الشرق الأوسط

الرياض مركز الثقل في هندسة التوازنات العالمية الجديدة

 

لوبوان تي آن- كتب سفيان جمال الدين

في مشهد يعكس التحولات الجيوسياسية المتسارعة، برزت المملكة العربية السعودية كقوة دبلوماسية تسعى لتقريب وجهات النظر بين القوى الكبرى وحلحلة الأزمات العالقة. فمن استقبال نائبة الرئيس الأوكراني في إطار مفاوضات مع موسكو، إلى الاستعداد لاستضافة قمة تجمع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، وصولًا إلى إعلان استعدادها للتوسط بين طهران وواشنطن، تبدو الرياض وكأنها باتت مركز ثقل في هندسة التوازنات العالمية.

الملف الأوكراني – الروسي: تقارب سعودي معقد

أثار وصول نائبة الرئيس الأوكراني إلى الرياض لترؤس وفد بلادها في المفاوضات مع روسيا تساؤلات حول الدور الذي تسعى المملكة للعبه في الأزمة الأوكرانية. وفي ظل استمرار الصراع، تحاول الرياض تقديم نفسها كوسيط محايد قادر على التحدث مع طرفي النزاع، مستندة إلى علاقاتها القوية مع موسكو من جهة، وارتباطها الوثيق مع الغرب من جهة أخرى. كما أن نجاح المملكة في استضافة جولات حوار سابقة بين الطرفين يعزز من مصداقية دورها في هذه القضية الشائكة.

ترامب- بوتين: قمة محتملة برعاية سعودية؟

في سياق موازٍ، تتواتر الأنباء عن استعداد المملكة لتنظيم لقاء بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين. ورغم أن تفاصيل الاجتماع لم تتضح بعد، فإن فكرة عقد مثل هذا اللقاء على أرض سعودية تعكس قدرة الرياض على استثمار علاقاتها المتوازنة مع كل من واشنطن وموسكو لإعادة ضبط العلاقات بين القوتين العظميين، خصوصًا في ظل التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن أوكرانيا والتوازنات الاستراتيجية.

الوساطة بين طهران وواشنطن: انفراج أم محاولة أخرى؟

يبدو أن الملف الإيراني الأمريكي يشهد حراكًا جديدًا، حيث أبدت المملكة استعدادها للعب دور الوسيط بين طهران وواشنطن، في خطوة لاقت قبولًا مبدئيًا من البيت الأبيض. كما عبّر عباس عراقجي، نائب وزير الخارجية الإيراني، عن موقف إيجابي تجاه الوساطة السعودية خلال زيارته لسلطنة عمان، التي كانت في السنوات الأخيرة ساحة خلفية للمفاوضات السرية بين الطرفين. يأتي هذا التطور وسط تعقيدات الملف النووي الإيراني، والعقوبات الأمريكية، والتوترات الإقليمية، مما يجعل أي جهود دبلوماسية ذات طابع متعدّد الأطراف أمرًا ضروريًا لإعادة الاستقرار.

 

الرياض: وسيط أم لاعب استراتيجي؟

ما تشهده الرياض من حركية دبلوماسية مكثفة يعكس تحولًا في استراتيجيتها الخارجية، حيث تسعى المملكة إلى تعزيز مكانتها كلاعب رئيسي في المشهد الدولي. وفي ظل بيئة دولية متغيرة، قد تكون هذه التحركات مقدمة لدور سعودي أكثر تأثيرًا في إعادة تشكيل التوازنات السياسية العالمية. فهل ستنجح المملكة في تحقيق اختراقات دبلوماسية تُسجَّل في تاريخها كقوة مؤثرة؟ أم أن التحديات الإقليمية والدولية ستحدّ من فعالية هذه الجهود؟

الأيام القادمة وحدها ستكشف مدى نجاح الرياض في تحويل هذه التحركات إلى نتائج ملموسة على الأرض والمؤكد انها ستنجح في جل الملفات امام الدور المتنامٍ الذي أصبحت تلعبه في السياسة العالمية حيث أصبحت المملكة العربية السعودية لاعبًا رئيسيًا في الدبلوماسية الدولية، وتحولت من مجرد قوة إقليمية ذات نفوذ في منطقة الشرق الأوسط إلى فاعل مؤثر على المسرح العالمي. ويرجع ذلك إلى مجموعة من العوامل، أبرزها حكمة قياداتها وقوتها الاقتصادية، ودورها في أسواق الطاقة العالمية، وعلاقاتها المتوازنة مع القوى الكبرى، بالإضافة إلى قدرتها على التوسط في النزاعات الدولية والإقليمية.

ويذكر ان المملكة نجحت افي بناء علاقات متوازنة مع مختلف القوى العالمية، فهي حليف استراتيجي للولايات المتحدة، لكنها في الوقت نفسه تحتفظ بعلاقات قوية مع روسيا والصين، وهو ما يظهر في التعاون العسكري والاقتصادي مع موسكو، وتزايد الاستثمارات والشراكات مع بكين، خاصة في إطار مبادرة “الحزام والطريق”. هذه القدرة على المناورة بين المعسكرات المختلفة عززت مكانة السعودية كوسيط موثوق في الأزمات الدولية.

رؤية 2030: البعد الاقتصادي في الدبلوماسية

ولا تقتصر القوة السعودية على السياسة التقليدية، بل تمتد إلى الاقتصاد، حيث تمثل رؤية 2030 مشروعًا طموحًا يعزز مكانة المملكة عالميًا. فمن خلال الاستثمار في التكنولوجيا، والطاقة المتجددة، والسياحة، تستقطب السعودية الشراكات الدولية وتعيد تعريف علاقاتها مع العالم على أسس أكثر تنوعًا واستدامة.

ختاما، لا بدمن الإشارة  انه ومع تصاعد دورها في الوساطة الدولية، وبناء شراكات متوازنة، وتنويع اقتصادها، يبدو أن السعودية في طريقها لتصبح لاعبًا أكثر تأثيرًا في النظام العالمي الجديد. ورغم التحديات، فإن قدرتها على إدارة التوازنات المعقدة تعزز من مكانتها كدولة محورية في المشهد الدبلوماسي الدولي.

.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى