
لوبوان -سفيان رجب
يبدو أن الحرب في السودان تحوّلت إلى واحدة من أكثر المآسي المنسية في العالم، مأساة تمضي في صمتٍ ثقيل لا تكسره سوى أرقام النزوح والمجاعة والموت، أرقام تحدث ضجيجا على الورق لكنها لا تحرّك في الواقع ساكنا. فمنذ اندلاع الصراع المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أفريل 2023، يعيش السودانيون كارثة إنسانية تتفاقم يوما بعد يوم، فيما يلوذ العالم بالصمت أو اللامبالاة.
وعلى ذكر الكاتبة وفاء الرشيد في صحيفة عكاظ السعودية إن ما يحدث في السودان يعكس مفارقة موجعة: “على عكس ما يحدث في فلسطين، لا مسيرات ولا بيانات عاجلة، الناس يموتون بصمت، وتباد مدن بكاملها في حرب تجاوزت العام ونصف العام، خلّفت 14 مليون نازح، بينما لم يموّل المجتمع الدولي سوى ربع الخطة الإنسانية المطلوبة لإنقاذهم”. وهي ملاحظة تختصر المشهد السوداني في جملة: موت بلا ضجيج، ومأساة بلا شهود.
حرب تلتهم الدولة
اندلعت الحرب على خلفية صراع نفوذ بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، لكنّها سرعان ما تجاوزت حدود السلطة إلى تدمير ما تبقّى من الدولة. الخرطوم تحوّلت إلى مدينة أشباح، دارفور غارقة في دماء أبنائها، والمناطق الزراعية التي كانت تطعم نصف القارة أصبحت ساحة قتال أو أرضا محروقة. أكثر من 25 مليون سوداني يحتاجون اليوم إلى مساعدات إنسانية عاجلة، بينما تهدد المجاعة ما لا يقل عن 7 ملايين طفل.
صمت دولي… وعنصرية مقيتة
ما يلفت الانتباه، كما تشير الرشيد، ليس فقط غياب التحرك الدولي الجاد، بل التمييز في الوجع الإنساني. فحين تكون الكارثة في أوروبا أو في مناطق ذات بعد سياسي حساس، يتحرّك العالم بسرعة البرق، تعقد القمم وتفتح الحدود وتخصّص المليارات. أمّا حين يكون الضحايا أفارقة بملامح سمراء، فيختزل الألم في تغريدة تضامن، أو بيان شجب بارد. هذا ما تسميه الكاتبة بـ”العنصرية البنيوية في النظام الدولي”، التي تجعل لون الضحية معيارا لتقدير قيمة الحياة.
إنسان بلا صوت
منذ عام ونصف، يحاول الصحافيون والمنظمات الإنسانية تسليط الضوء على الكارثة، لكن الوصول إلى مناطق النزاع شبه مستحيل، والاتصال مقطوع، والمجتمع الدولي غارق في حروبه الأخرى. حتى الإعلام العربي بدا عاجزا عن مواكبة الحدث، وكأن السودان بلد بعيد لا يمتّ إلى الجغرافيا العربية بصلة. تموت القصص هناك قبل أن تتحول إلى عناوين، ويموت الناس قبل أن يعرف العالم أسماءهم.
حرب بلا أفق
رغم الوساطات الإقليمية ومساعي “منبر جدة” و”إيغاد”، لا تلوح في الأفق نهاية قريبة. كل طرف ما زال يراهن على الحسم العسكري، وكل يوم جديد يعني مزيدا من الخراب. المدارس والمستشفيات والمخابز والمياه… كلها أهداف محتملة في حرب بلا قواعد. والنتيجة أن السودان ينهار ببطء، ليس فقط كدولة، بل كمجتمع وأمل.
من يكتب عنهم؟
يبقى السؤال الذي يوجّه طعنة إلى ضمير العالم: لماذا لا يجد السودانيون من يجتمع من أجلهم ويعقد القمم لحل مشكلتهم ويكتب عنهم؟ هل لأنهم بعيدون عن الكاميرات الغربية؟ أم لأن قصتهم لا تخدم الأجندات السياسية أو الإنسانية المربحة؟ في النهاية، يبدو كما قالت وفاء الرشيد: “العالم الذي يهبّ غاضبًا حين تكون الضحية بيضاء الملامح، يكتفي بالتغريد حين يكون لونها أسود.”
في السودان، الموت لا يحتاج إلى مبرر، ولا حتى إلى خبر عاجل. لقد صار الموت هناك أرخص من الخبر العابر الذي لا يلتفت له قارئ ولا يصغي اليه مستمع ولا يشد اليه ناظر.. لك الله يا السودان ولك الله يا أمة عربية اختزلت في جغرافيتها كل حروب ومآسي العالم.




