الذي دمره العدوان الصهيوني يحتاج إلى إعادة إعمار لن تتحمل “إسرائيل” مسؤولية الإعمار ليترك هذا الأمر لدول عربية وأوروبية ومؤسسات دولية وإنسانية.
وقد أفادت تقارير إعلامية مصرية وإسرائيلية أن النظام المصري يضغط بشدة لمنع حماس من السيطرة على إعادة إعمار غزة وأن حماس وافقت على عدم وجود ممثل لها في لجنة إعادة إعمار غزة. ووفقًا لهذه التقارير المنسوبة إلى مسؤولين مصريين مطلعين على المفاوضات، التزمت حماس بوقف إطلاق النار وأكدت للمسؤولين المصريين أنها لن تتدخل في عمليات اللجنة التي قد تشكل للإشراف على إعادة إعمار قطاع غزة. وقال مسؤولون لصحيفة “هآرتس” إن توقيت هذه التصريحات يهدف إلى تقديم بديل لخطة طرد ترامب ودفع كيان العدوان الصهيوني نحو المفاوضات.
وأشارت الصحيفة إلى أن توقيت نشر التقرير – بعد تنفيذ القسم السادس من تبادل الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين من المرحلة الأولى وقبيل المحادثات حول المرحلة الثانية – ليس مصادفة. وأوضحوا أن مصر ودولًا عربية أخرى تعمل على تقديم مبادرة شاملة قبل القمة العربية المقررة في نهاية الشهر في القاهرة. وتهدف المبادرة العربية، بحسب المسؤولين، إلى تقديم بديل لخطة ترامب لتهجير الفلسطينيين قسرا من غزة، وإقناع كيان العدوان الصهيوني بأن حماس لن تتحكم في تنفيذ الاتفاقية مستقبلاً، مما يشجع حكومة بنيامين نتنياهو الصهيونية على المضي قدمًا في المفاوضات.
ولا يزال من غير الواضح كيف ستعمل لجنة إعادة الإعمار وما هو الدور الذي ستلعبه سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية فيها. كما أن الترتيبات الأمنية في غزة لا تزال قضية غير محسومة، لا سيما فيما يتعلق بمقاتلي حماس والجهاد الإسلامي الذين لا يزالون موجودين منذ بدء اتفاق وقف إطلاق النار، خاصة فيما يتعلق بنقل النحتجزين الإسرائيليين إلى الصليب الأحمر.
ونقلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن مسؤول مصري قوله “هناك العديد من الأسئلة التي لا نملك إجابات عليها، لكن من الواضح أن هناك جهودًا لتطوير خطة تؤدي إلى إنشاء لجنة مؤقتة للإشراف على إعادة إعمار غزة”. ووفقًا له، فإن الخطوات التالية تعتمد على عملية التنفيذ و”مدى استعداد إسرائيل والولايات المتحدة” للتعاون في هذا الشأن”.
وفيما يتعلق بلجنة إعادة الإعمار التي يجري الحديث بشأنها فقد تم في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي الإعلان بأن مسؤولين كبارًا من حركتي حماس وفتح أعلنوا عن اتفاقهم على إنشاء لجنة لإدارة شؤون غزة، تماشيًا مع اقتراح مصري. بتشكيل لجنة الإسناد المجتمعي من عدد من الشخصيات الوطنية الفلسطينية المستقلة من سكان قطاع غزة ستركز على توفير وتوزيع المساعدات الإنسانية، وإدارة الشؤون المدنية، والإشراف على إعادة إعمار غزة، ومراقبة معبر رفح الحدودي مع مصر – كما كان الحال حتى عام 2005. وسيتم إنشاء اللجنة بمرسوم رئاسي من رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، وستكون مسؤولة أمام حكومة السلطة الفلسطينية عن المسائل الإدارية والمالية والقانونية غير أن عباس رفض ذلك.
لكن ما يهم ترامب وكيان العدوان الصهيوني هو من سيتولى إدارة قطاع غزة أمنيا بعد إتمام الإنسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة تنفيذا لاتفاق وقف إطلاق النار. ويستشف من تصريحات ملك الإردن في البيت الأبيض يوم الثلاثاء الماضي أن مهمة صياغة الحل الأمني الذي يرضي ترامب ستوكل إلى نظام الحكم في مصر. قد يكون هذا الحل الأمني مركبا: استلهام خطة قوات الردع العربية (السورية) في لبنان في أعقاب الحرب الأهلية (1975-1976) واستلهام فترة الإدارة المصرية لقطاع غزة من عام 1948-1967.
هي خطة لإقامة قوة عسكرية/أمنية سيوكل لمصر تشكيلها من الجيش وقوات الأمن المصرية بتمويل خليجي قد تعني في نهاية المطاف تعريب الصراع في قطاع غزة في حال رفض حركة المقاومة التخلي عن سلاحها وخطتها التحريرية، وأنا أتوقع أن يستشرس نظام السيسي في تطبيق خطته التي سيشار إليها بأنها خطة وحل عربي لا بديل عنه للبدء بإعادة الإعمار وتوفير الاحتياجات الإنسانية لفلسطينيي غزة خصوصا وأن شركات الجيش المصري إلى جانب شركات أخرى هي من سيتولى الإشراف على برنامج إعادة اعمار قطاع غزة الذي قد تصل كلفته إلى عشرات المليارات من الدولارات لمدة لن تقل عن خمس سنوات.
غير أن مسألة وجود قوات أمنية عربية أو دولية في قطاع غزة تمثل تحديا لقطاع غزة ومقاتيليها الذين لم تتمكن قوات العدوان الصهيوني طوال 15 شهرا من هزيمتهم حيث قد تواجه مثل هذه القوة مقاومة داخلية. وقد أعلن القيادي في حركة حماس أسامة حمدان في منتدى الجزيرة في الدوحة قبل يومين أن “من يريد أن يحل محل “إسرائيل” في غزة سنتعامل معه كما نتعامل مع “إسرائيل”.”
وقد أحالت مصر والأردن الرد على خطة ترامب إلى القمة العربية التي تواصل القاهرة استعداداتها لعقدها في نهاية الشهر الجاري، بهدف تقديم جبهة موحدة ضد خطة ترامب. وستشمل المناقشات في القمة المفاوضات المباشرة وغير المباشرة بين قادة مصر والأردن ودول أخرى حول توفير الأمن الاقتصادي لمصر والأردن، في ظل التهديدات التي تواجههما من الرئيس الأميركي. هذا إذا صدقت نوايا أنظمة التبعية العربية.
غير أن هناك من يثير الشكوك في إمكانية تشكيل جبهة عربية رسمية موحدة حيث نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا ذكرت فيه أن ” دولة الإمارات العربية تشق الصف العربي، الذي بدا موحدا ضد طرح دونالد ترامب للتهجير القسري لمليوني فلسطيني من قطاع غزة إلى كل من مصر والأردن. فعند سُؤال يوسف العتيبة، سفير الإمارات في واشنطن ، عن وجود مقترح عربي بديل لإعادة إعمار الجيب الفلسطيني، فإنه أعرب عن شكوكه قائلاً: ‘لا أرى بديلاً عما يُعرض، حقًا لا. وإذا كان لدى أحد اقتراح، فنحن على استعداد لمناقشته واستكشافه، لكنه لم يظهر بعد. والإمارات ستسعى لإيجاد أرضية مشتركة مع حكومة ترامب، وأعتقد أن النهج الحالي سيكون صعبًا. في النهاية، نحن جميعًا في رحلة بحث عن حلول، ولا نعلم بعد إلى أين سيقودنا هذا الطريق.’ هذه الشكوك تتعارض مع عزيمة الشركاء العرب في مواجهة خطة ترامب. فقد خطت مصر والأردن –اللتان اعتبرتا نقل الفلسطينيين قسريًا على أراضيهما خطًا أحمر– خطوة مبكرة بعدما أدركتا أن اقتراح الرئيس ترامب ليس مجرد هوس. وبرزت السعودية منذ اندلاع حرب غزة كحامية لحل الدولتين باستضافة مجموعة اتصال عربية لمناقشة خطط ما بعد الحرب لإعادة الإعمار والحكم، وانضمت إلى الموقف الرافض بشكل قاطع لخطة ترامب. وقد أبدت السعودية معارضة شديدة خاصة بعد أن شكك الرئيس الأميركي في التزامها بإقامة دولة فلسطينية، فيما تحدث (بشكل مستفز) نتنياهو، أن السعودية تمتلك مساحة كافية لاستيعاب الفلسطينيين.
محمد دلبح -واشنطن-