أراء

السودان بين الحرب والسلام: مبادرات لوقف إطلاق النار في ظلّ شبح تقسيم جغرافي واجتماعي

لوبوان- سفيان رجب

بعد اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أفريل 2023، يعيش السودان واحدة من أكثر مراحله دموية واضطرابا منذ استقلاله. فالصراع الذي بدأ كخلاف على السلطة بين الفريق أول عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي) سرعان ما تحوّل إلى حرب مدمّرة أنهكت الدولة والمجتمع، وفتحت الباب واسعا أمام انهيار شامل قد يعيد رسم خريطة السودان من جديد.

بين الواقع والمناورة

وبالرغم من الجهود الإقليمية والدولية المتكررة للتهدئة، لم تنجح أي مبادرة حتى اليوم في تثبيت وقف دائم لإطلاق النار. فقد فشلت جولات التفاوض في جدة، كما تعثّرت وساطات الاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيغاد أمام انعدام الثقة بين الطرفين وتضارب المصالح الإقليمية.

ومؤخرا، أعادت بعض القوى الإقليمية-وفي مقدّمتها السعودية ومصر وتشاد- طرح اقتراح جديد لوقف إطلاق النار مدّته شهر، يهدف إلى فتح ممرات إنسانية وإطلاق حوار سياسي شامل. غير أنّ المراقبين يشكّكون في إمكانية صمود مثل هذا الاتفاق في ظلّ غياب آلية رقابة ميدانية، ووجود أطراف محلية تستفيد من استمرار النزاع اقتصاديا وسياسيا.

الانقسام الجغرافي والاجتماعي: واقع يسبق السياسة

تبدو ملامح الانقسام في السودان اليوم أوضح من أي وقت مضى. فالعاصمة الخرطوم مدمّرة ومقسّمة فعليا بين مناطق نفوذ متداخلة، بينما تحوّلت دارفور إلى بؤرة عنف متجدد يذكّر بمآسي العقد الأول من الألفية. أما الشرق، فيشهد حركات احتجاجية متزايدة تطالب بحكم ذاتي، في حين تسعى بعض القوى المحلية في كردفان والنيل الأزرق إلى استغلال الفراغ الأمني لبسط نفوذها.

هذا التشظي الميداني والسياسي يعزّز مخاوف المجتمع الدولي من سيناريو التقسيم، خصوصا مع ضعف مؤسسات الدولة المركزية وانهيار البنية الاقتصادية. ويخشى كثيرون أن يتكرّر نموذج انفصال جنوب السودان عام 2011 في مناطق أخرى من البلاد، بما يحوّل السودان إلى فسيفساء من الكيانات المتنازعة اقلها اربع كيانات ممكنة.

مستقبل الدولة بين إرادة البقاء وضغوط التفكك

رغم هذا المشهد القاتم، ما زالت هناك قوى مدنية وسياسية تسعى إلى الحفاظ على وحدة السودان، من خلال مبادرات للحوار الوطني وإعادة بناء مؤسسات الدولة. فـ”تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية” و”تجمع المهنيين” و”قوى الحرية والتغيير” تحاول إحياء المسار الانتقالي، لكن ضعفها الميداني أمام طرفي الحرب يجعل صوتها خافتا في معركة السلاح.

على الصعيد الاقتصادي، يعيش السودان أزمة خانقة مع ارتفاع معدلات الفقر إلى أكثر من 60%، وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية، ونزوح ملايين المدنيين نحو الدول المجاورة، ما يجعل أي مشروع سلام دون دعم دولي واسع مجرّد هدنة مؤقتة لا أكثر.

نحو أي أفق؟

بين مقترحات وقف النار التي تتهاوى تباعا، والحديث المتزايد عن حلول فيدرالية أو حتى انفصالية، يقف السودان عند مفترق طرق مصيري. فإما أن ينجح في بناء تسوية سياسية شاملة تعيد للدولة مركزها ووحدتها، وإما أن ينزلق تدريجيا نحو تفكك جغرافي يعيد رسم خريطة القرن الإفريقي.

وفي ظلّ هذا المشهد، يبدو أنّ مفتاح الحلّ لا يكمن في الاتفاقات العسكرية المؤقتة، بل في مشروع وطني جامع يعيد تعريف السلطة والهوية والمواطنة في السودان، بعيدا عن منطق الغلبة والقهر الذي أوصل البلاد إلى حافة الانهيار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى